هيئة الإحصاء تنشر إحصاءات سوق العمل للربع الثاني 2025م.    منتخب السعودية يخسر أمام كولومبيا في كأس العالم تحت 20 عامًا    يحيى بن جنيد شخصية العام التراثية في احتفالية يوم المخطوط العربي 2025    ابن معمر: المملكة تضع الترجمة والابتكار في صميم رؤيتها الثقافية والتنموية    "طبية" جامعة الملك سعود تسجّل براءة اختراع لأداة فموية متعددة الوظائف    انضمام السعودية إلى الشبكة العالمية للهيئات الإشرافية على الذكاء الاصطناعي في منظمة اليونسكو    ترامب يؤكد دعم باكستان لخطته للسلام    افتتاح معرض "صوت التناغم" الصيني بالمتحف الوطني السعودي في الرياض    تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر خطوة محورية في مسار تطوير السوق العقاري    انخفاض أسعار النفط    دوري يلو.. الدرعية يلاحق العلا.. والرائد يحسم الديربي    ميدفيديف يحذر أوروبا من حرب شاملة.. وزيلينسكي: روسيا لن تعيد رسم حدود أوكرانيا    أمَّن وصول المساعدات لأول مرة.. الجيش السوداني يكسر حصار الفاشر    الذكريات.. إرث يبقى بعد الرحيل    جذب الشركات العالمية للقطاع الثقافي.. «الثقافة» توقع مذكرة تفاهم مع «دويتشه» لتنمية المواهب    في ثاني جولات نخبة آسيا.. الهلال يتصدر بنقاط ناساف.. والأهلي يتعادل مع الدحيل    في الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد وليفربول يبحثان عن التعويض.. ومورينيو يعود إلى «ستامفورد بريدج»    في الجولة الثانية من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الاتحاد يسعى لاستعادة الثقة أمام شباب الأهلي الإماراتي    شدد على دعم المحتوى المحلي واستكمال مشاريع الجامعات.. «الشورى» يطالب بتطوير مبادرات القطاع غير الربحي    الجهات الأمنية تضبط 173 كجم من المخدرات    جدة تتصدر جودة الحياة في السعودية    2.5 مليار دولار صكوك إعادة التمويل    مع ارتفاع نسبة مشاركة النساء.. سوريا تبدأ الدعاية الانتخابية لمجلس الشعب    انطلق برعاية ولي العهد.. بدر بن عبدالله خلال مؤتمر الاستثمار الثقافي: إطلاق جامعة الرياض للفنون قريباً    «مطوفي الدول العربية» تحتفل باليوم الوطني ال 95 بفعاليات تراثية وفنون شعبية    مستشفيات غزة محاصرة.. والموت يطوق المرضى    «أحذية» تقود هنديين للفوز بجائزة عالمية    نوم أقل.. وزن أكثر (1)    باحثون يطورون كبسولات لعلاج الزهايمر    ‏قائد قوة جازان يزور المنطقة الخامسة ويشيد بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية    لحظة انشغال.. نهاية مأساوية    سعود بن نايف يكرم شركاء نجاح "سند"    المعلم أولًا..    سعود بن بندر يستقبل قائد المنطقة الشرقية    «محمية الإمام تركي» تنضم لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    أمير الرياض يلتقي نائب وزير الحرس الوطني    فيصل بن نواف يطلع على تقرير "سهل التعليمية"    أمير جازان يطلق فعاليات منتدى فكر    تكريم الفائزين بجائزة «صيتة» في الزلفي    أمير جازان يرعى ندوة "بلادنا تأريخ وحضارة" والتي ينظمها نادي الثقافة والفنون بصبيا    لبنان: «إسرائيل» تقصف مخزن أسلحة ل«حزب الله»    الاتحاد يودع بلان.. وخليفة يطالب لاعبيه بنسيان النصر    أمير حائل: المبادرات تدعم الحراك الرياضي والسياحي    ليلة الخذلان من لوران بلان    أربعة قتلى بنيران مسلح في ميشيغن.. وترمب يصفه بجزء من "وباء العنف"    «العظام والمفاصل» بمستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة.. رعاية صحية وفق أعلى المعايير.. أميز الكفاءات.. وأحدث التجهيزات    الصندوق السعودي للأفلام يعتمد ريفيرا كونتنت اسما جديدا    الشورى لبنك التنمية الاجتماعية: استثمروا في التمويل الجماعي    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    لا للتهجير أو الاحتلال.. البيت الأبيض ينشر خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    محافظ صبيا يكرم مدير مكتب التعليم بمناسبة انتهاء فترة عمله    «هيئة الشورى» تحيل 20 موضوعاً للجان المتخصصة    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    "الشؤون الإسلامية" تواصل جهودها التوعوية في الجعرانة    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطة جون كيري لفلسطين: من النمو الاقتصادي إلى السلام؟
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 2013

انشغل وزير الخارجية الأميركي جون كيري تماماً بالشرق الأوسط مؤخراً. فبعد أن زار كلاً من مصر والمملكة العربية السعودية بهدف إصلاح العلاقات المتضرّرة، توجّه إلى جنيف للمشاركة المباشرة في محادثات مجموعة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي زائد ألمانيا لحلّ الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني. وأضاف كيري أيضاً إلى جدول أعماله لقاءً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ولقاءً استشارياً كذلك مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في محاولة لتنشيط محادثات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية المتعثّرة.
دفع النشاط الديبلوماسي الأميركي الحثيث واحتمال الوصول إلى اتفاق بين إيران ومجموعة «الخمسة الدائمين زائد واحد» بالمراقبين المتفائلين إلى توقّع خرقٍ ديبلوماسي كذلك في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، ربما مبكراً، في أوائل العام 2014. ومن شأن ذلك تحقيق الجدول الزمني البالغ تسعة أشهر الذي كان كيري قد وضعه في ربيع العام 2013 للوصول إلى اتفاقية حول «الوضع الدائم» في فلسطين. ويعتقد المراقبون أنفسهم أن الاتفاقية سوف تستند إلى «مبادئ كلنتون» الصادرة في كانون الأول (ديسمبر) 2000، ومبادرة السلام العربية الصادرة في آذار (مارس) 2002، وأنها ستشمل أيضاً خطة لتنمية الاقتصاد الفلسطيني.
لعلّ بمقدور التدخّل الديبلوماسي الأميركي القوي أن يؤدّي إلى اتفاق فلسطيني-إسرائيلي يشمل رزمةً من العناصر السياسية والأمنية والاقتصادية. ويتمتّع كيري بالحيوية والهِمّة اللازمتَين لتحقيق المهمة، لكن ماذا سيبقى من مبادرته الجريئة في حال تعطّلت المحادثات الفلسطينية-الإسرائيلية تماماً ولم يتمّ التوصّل إلى اتفاق سلام نهائي؟ وتدلّ ردود نتانياهو العدائية على تذكير كيري له بأن «موقف الولايات المتحدة الأميركية تجاه المستوطنات هو أننا نعتبرها... غير شرعية»، وعلى التقارير الأولية التي تشير إلى قرب التوصّل إلى اتفاق بين «الخمسة الدائمين زائد واحد» مع إيران، على أن معركة سياسية موجِعة آتية بين الجانبين.
إذا صحّت التجارب السابقة، فإن الإدارة الأميركية سوف تتراجع عن المواجهة السياسية مع نتانياهو وحلفائه في الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركيين. وبدلاً من ذلك، سوف تلجأ إلى الشقّ الاقتصادي من خطة كيري. فحين خاطب المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في أيار (مايو) 2013، تحدث كيري عن استقطاب استثمارات تبلغ 4 بلايين دولار بغية توسيع الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 50 بالمئة في غضون ثلاث سنوات، وتتركّز أساساً في قطاعات الإسكان والسياحة والزراعة، ما يخفّض نسبة البطالة بالثلثَين ويرفع معدّل الدخل لغالبية الفلسطينيين.
لكن المشكلة في الخطة الاقتصادية «التحويلية»، كما وصفها كيري، هي أنها تشبه استراتيجية «النمو الاقتصادي» الفاشلة التي اتّبعتها كلٌّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ العام 1993. فبدلاً من التصدّي المباشر للعوائق السياسية أمام الوصول إلى اتفاق سلام، قاد الأميركيون والأوروبيون المجتمع الدولي في السعي السرابي إلى تحقيق نمو اقتصادي من شأنه «إيصال منافع ملموسة إلى الشعب الفلسطيني لتعزيز الزخم باتجاه السلام»، كما شرحت وثيقة الإطار الرئيسية الصادرة عن البنك الدولي في ذلك الحين.
غير أنه ظهر بادياً للعيان أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يكونا مستعدَّين للدفاع عن استراتيجيتهما الاقتصادية. فقد أدّى إغلاق الحدود من قبل إسرائيل في الأعوام 1995 - 1999 لفترات طويلة متعاقبة، إلى خنق التجارة الفلسطينية وتقليص معدّل الدخل الفردي. وأدّت عملية «الدرع الواقية» وما تبعها في ربيع العام 2002 إلى إلحاق أضرار بلغت كلفتها 361 مليون دولار بالبنية التحتية والمنشآت المدنية في الضفة الغربية، بحجمٍ لم يتناسب مطلقاً مع النطاق الفعلي للقتال وحدّته، علماً أن المجتمع الدولي هو الذي دفع لاحقاً تكاليف إصلاح ما تضرّر. وحين قامت الإدارة الأميركية والبنك الدولي بصياغة «اتفاق المرور والعبور» في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 - الذي جسّد بعينه استراتيجية الدول المانحة لتنمية الاقتصاد الفلسطيني داخل إطار السيطرة الإسرائيلية الأمنية والجغرافية والإدارية - رفضت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تطبيقه، ما أدّى إلى فشله الفوري التام.
على رغم هذا السجل السلبي، أعادت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إحياء استراتيجية «النمو الاقتصادي» مجدداً عقب انقسام السلطة الفلسطينية إلى حكومتين متنافستين في الضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران (يونيو) 2007. إلا أنه لم يمرّ سوى سنتين حتى استخلص البنك الدولي أن الاقتصاد الفلسطيني «يفشل فشلاً ذريعاً بإنجاز طاقته، حتى خلال فترات الاستقرار في الوضع الأمني» وأنه قد تعرّض إلى «التجويف، حيث تتراجع القطاعات الإنتاجية... ويزداد الاتكال على مساعدة المانحين له لتفادي الانهيار المالي». والمفارقة الإضافية هي أن حكومة حركة «حماس» في غزة حقّقت مؤشرات اقتصادية أفضل في العام 2010 من حكومة رئيس الوزراء سلام فياض المُنافِسة في الضفة الغربية، على رغم تلقّي هذه الأخيرة زيادةً حادةً في المساعدات الدولية.
لقد شهدت السنوات العشرون الماضية تحويل المساعدة الدولية إلى الفلسطينيين من غرضها الأصلي المتمثّل بدعم النمو الاقتصادي، وتطوير القطاع الخاص، وبناء المؤسسات، إلى تقديم المعونة الإنسانية، وخطط الطوارئ، وخلق الوظائف الموقتة، ودعم موازنة السلطة الفلسطينية. وأدّى ذلك إلى تقويض وتحوير الأهداف النهائية والفرضيات المتضّمنة لاستراتيجية المانحين الاقتصادية كلياً تقريباً: فلم تحصل تنمية مستدامة ولم تُبنَ مؤسسات ذات صدقية، ناهيك عن قيام دولة فلسطينية مستقلة في إطار اتفاق سلام مع إسرائيل. بل نتج اتكال مُزمِن لدى الفلسطينيين على المعونة الخارجية. وفي أحدث تقرير أصدره البنك الدولي في 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2013، قدَّرَ أن سيطرة إسرائيل على 61 بالمئة من أراضي الضفة الغربية - عدا سيطرتها على القدس الشرقية أو سيطرتها غير المباشرة على باقي الضفة الغربية وعلى قطاع غزة - يكلّف وحده الاقتصاد الفلسطيني خسائر تبلغ 3.4 بليون دولار سنوياً، أي 35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
لعله كان يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن ينقذا استراتيجية النمو الاقتصادي لو أصرّا على إنشاء آليات التنفيذ وتسوية النزاعات من أجل تأمين حسن تطبيق الترتيبات الاقتصادية المُتَّفَق عليها، ولردع الخروق من خلال تمكين فرض العقوبات المواتية. لكن سرعان ما تخلّيا عن المحاولة اليتيمة لإنشاء آلية للمراقبة - التي كانت متضمَّنة بداية في «خريطة الطريق للسلام» التي أعدّتها الرباعية الدولية بقيادة الولايات المتحدة في نيسان (أبريل) 2002 - بعدما ووجِها بالاعتراض الإسرائيلي. فمرّة تلو المرّة، تمسّكت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باستراتيجيتهما المفضَّلة كلما اشتدّت الأزمة في عملية السلام، بدلاً من تعديل تلك الاستراتيجية.
يقدّم كيري بصيص أمل من خلال ربط الشقّ الاقتصادي بمشروع اتفاق يؤدّي إلى زوال السيطرة الإسرائيلية، ولو بشكل تدريجي. وتتوقّف النتيجة بالكامل على التمسّك بهذا الربط العضوي. ففي غياب ذلك، تتحوّل خطة كيري الاقتصادية إلى مجرّد تكرار رابع مملّ لاستراتيجية فاشلة، تساهم في وضع قائم متآكل لا يقدر على إبقائه ولا على قَلبِه نحو الأفضل.
* باحث أول في مركز كارنيغي للشرق الأوسط - بيروت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.