الذهب يستقر بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس الإمارات في الشيخ طحنون آل نهيان    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    الذهب يستعيد بريقه عالمياً    تيليس: ينتظرنا نهائي صعب أمام الهلال    محافظ سراة عبيدة يكرم المشاركين والمشاركات ب أجاويد2    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    سعود عبدالحميد «تخصص جديد» في شباك العميد    الهلال يواجه النصر.. والاتحاد يلاقي أحد    رغم المتغيرات العالمية.. الاقتصاد الوطني يشهد نمواً وتنوعاً متسارعاً    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    يجيب عن التساؤلات والملاحظات.. وزير التعليم تحت قبة «الشورى»    متحدث التعليم ل«عكاظ»: علّقنا الدراسة.. «الحساب» ينفي !    أشعة الشمس في بريطانيا خضراء.. ما القصة ؟    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    رئيس الوزراء الباكستاني يثمِّن علاقات بلاده مع المملكة    جميل ولكن..    السعودية تتموضع على قمة مسابقات الأولمبياد العلمية ب 19 ميدالية منذ 2020    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    «عندي أَرَق» يا دكتور !    استشهاد ستة فلسطينيين في غارات إسرائيلية على وسط قطاع غزة    33 مليار ريال مصروفات المنافع التأمينية    لؤي ناظر يعلن عودته لرئاسة الاتحاد    «سلمان للإغاثة» ينتزع 797 لغماً عبر مشروع «مسام» في اليمن خلال أسبوع    وزير الصحة يلتقي المرشحة لمنصب المديرة العامة للمنظمة العالمية للصحة الحيوانيّة    النصر يتغلب على الخليج بثلاثية ويطير لمقابلة الهلال في نهائي كأس الملك    مدرب تشيلسي يتوقع مواجهة عاطفية أمام فريقه السابق توتنهام    طالبة سعودية تتوّج ضمن أفضل 3 مميزين في مسابقة آبل العالمية    بمناسبة حصولها على جائزة "بروجكت".. محافظ جدة يشيد ببرامج جامعة الملك عبدالعزيز    تعزيز الصداقة البرلمانية السعودية – التركية    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    في الجولة ال 30 من دوري روشن.. الهلال والنصر يواجهان التعاون والوحدة    دورتموند يهزم سان جيرمان بهدف في ذهاب قبل نهائي «أبطال أوروبا»    العثور على قطة في طرد ل«أمازون»    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    تنمية مستدامة    تحت رعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. حرس الحدود يدشن بوابة" زاول"    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    الفريق اليحيى يتفقد جوازات مطار نيوم    أمير الشرقية يثمن جهود «سند»    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    مختصون: التوازن بين الضغوط والرفاهية يجنب«الاحتراق الوظيفي»    مفوض الإفتاء بالمدينة يحذر من «التعصب»    أمن الدولة: الأوطان تُسلب بخطابات الخديعة والمكر    مناقشة بدائل العقوبات السالبة للحرية    فرسان تبتهج بالحريد    التوسع في مدن التعلم ومحو الأميات    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    سمو محافظ الخرج يكرم المعلمة الدليمي بمناسبة فوزها بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية 1445ه    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة "37 بحرية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مبادىء فلسفة المستقبل» لفيورباخ: الإنسان دائماً وأبداً
نشر في الحياة يوم 10 - 10 - 2013

إذا كان فردريك إنغلز، الفيلسوف الألماني وشريك كارل ماركس في أفكاره وكتاباته، قد قال مرة عن مواطنه لودفيغ فيورباخ «لقد كنا جميعاً في وقت من الأوقات فيورباخيين»، فإنه إنما كان يعبّر في هذا القول عن الدَّيْن الذي لصاحب كتابي «جوهر المسيحية» و «ماهية الدين» في عنق الفكر الحديث، لكنه كان في الوقت نفسه يعبّر، عن أن فيورباخ «لم يكن أكثر من مَعْبَر» بالنسبة إلى تلك الحداثة، انطلاقاً من الإنجازات التي حققها هيغل، وصولاً إلى بزوغ فكر العصور المقبلة. ولئن كان فيورباخ قد أطلق على واحد من آخر كتبه ما يشي بأنه يحاول أن يكون أكثر من مَعْبَر، ليصل إلى رسم سياسة فكرية للزمن المقبل، فإن المعضلة، بالنسبة إلى فكر فيورباخ كمنت في أن الذين أتوا من بعده، وإن كانوا مثله، يساريين هيغليين، آثروا دائماً تخطي هذا الكتاب، على أهميته، لأسباب يمكن تلمّسها، حقاً، في ثنايا ذلك النص الشهير الذي كتبه واضعاً أسس المادية التاريخية (ماركس وإنغلز) في عنوان «أطروحات حول فيورباخ» الذي يُربط عادة بكتاب «ضد دوهرنغ». والحقيقة أن هذا النص، أكثر مما كان نقداً مبطناً لفيورباخ وأفكاره، كان نوعاً من القطيعة بالنسبة إلى ماركس وإنغلز مع ماضيهما الذي كان فكر فيورباخ يهيمن عليه. ويتعين ألا يفوتنا، هنا أن في هذه الحقيقة يكمن جوهر العبارة التي أوردناها أعلاه والتي قالها إنغلز يوماً بأمانة علمية.
ذلك أن فيورباخ كان، عن حق، حلقة الوصل بين الدور الذي كان يعزى إلى الفلسفة كفعل تأمل وتفكير نظري، وبين دورها الجديد كفعل عملي وأداة لتغيير العالم. وكان هذا ما حدسه فيورباخ، على أية حال، حين وصف جوهر الدين بمواصفات تجعل منه أشبه بفلسفة علمية مقترحاً في شكل موارب في الوقت نفسه أن الفلسفة يمكنها إذ تتحول إلى فعل، تشابه الدين في وظيفتها. وعلى هذا، أفلا يمكننا أن نقول إن فيورباخ كان أول من طالب، في العصور الحديثة، بعودة الفلسفة إلى ما كانت عليه أيام الإغريق: أداة عملية لتغيير العالم؟ هذا، على الأقل، ما يمكننا أن نجده في كتاب «مبادئ فلسفة المستقبل» ذلك الكتاب الذي يكاد يكون أقل كتب فيورباخ شهرة، ومع هذا يمكن اليوم، أمام الأزمة الجوهرية التي يعيشها الفكر الماركسي، أن يستعاد ويعاد إليه اعتباره.
نشر فيورباخ كتابه «مبادئ فلسفة المستقبل» في عام 1843، حين كان في التاسعة والثلاثين من عمره، وكان أنجز كتابة أهم مؤلفاته، مثل «في نقد الفلسفة الهيغلية» (1839) و «جوهر المسيحية» (1841) و «الموضوعات حول إصلاح الفلسفة» (1842). وفي هذا الكتاب الذي لم يكتب فيورباخ من بعده أعمالاً كبيرة أخرى، حاول المؤلف أن يطور جملة أفكار كان سبق له أن عبر عنها في كتاب سابق له عنوانه «أفكار حول الموت والخلود»، وكذلك في «جوهر المسيحية»، لا سيما في ما يتعلق بما كان يراه من غياب أي توافق بين مفهوم الواقع وجوهر الفردية التي كانت، في نظره، تمثل جوهر الطبيعة نفسه. بالنسبة إلى فيورباخ الواقع الحقيقي هنا هو الطبيعة الحساسة، التي كانت وستظل دائماً ذات جوهر فردي. وهو يركز هنا، في الرقم 43 من «المبادئ» على أن الناس «يبدأون برؤية الأمور كما تبدو لهم فقط، وليس كما هي في حقيقتها. بالرؤية لا تكون الأمور هي نفسها، بل فقط الفكرة التي يحوزها الناس عنها، ويبدأون بإسقاط جوهرهم الخاص عليها، من دون تمييز الشيء عن صورته». من هنا، في سياق استعادة مذهبه الحسّي، يورد فيورباخ في المبدأ الرقم 25 فكرة أساسية، بالنسبة إليه وهي «أن البرهنة على أن شيئاً ما موجود، معناها فقط أن هذا الشيء لا يمكن أن يكون شيئاً مفكّراً فقط. غير أن هذا البرهان لا يمكن استنباطه من الفكر ذاته. فلكي يأتي الوجود ليُضاف إلى موضوع للفكر، ينبغي أن يكون ثمة شيء ما مختلف عن الفكر قد أتى ليُضاف إلى الفكر نفسه». فما هو هذا الشيء؟ ربما يمكننا العثور على هذا الشيء في ثنايا نص المبدأ الرقم 51: «لكي تتفلسف ينبغي ألا تفصل الفيلسوف فيك عن الإنسان، بل أن تكون إنساناً يفكر فحسب. لا تفكر بصفتك مفكراً، أي ضمن إمكان منتزع من كلية الكائن البشري الحقيقي ومعزول لذاته. فكر بصفتك كائناً حياً وحقيقياً، معرضّاً لأمواج محيط العالم القادرة على إحيائك وعلى مدك بنسغ الشباب. لا تفكر في فراغ التجريد وكأنك واحد معزول، وكأنك عاهل مطلق، وكأنك إله لا مبال نفى نفسه خارج العالم. فكر هكذا فيمكنك أن تضمن لأفكارك أن تكون أساساً لوحدة الفكر والكينونة... لا يكون العالم مفتوحاً على مصاريعه إلا إزاء عقل متفتح والحواس وحدها هي نوافذ العقل...». إذاً، ما في هذه النصوص إنما هو، أولاً وأخيراً، دعوة للإنسان لكي يكون... إنساناً في كليته، وفيورباخ يعبر عن هذه الكلية في كل وضوح: «إنني كائن حقيقي وحساس وجسدي يشكل جزءاً من كينونتي، بل إنه، في كليته، كينونتي نفسها». غير أن فيورباخ إذ يقول هذا يستنكف عن خوض المادية الحسية حتى النهاية. لأنه في الوقت نفسه لا يعتبر القوة خاصية تقتصر على إعادة إنتاج نفسها، بل إنه هنا يقر بالوصول إلى نوع من المثالية التي تقربه من جوهر الهيغلية التي قد يبدو لوهلة أنه انفصل عنها، إذ نراه يقول تالياً إن الكينونة هي سر من أسرار الحدس والشعور، من أسرار الحب. والفلسفة الجديدة تستند في نظره إلى «حقيقة الحب وحقيقة الشعور، ففي الحب وفي الشعور في شكل عام يتعرف كل واحد إلى حقيقة الفلسفة الجديدة. والفلسفة الجديدة، منظوراً إليها في علاقتها مع مبدئها، ليست شيئاً آخر غير جوهر الشعور المرفوع إلى مستوى الوعي: وهي لا تفعل أكثر من أنها تؤكد، في العقل ومعه، ما يتعرف إليه كل إنسان في فؤاده (شرط أن يكون إنساناً حقيقياً). إنها الفؤاد مرفوعاً إلى مستوى التفاهم. فالفؤاد لا يريد مواضيع وكائنات مجردة وميتافيزيقية أو لاهوتية. بل هو يريد مواضيع وكائنات حقيقية محسوسة» (المبدأ 34). وهذا التأكيد يعود إليه المفكر في المبدأ التالي الذي يختتمه قائلاً: «... وتماماً كما أن الحب هو المعيار الموضوعي للكينونة، كذلك هو معيارها الذاتي كما هو معيار الحقيقة ومعيار الواقع. حين لا يكون هناك حب لا يكون ثمة حقيقة. والذي يحب شيئاً يكون وحده شيئاً ما. ألا تكون وألا تحب هما هما الشيء نفسه. فبمقدار ما نوجد نحب. والعكس صحيح».
إن هذه الأفكار هي، طبعاً، ما جعل مؤرخي الفلسفة يقولون دائماً إن فلسفة فيورباخ، على علاتها، تكمن أهميتها الأساسية والكبرى في أن «الإنسان هو المبدأ الأساس فيها. لأن القانون الأسمى لعالم الإنسان يتطلع إلى خير الإنسان بالذات»، ما يعني أن فيورباخ وضع المبدأ الأنثروبولوجي في تناقض تام مع المبدأ الميتافيزيقي القديم. ولعل هذا ما أثار دائماً حماسة المفكرين الشبان لأفكار فيورباخ، قبل أن يتقدم بهم العمر ويجدوا أنفسهم مدفوعين بالتدريج بعيداً من مادّيته الحسية. وهنا يكمن، كما ندرك، جوهر عبارة إنغلز: «لقد كنا جميعاً في وقت من الأوقات فيورباخيين».
ولد لودفيغ فيورباخ في لاندشوت (بافاريا) في ألمانيا عام 1804 ومات عام 1872 في نورمبورغ. وكان فيورباخ، ابن رجل قانون، وهو درس اللاهوت باكراً، كما درس الفلسفة في برلين متتلمذاً على هيغل متأثراً بالجانب التقدمي واليساري في أفكار هذا الفيلسوف الكبير. في عام 1830 وبعدما نشر، غفلاً من التوقيع، واحداً من كتبه المبكرة «خواطر حول الموت والخلود» طرد من التعليم الجامعي، فعزل نفسه في الريف حيث انصرف إلى تأليف الكثير من كتبه الشهيرة، التي ظل يتابع كتابتها ونشرها حتى أواخر سنوات الستين، وكان من آخرها «انساب الآلهة» الذي تسبب فشله لدى مستقبليه في أزمة ذهنية وتدهور أصابا فيورباخ. وهو قضى سنواته الأخيرة منعزلاً يائساً على رغم أن أفكاره كانت بدأت تلقى صدى في أذهان الشباب، تأسيساً لما سيسمى بالتيار التالي من اليسار الهيغلي في ذلك الوقت بالذات.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.