مشروع ابتعاث الإعلام، بما يحمله من رؤية وأهداف، ليس مجرد فرصة تعليمية، بل إعلان عن مرحلة جديدة، حيث يتحول الإعلام السعودي من أداة للتواصل إلى منصة لصناعة المعنى، ومن وظيفة تقليدية إلى رسالة وطنية، ينهض بها جيل يعرف أن العقول الوطنية هي الوقود الأقوى، وأن العالم لن يسمع القصة السعودية إلا من أبنائها.. "لا وقود أقوى من العقول الوطنية"؛ بهذه العبارة أعلن معالي وزير الإعلام، بالتعاون مع وزير التعليم، إطلاق مشروع ابتعاث الإعلام، في خطوة تحمل دلالات تتجاوز حدود البرامج الأكاديمية إلى رسم ملامح قوة ناعمة سعودية متجددة. فالابتعاث في جوهره ليس مجرد قرار، بل رحلة سنين ووعي، بدأت منذ عقود وشملت مختلف التخصصات، وها هي اليوم تفتح أبوابها لقطاع الإعلام ليأخذ مكانه المستحق في صناعة الحضور السعودي على الساحة الدولية، صوتًا وصورةً، فكرةً ورسالةً. هذا التحول يعكس إدراكًا متناميًا لدور الإعلام كأداة استراتيجية، لا تقل أهمية عن الطب والهندسة والتقنيات المتقدمة، بل تقف جنبًا إلى جنب معها في بناء صورة الوطن وترسيخ مكانته. الأرقام التي كشف عنها وزير التعليم تضيف بعدًا نوعيًا لهذا الإعلان؛ إذ بلغ عدد الطلبة السعوديين المبتعثين إلى أفضل ثلاثين جامعة في العالم 3388 طالبًا وطالبة، فيما سجلت آخر إحصائية في العام 2025 ابتعاث 938 طالبًا وطالبة إلى هذه الجامعات المرموقة. هذه الأرقام، حين توضع في سياق ابتعاث الإعلام، تعني أن المملكة لا ترسل أبناءها إلى الخارج لمجرد التحصيل العلمي، بل تختار لهم بيئات تعليمية هي الأكثر تأثيرًا في صياغة عقول قادرة على المنافسة، والإبداع، ومخاطبة العالم بلغاته وأساليبه الأكثر حداثة. ويتميز برنامج ابتعاث الإعلام الجديد بكونه جزءًا من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، حيث يفتح آفاق الدراسة في خمس عشرة دولة عبر برامج تدريبية متخصصة ونوعية، تشمل مختلف الدرجات العلمية من الدبلوم إلى البكالوريوس والماجستير، إضافة إلى منح علمية متقدمة. ويركز البرنامج على التخصصات التي تواكب المستقبل مثل الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي، بما يعكس توجهًا استباقيًا لمواكبة التحولات العالمية. كما يعقد شراكات مع القطاع الخاص لتأهيل الكفاءات الوطنية وتوظيفها، ويتيح فرص عمل جديدة ومتنوعة عبر مسارات مهنية تبدأ من "واعد" لتجعل قطاع الإعلام أحد المسارات المعتمدة للتوظيف. وبذلك لا يقتصر أثر البرنامج على البعد التعليمي فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى دعم نمو القطاع الإعلامي السعودي وتعزيز تنافسيته محليًا ودوليًا. في المشهد العالمي، لم تعد المعركة على القوة المادية وحدها، بل على القدرة على صياغة السرديات الوطنية والتحكم في تدفق المعلومات وبناء الانطباعات. وهنا، تأتي أهمية أن يمتلك الإعلام السعودي كوادر مدربة في أرقى المؤسسات الأكاديمية والمهنية، قادرة على إنتاج محتوى يوازن بين العمق والانتشار، ويعبر عن الهوية الوطنية بلغة يفهمها العالم ويحترمها. فالابتعاث في تخصصات الإعلام يعني الاستثمار في جيل يمكنه أن يكون سفيرًا بميكروفونه وعدسته وقلمه، جيل يعرف كيف يقدم الحكاية السعودية بثقة، بعيدًا عن الصور النمطية أو النقل المكرر، بل بصياغة مبتكرة تستند إلى معرفة دقيقة ومهارة عالية. هذا المشروع لا يقتصر على نقل المعرفة، بل يتجاوزها إلى بناء جسور مؤسسية مع الجامعات والمراكز العالمية، ما يعزز قدرة المملكة على المنافسة في سوق الإعلام العالمي، والتأثير في دوائره الفاعلة. ومع عودة المبتعثين، من المتوقع أن يشهد المشهد الإعلامي طفرة نوعية على مستوى المؤسسات القائمة والمشاريع المستقلة، عبر إدخال معارف حديثة وشبكات علاقات دولية. إن مشروع ابتعاث الإعلام، بما يحمله من رؤية وأهداف، يمثل خطوة استراتيجية في مسار بناء القوة الناعمة السعودية.. فهو يربط بين الاستثمار في الإنسان وبين صياغة الحضور الدولي، ويؤكد أن المملكة تخطط لزمن تتجاوز فيه رد الفعل إلى صناعة المبادرة.. هذه ليست مجرد فرصة تعليمية، بل إعلان عن مرحلة جديدة، حيث يتحول الإعلام السعودي من أداة للتواصل إلى منصة لصناعة المعنى، ومن وظيفة تقليدية إلى رسالة وطنية، ينهض بها جيل يعرف أن العقول الوطنية هي الوقود الأقوى، وأن العالم لن يسمع القصة السعودية إلا من أبنائها.