«الواقع أنك أعزّ أصدقائي الحميمين. أخبرك كل شيء، أضع ثقتي بك، أسعى إلى سماع نصيحتك، أحبك، أهتم بك، أقلق عليك، نضحك ونبكي سوياً... الواقع أن من دون العلاقة التي بيننا في حياتي فإنني لست متأكدة من أنني أستطيع أن أتحمّل (الحياة ومصاعبها)». كان ذلك جزءاً من رسالة كتبتها إمرأة مجروحة تركها حبيبها، فكتبت إليه تصارحه بمشاعرها تجاهه، عسى أن يعودا معاً، كما يبدو. وإذا كان لا يُعرف تحديداً ماذا كان ردّ الحبيب، فإن الظاهر أن علاقتهما إنتهت بعد ست سنوات من بدئها في مطلع الألفية. فهي تركت زوجها الذي كانت مرتبطة به عندما أقامت علاقة سرية مع حبيبها وزميلها في مقرّ العمل. تزوجت لاحقاً ولا تزال إلى اليوم مع زوجها الجديد. أما حبيبها السابق فقد كان متزوجاً عندما كانت تقيم العلاقة معه، ولا يزال مع زوجته حتى الآن. ولكن إذا كانت الخيانة الزوجية تكاد تكون أمراً شبه عادي اليوم في كثير من المجتمعات، لا سيما في الغرب، فما السبب الذي يدعو الإدعاء الملكي البريطاني إلى نشر مثل هذه الرسالة الخاصة بين حبيبين سابقين إفترقت بهما السبل؟ السبب، كما قال ممثل الإدعاء في محكمة «أولد بايلي» في لندن، أن الرسالة تشكّل جزءاً من الأدلة على أن المتهمين - ربيكيا بروكس وآندي كولسون - يعرفان «أسرار» بعضهما بعضاً، وأن ما يعرفه أحدهما لا بدّ وأن يعرفه الآخر. سواء كان زعم الإدعاء صحيحاً أم لا، فإن حسمه لن يظهر على الأرجح قبل عيد الفصح من العام المقبل عندما يُتوقع أن تُعلن هيئة المحلفين قرارها، إدانة أو براءة، علماً أن المتهمين الإثنين مع آخرين تجري محاكمتهم حالياً يدفعون جميعهم ببراءتهم. لكن عدداً من الصحف البريطانية لم يتمكن من أن «يضبط أعصابه» حتى إنتهاء المحاكمة، فلجأ إلى نشر وقائع جلسات «أولد بايلي» - وهو أمر مشروع في القانون - وعرض فيها بالتفاصيل «فضيحة» العلاقة السرية السابقة بين ربيكيا وآندي. كان بعض التغطية الصحافية يحمل بلا شك نوعاً من «التشفّي» بهذين الشخصين اللذين أثارا الهلع في صفوف المسؤولين الحكوميين ومشاهير المجتمع - وحتى بعض العامة من الشعب - خشية أن تكشف ربيكيا وآندي سر علاقة غير شرعية يقيمونها من وراء ظهور أزواجهم أو زوجاتهم. فقد «برعا» في ذلك براعة لا مثيل لها، وكانا ينشران على صفحات الجريدة الأسبوعية التي يديرانها «نيوز أوف ذا وورلد» - المتوقفة عن الصدور حالياً - وشقيقتها اليومية «ذا صن» خبطات صحافية تروي بالتفصيل علاقة هذا الرجل بتلك المرأة أو العكس، مع تقديم سرد واف لما يقولانه لبعضهما بعضاً وكأن الصحيفة تقيم معهما في «سرير الخيانة الزوجية». كان الصحافيان، كما يحاول الإدعاء أن يُثبت في المحكمة حالياً، يحصلان على السبق نتيجة تنصتهما على هواتف الناس. يوضع هدف ما للتنصت عليه (أو عليها) وتراقب الإتصالات التي تُجرى من هاتفه. ومثل هذا الأمر كان ولا بدّ وأن تنتج عنه قصة ما تتميّز به صحيفتهما، حتى ولو لم يكن يتضمن فضيحة جنسية. وزير في «الشرك» وعلى مدى سنوات كان الأشخاص الذين تكشف علاقتهم السرية على صفحات «نيوز أوف ذا وورلد» و«ذا صن» يستغربون كيف حصل الصحافيون على سرهم، خصوصاً عندما يكونون قد أخذوا الإحتياطات الممكن اتخاذها لإبقاء السر سراً، فيُفاجأون بأنه يتصدر صفحات الجرائد في صباح اليوم التالي. كان وزير الداخلية السابق ديفيد بلانكيت واحداً من هؤلاء. إذ كان يقيم علاقة غير شرعية مع إمرأة متزوجة، وكانا يعرفان بأن لا أحد غيرهما يعرف بسرهما. إلى أن فوجئ بلانكيت بآندي كولسون يزوره في مكتبه ليسأله رده على نية صحيفته نشر خبر علاقته بالمرأة المتزوجة. سأله بلانكيت عن «دليله» على وجود مثل هذه العلاقة، فأجابه بأنه «متأكد» من صحة مزاعمه، لكن رفض أن يقول ما هو الدليل الذي يملكه. لم يستطع كولسون بالطبع أن يكشف لبلانكيت أن دليله يقوم على تنصّت غير شرعي على مكالمات الوزير وعشيقته، لكنه أراد أن يواجهه بالزعم قبل النشر. فإذا أكد الوزير العلاقة كان به، وإذا نفى فإنه يكون في ورطة أكبر لأنه يكون قد كذب. وما حصل مع بلانكيت حصل بالطبع مع غيره من مشاهير المجتمع البريطاني، ومع آخرين لم يسمع بهم أحد لكن تم التنصّت على هواتفهم علّ ذلك يُثمر فضيحة ما تستغلها «نيوز أوف ذا وورلد» و»ذا صن» لنشر خبر مميز يلقى إهتمام القراء. إستمر هذا الأمر سنوات إلى أن إنكشف قبل سنوات قليلة، ما أثار ضجة واسعة في بريطانيا أرغمت مالك الصحيفتين - روبرت ميردوخ - على غلق أكثرهما تورطاً في فضيحة التنصّت (نيوز أوف ذا وورلد) في أواخر العام 2011. كما أدت الفضيحة إلى إستقالة ربيكيا من منصبها كمسؤولة عن «نيوز إنترناشيونال» الذراع البريطانية لإمبراطورية ميردوخ، وكذلك فعل آندي كولسون الذي إضطر إلى ترك منصبه مسؤولاً عن جهاز الإعلام لدى رئيس الحكومة في «10 داونينغ ستريت». لكن كلاهما أصرّ على نفي تهمة معرفته بأن الصحافيين العاملين تحت إمرتهما كانوا يحصلون على السبق الصحافي نتيجة تنصّتهم على الهاتف في شكل غير مشروع، وهو أمر يحاول الإدعاء في المحكمة حالياً إثبات عدم صحته. هكذا بعد سنوات من إشتهار ربيكيا وآندي بنشر فضائح الخيانات الزوجية للمسؤولين والمشاهير، دارت عقارب الساعة ليجدا نفسيهما «الفضيحة» التي تتصدر صفحات الجرائد البريطانية. وقد عبّرت صحيفة «الإندبندنت» في شكل جلي عن رأيها في ما حلّ بآندي وربيكيا عندما فضح الإدعاء رسالتها لحبيبها السابق في قاعة المحكمة. إذ حمل عنوان صفحتها الأولى عبارة «العلاقة (بينهما) التي لم يحاولا كشفها»، في تلميح واضح إلى أنهما كانا ينشران فضائح العلاقات الجنسية للآخرين بينما هما نفسهما كان يقومان بالشيء ذاته الذي عيّرا غيرهما به على صفحات الجرائد ال«تابلويد» الشعبية.