«مكافحة المخدرات» بنجران تقبض على 4 أشخاص لترويجهم 70,935 قرصاً خاضعاً لتنظيم التداول الطبي    اجتماع الرياض: إنهاء حرب غزة.. والتأكيد على حل الدولتين    نائب وزير الخارجية يلتقي رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبي    تحت رعاية ولي العهد.. الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي يختتم أعماله    مجلس الوزراء: نشهد تحولاً اقتصادياً تاريخياً غير مسبوق.. المملكة وجهة عالمية للاستثمار    مفوض الإفتاء بالمدينة: التعصب القبلي من أسباب اختلال الأمن    خبراء دوليون: تقنيات الذكاء الاصطناعي توفر 45% من استهلاك الطاقة في إنتاج المياه    عقد اجتماع لمدراء عموم فروع هيئة ‏الهلال الأحمر السعودي بالمنطقة الجنوبية بمقر فرع الهيئة منطقة نجران    3000 ساعة تطوعية بجمعية الصم وضعاف السمع    الحقيل يجتمع برئيس رابطة المقاولين الدولية الصينية    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للحج ومناقشة عدد من الموضوعات المتعلقة بألاستعدادات المبكرة للحج    ساعات حاسمة ..الهدنة أم غزو رفح؟    شؤون الأسرة ونبراس يوقعان مذكرة تفاهم    الجوازات في 2023.. أكثر من 41 مليون عملية إلكترونية داخل المملكة وخارجها    مدير هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة نجران يزور فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    الصحة: تعافي معظم مصابي التسمم الغذائي    الدكتور الربيعة يلتقي الرئيس المشارك لمؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية    مركز الملك سلمان للإغاثة يوقع على ميثاق صندوق العيش والمعيشة التابع للبنك الإسلامي للتنمية    جامعة نايف العربية تفتتح في الرياض ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات حول مكافحة تمويل الإرهاب    التشكيل المتوقع لمواجهة ريال مدريد وبايرن ميونيخ    التشكيل المتوقع لمواجهة الهلال والاتحاد    مشروعات تطوير البنى التحتية الجديدة في محافظة جزر فرسان تجاوزت ال 16.5 مليون ريال    فيصل السابق يتخرج من جامعة الفيصل بدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الثانية    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.535 شهيدًا    الشِّعر والنقد يفقدان النموذج الإنساني «عبدالله المعطاني»    محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في حفل الأهالي لزيارة أمير منطقة الرياض    الدفاع المدني يدعو إلى عدم الاقتراب من مجاري السيول وتجمعات المياه أثناء هطول الأمطار    إطلاق هاتف Infinix GT 20 Pro الرائد    الفرص مهيأة للأمطار    محافظ أبو عريش يدشن فعاليات أسبوع البيئة    تعاون "سعودي – موريتاني" بالطاقة المتجدِّدة    تحويل الدراسة عن بُعد بوادي الدواسر ونجران    وزير الدفاع يحتفي بخريجي كلية الملك فهد البحرية    تراجع طفيف بأسعار النفط عالمياً    "هورايزن" يحصد جائزة "هيرميز" الدولية    الخريف: نطور رأس المال البشري ونستفيد من التكنولوجيا في تمكين الشباب    العميد والزعيم.. «انتفاضة أم سابعة؟»    وهَم التفرُّد    عصر الحداثة والتغيير    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل سفير جمهورية إندونيسيا    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    العربي يتغلب على أحد بثلاثية في دوري يلو    لوحة فنية بصرية    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    قمة مبكرة تجمع الهلال والأهلي .. في بطولة النخبة    تمت تجربته على 1,100 مريض.. لقاح نوعي ضد سرطان الجلد    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    إنقاص وزن شاب ينتهي بمأساة    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    «عقبال» المساجد !    السابعة اتحادية..    دافوس الرياض وكسر معادلة القوة مقابل الحق    ولي العهد ووزير الخارجية البريطاني يبحثان المستجدات الإقليمية والتصعيد العسكري في غزة    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    إنقاذ معتمرة عراقية توقف قلبها عن النبض    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير الشؤون الإسلامية السعودي ل «الحياة»: أخشى اتساع رقعة الإرهاب إن لم يتعاون الجميع
نشر في الحياة يوم 12 - 09 - 2009

خلافاً لمتفائلين كُثر، أنذر وزير الشؤون الإسلامية السعودي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ مواطنيه كافة، بأنهم إن لم يقفوا صفاً واحداً ضد الإرهاب فكراً وممارسة، فإنه يخشى أن تتوسع رقعة الداء ويطول مكثه في ديارهم، ويزداد شراسة وضراوة.
وبرر الوزير تحذيره بأن الجيل الجديد من الإرهاب وإن كانت تربطه خيوط عقدية بأمم من الخوارج قتلت الخلفاء والصالحين، إلا أنهم يمثلون «مدرسة جديدة»، لا مثيل لها في التاريخ، في دناءة أفعالها، وهتك حرمات الدين والأوطان، وأولي الأمر من السلاطين والعلماء.
إلا أن الوزير الذي أوتي بسطة في السياسة والفقه معاً، وإن أقر بهول التحدي الإرهابي إلا أنه لم يعتبره عدواً لا يقهر، بل رأى ذلك ممكناً، متى وقف الجميع له بالمرصاد، وسلط عليه سيف «العلم والعقل والعدل والقوة»، حفاظاً على مكتسبات، أهمها الأمن والاستقرار واجتماع الكلمة.
وإذ ينتهج أئمة الإرهابيين في خطابهم نهج البحث عن الخطايا لتبرير الفجور، ردّ آل الشيخ في محاولة لقب السحر على الساحر، بأن «وجود بعض الأخطاء، أو كثير من الأخطاء والممارسات السيئة، والأمور المنكرة في زماننا المعاصر، سواء أكانت في حياة الناس، أم في سياسات الدول، ليس مما يبرر هذه التصرفات الإرهابية، ونظرية التبرير مرفوضة».
وأضاف: « إن كان سيبرر للناس اليوم فليبرر لمن قتل عثمان وعلياً رضي الله عنهما أو لمن احتج على النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة المال».
أما الذين يزعمون أنهم يجاهدون لإعلاء كلمة الله وإعزاز الأمة، فرأى الوزير ان أول من يجب أن يحارَب لرفع الذل عن الأمة ورفع الظلم عنها وإخراجها من واقعها المتردي، هم أرباب الفكر الإرهابي، فهم العدوّ الداخلي الذي يجب أن ننتصر عليه قبل مواجهة أي عدوّ خارجي.
وقال: «لا خروج من المأزق إلا بمواجهة العدو الداخلي «الإرهابيون» قبل غيرهم، لأنهم هم من يجعل المشكلة أكبر والمصيبة أعظم، لأنهم يفسدون على العلماء الربانيين والرؤساء وكل من أراد خيراً، ويشوشون عليهم، ويعرقلون أية خطوات لعودة الأمة إلى ربها وردتها الحضارية، بل يحرقون كثيراً من المكاسب في ذلك... ولننظر إلى مقدار التراجع الكبير في البرامج الدعوية، وكم من باب للدعوة كان مفتوحاً أغلق بسبب هذه الأفعال المخزية». وفي يأتي نص الحوار.
*بداية، كان ثمة حدث هز السعودية بأسرها، إذ حاول انتحاري فخخ نفسه اغتيال مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف. بوصفك أحد أبرز الشخصيات الدينية إن لم تكن أبرزها في البلاد، ما تعليقك على ما جرى؟
- أولاً أحب أن أرفع التهنئة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده والنائب الثاني حفظهم الله على نجاة مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز من المحاولة الإرهابية التي استهدفته، فالأمير محمد بحق أسد من أسود الوطن في مواجهة هذه الفئة الضالة وخوارج العصر الذين أفسدوا في البلاد وأرهبوا العباد، وأن هذه العملية هي محاربة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وطعن للأمة في ظهرها. ومحاربة الإرهاب واجب شرعي عظيم سعت الدولة فيه بتوجيه قادتها، في كل قطاعاتها لمحاربة هذه الفئة الضالة وأن هذا من الواجبات العظيمة شرعاً وعقلاً ومن المتحتمات لكل من لديه غيرة ووفاء وإخلاص لدينه ثم ولي أمره ووطنه. وإنني إذ أشيد بجهود الأمير محمد في تنظيم الجهاز الأمني وأجهزة مكافحة الإرهاب وقوات الطوارئ وجميع منسوبي التحقيق ومتابعة المجرمين وتطوير طرق هذه المكافحة، فإن ما لا بد من إعلانه هو أن مواجهة الإرهاب هي واجبة علينا جميعاً، بخاصة من يملكون أدوات المواجهة من أهل العلم ورجال الأمن فرجال الأمن عليهم المواجهات الأمنية، أما المواجهة الدينية العلمية الفكرية فهي واجب من واجبات أهل العلم والدعوة والإرشاد وخطباء المساجد وأئمتها، لأن هذا الداء العظيم الذي هو الإرهاب، استئصاله إنما هو بأيدينا بتوفيق الله عز وجل، وهذا مما يحتم علينا المسؤولية أكثر وأكثر. كما أن للأمير محمد جهوده الكبيرة في هذا الصدد في المواجهة الأمنية وفي تحقيق الأمن الفكري والأمن الوطني، وهذا ما يجعل المهمة التي يقوم بها سموه مهمة متعددة الجوانب، وكل واحد في هذه البلاد يعلم يقيناً هذه الإنجازات التي تمت بتوفيق الله عز وجل، والتي قامت بها وزارة الداخلية، إذ قاد جهازها الصدارة في مواجهة هذه الأفكار الضالة ودعم كل القطاعات الأمنية في المواجهة الميدانية والفكرية.
هنالك جرائم كثيرة تُستهدف بها الدول، فهل تعتقد أن الإرهاب ما زال الخطر الأشد على السعودية؟
- نعم، لاشك في هذا، فخطر الإرهاب هو أعظم خطراً من كل الجرائم الأخرى التي يراها الناس عظيمة، فقتل شخص واحد والاعتداء عليه أو الاتجار بالمخدرات والممنوعات والإفساد في الأخلاقيات كلها جرائم خطرة، لكن الإرهابيين معتدون على العقيدة الصافية السلفية، والوطن الذي يمثل الدين والعقيدة والقيادة والشعب السعودي، بل يستهدفون المسلمين في كل مكان، لأن الإرهاب عدو للإنسان وللمسلم كما قال الله عز وجل في وصف أهل الإيمان بأنه ينعم عليهم بقوله: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»، فالأمن جزء من الديانة والذي يضاد الأمن هو مضاد للدين في أساسه، لذلك قال النبي في الحديث الصحيح: «والله ليتمن الله هذا الأمر حتى تسير الضعينة من صنعاء إلى مكة». وفي رواية من بصرى إلى مكة، لا تخشى إلا الله فجعل تمام أمر الدين وأمر العقيدة وتمام أمر ما بعث الله به رسوله من الإسلام بتحقيق هذا الأمن.
لذلك، فالنيل من الأمن هو انتقاص في الدين وانتقاص في الملة ومعاداة للدين، ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى هؤلاء المجرمين والمفسدين في الأرض محاربين لله ورسوله: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
وإن المحاربين هم محاربون لله ورسوله، لأن الله ورسوله جعل الأمن من تمام الدين وجزءاً من مقصد رسالة الأنبياء، وذلك بتحقيق الأمن في الأنفس وتحقيق الأمن في الأوطان، فالذي يضاد هذا الأمر فهو محارب لله ورسوله في ما أراده من تحقيق هذا الأمن. والمملكة العربية السعودية بأجهزتها الأمنية أجهضت الكثير من العمليات الإرهابية وكشفت الكثير من الخلايا الإرهابية قبل أن تصل هذه لما تريد، وهذا ما أغاظهم وجعل العمليات الاستباقية تخرجهم عن طورهم فاستهدفوا هذا الرمز الكبير وهو محمد بن نايف.
«الإرهاب» من المصطلحات التي أثير حولها لغط شديد ، بل حتى على المستوى العالمي لم يتم الاتفاق على معنى محدد له، فإذا أردنا تحرير هذا المصطلح شرعياً، هل من تعريف له؟
- «الإرهاب» من حيث كونه ظاهرة لا يختلف عليه اثنان، فهو ظاهرة مرفوضة وممقوتة، لا يقرها دين ولا شرع ولا ميثاق، لما ينطوي على هذه الظاهرة من مخاطر على الفرد والمجتمع والعالم بأسره... وتحدث الكثيرون عنه، وحاول كثيرون تعريفه كمصطلح، ولكن، حتى الآن، لم يتم التوصل إلى تعريف جامع مانع له، فقد عُقِدَتْ مؤتمرات عدة في السنوات الماضية عن الإرهاب، والكلام عن هذا المصطلح الجديد، وتفاوتت فيه الآراء بين متحفظ ومساند للغرب، وأعدت أطروحات شتى في الموضوع، ولابد من نظرة في هذا الأمر نرجع فيها إلى الأصول الشرعية مع النظرة الواقعية في زماننا هذا.
وإذا نظرنا إلى كلمة «الإرهاب» في الكتاب والسنة، وفي لغة العرب، نجد أنها مأخوذة من «رهب» من معانيه: الخوف ، قال جل وعلا: «إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين»، الرغب: هو الإقبال والمحبة، والرهب: هو الخوف، وهو هنا محمود. فمعناه : التخويف، وكما ورد في سورة الأنفال في قوله تعالى: «ترهبون به عدو الله وعدوكم»، وبهذا المعنى محمود باتفاق أهل العلم، أما الإرهاب الذي جاء أخيراً، فهو معنى خاص لهذه المادة، وهو إخافة بغير حق، فإذا كان تخويف العدو في ساحة المعركة، وفي أثناء الجهاد مطلوباً، فقد أثنى الله - جل وعلا - على أهله، وكذلك الرهب من الله والخوف منه محمود، أما إن كان الإرهاب بمعنى إخافة الناس بغير حق فهو مذموم، وإن كانت هذه المادة لم تأت في النص مباشرة، إلا أنها مقصودة في معناه، وربنا يسمي من أرهب بغير حق مفسداً في الأرض، ومحارباً لله ورسوله ، فقال: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم»، وقال سبحانه: «أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار».
وماذا عن المعنى السياسي لمصطلح الإرهاب، وكيف اتخذ في تسويغ عمليات الاعتداء؟
- مما يؤسف له أنه من المنظور السياسي كلٌ يريد أن يعرف الإرهاب من جهته ليحفظ سياسته ويحفظ مصالحه، وهذا لا شك نوع هوى، وكيل للأمور بأكثر من مكيال، وبهذا يمكن أن نعرف الإرهاب بأنه: «إخافة الإنسان بقتل أو ما دونه بغير حق»... فيدخل في ذلك كل أنواع الاعتداءات، وكل أنواع الإفساد في الأرض، سواء أكان ذلك من جهة فرد، أم من جهة جماعة، أم من جهة دولة، يمارسه الفرد والجماعة والدول لأنه قرين الإفساد في الأرض، وإخافة الناس بغير حق.
ونجد اليوم كثيراً من الدول تجعل دفاع المظلومين عن أنفسهم، ومقاومتهم لمن احتل أرضهم واستولى على أموالهم وانتهك حرماتهم، تجعل ذلك من الإرهاب، وهي ليست داخلة فيه لا من جهة الشرع ولا من جهة اللغة ولا من جهة العقل ولا من جهة الإنصاف والعدل، ولهذا لن نتكلم في هذه الجهة لظهورها ووضوحها.
قادة الإرهاب يستدلون أيضاً بحجج، فما هو القول الفصل في هذه الناحية؟
- الإرهاب في حقيقته ليس محاربة المسلمين فقط، أو الدول الإسلامية، أو المجتمعات الإسلامية، بإتيانهم من مأمن دون مواجهة ، ثم القتل والدمار والعبث ، فالإرهابيون مفسدون في الأرض، ومحاربون لله ولرسوله، ولاشك في أن قتل النفس من أعظم الذنوب، وقتل الغير من دون ذنب قرين للشرك، وقتل النفس أعظم من قتل الغير، قال تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً» ، وقال النبي: «من قتل نفسه بحديدة عذبه الله بها في النار»... إذاً هو من أعظم الذنوب بعد الشرك ، ثم قتل الغير، والغير من الإنسان إما أن يكون مسلماً أو غير مسلم معصوم الدم.
العلماء أطلقوا على الفئة المجرمة الخارجة عن إجماع الأمة، وجماعة المسلمين، أنهم «خوارج هذا الزمان»... فهل هذا تصنيف عقدي، أم هو تاريخي؟
- الفكر الإرهابي عموماً نصنفه عقدياً على أنه فكر الخوارج، وتاريخياً أن هذه فئة بدأ ظهورها في عهد النبي (ص) بسبب المال، وما يتعلق به، حين قال أحدهم للنبي (ص): «يا محمد اعدل»، لما قسم المال على بعض الأنصار والمهاجرين، فغضب الرسول (ص) وقال: «ويحك من يعدل إذا لم أعدل»؟! ثم التفت إلى أصحابه فقال: «يخرج من ضئضئ هذا أقوام يَحْقِرُ أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله»، وقال رسول الله في وصف الخوارج: «إنهم كلاب أهل النار»، فعندما قال أحد الخوارج: «يا محمد اعدل»، لم يكن هناك ما يجيز له هذا القول، لأنه قالها لأفضل الخلق وأتقاهم وأعدلهم، كما أنه ليس له أيضاً ما يفسر له هذه المقالة إلا الزيغ الذي في قلبه، وقد بين الله في الآية السابعة من سورة آل عمران أن المتشابه في القرآن ليس مسوغاً للزيغ، ولا سبباً له، وإنما الزيغ يوجد أولاً في النفوس، ثم تذهب لتحتج بما شاءت من الأدلة .
والخوارج ظهروا فقتلوا الخليفة الراشد عثمان بن عثمان، وهو زوج اثنتين من بنات الرسول، بلا مسوغ إلا ما ظنوه هم من بعض تصرفات ولي الأمر الذي له حق التصرف فيها، لكنهم أقنعوا أنفسهم بصحة علمهم... ودم الخليفة عثمان مازال موجوداً على المصحف في بعض الخزائن بروسيا، وصوّر الشاعر ذلك العمل الإجرامي في حق الخليفة الراشد، بقوله:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به // يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً
وقتلوا الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو لم يواجههم، بل داراهم خشية أن لا يجتمع الناس عليه، فلما أراد الصلح مع معاوية رضي الله عنه، تعاهدوا على قتله، وقتله المجرم عبدالرحمن بن ملجم، قتل خير الناس علي بن أبي طالب خليفة المسلمين والمبشر بالجنة، ولم يكن للقاتل سبب لقتله إلا ما قام في نفسه أنه مبرر، وابن ملجم في الأساس كان عابداً صالحاً، ورحل من المدينة إلى مصر وسكنها، ولكنه كان قليل العلم، فدخل عليه أهل الأهواء، فانحرفوا به إلى ما أرادوا، ولم ينفعه صلاحه بل كان وبالاً عليه، لأنه لم تكن له الحجة.
وهكذا يكون الاندفاع وراء العاطفة بلا علم ولا رواية، ولا استشارة للعلماء الراسخين، ولا رعاية للمصالح والمفاسد والنتائج والمآلات، فكم جرّت مثل تلك الأفعال المشينة من ويلات على الأمة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، كلما خبت نارها جاء من يذكيها.
ولكن، هناك من يجد مبررات لهذه الأعمال الإرهابية بالزعم أنها ردود أفعال لممارسات، سواء من حياة الناس أو سياسات بعض الدول؟
- إن وجود بعض الأخطاء، أو كثير من الأخطاء والممارسات السيئة، والأمور المنكرة في زماننا المعاصر، سواء أكانت في حياة الناس، أم في سياسات الدول، ليس مما يبرر هذه التصرفات الإرهابية، ونظرية التبرير مرفوضة. إن كان سيبرر للناس اليوم فليبرر لمن قتل عثمان وعلياً رضي الله عنهما - أو لمن احتج على النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة المال.
والخوارج الجدد في زماننا الحاضر بأفكارهم التكفيرية، هم الذين كفروا علماء المسلمين الذين هم خيرة الناس وأعلمهم ، من أجل ألا تتخذ أقوالهم وفتاويهم حجة عليهم، فهذه الفئة الضالة على هذا التحليل امتداد للخوارج الأولين.
البعض يرى أن الفكر الإرهابي ينتمي إلى مدرسة أخذوا منها هذا الفكر ومنها استمدوا جذورهم؟
- هؤلاء لا ينتمون في الحقيقة إلى مدرسة يمكن أن يقال إنهم اعتمدوا عليها أو على أفكارها فيما يقولون أو يعملون؛ لأن هذا الذي عملوه محدث جديد لم يسبق له نظير في التاريخ لا القريب ولا البعيد، ومن ثم فهم مدرسة جديدة، وأخشى أن تتنامى وإن اختفت بعض أدبياتها أو بعض آراء منظريها حيناً من الزمن، وأخشى أن تستمر وتبقى إذا لم يواجهها الجميع، سواء الدول، أو العلماء الربانيون والمفكرون والباحثون والتربويون والإعلاميون، بالمواجهة الحازمة المبنية على العلم والعقل والعدل والقوة.
لا شك في أن الواقع السياسي فيه الكثير مما يشعر المسلم بالقهر من تردي الحال إلى هذه الذلة التي وقعت فيها الأمة، والأمة عزيزة بعزة الله جل وعلا، وقوية بإيمانها وقرآنها وإسلامها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وقوية بأهلها المسلمين فهم ليسوا بذوي نقص في أي مجال من المجالات، قد يكون غيرهم أكثر تقدماً منهم، لكن ليس الذي يحل الإشكالات هو التقدم، فلدينا الإمكانات الكثيرة، السياسية والاقتصادية والتعليمية والدعوية والإعلامية، التي لو استغلت لحدث تغيير، ولأخذنا حقوقنا كاملة. لكن إذا لم يوجد هذا ووجد الإحساس بالقهر عند الكثيرين، ولا خروج من المأزق إلا بمواجهة العدو الداخلي «الإرهابيون» قبل غيرهم، لأنهم هم من يجعل المشكلة أكبر والمصيبة أعظم، لأنهم يفسدون على العلماء الربانيين والرؤساء، وكل من أراد خيراً. ويشوشون عليهم، ويعرقلون أية خطوات لعودة الأمة إلى ربها، بل يحرقون كثيراً من المكاسب في ذلك... ولننظر لمقدار التراجع الكبير في البرامج الدعوية، وكم من باب للدعوة كان مفتوحاً أغلق بسبب هذه الأفعال المخزية.
الحديث عن مواجهة الإرهاب كظاهرة، والإرهابيين كجماعات، حديث طويل، ولا أحد يختلف عليه، فهل هناك خطوط عريضة وضعت لمواجهة جذرية للظاهرة؟
- إذا أردنا لمواجهة الإرهاب والأفكار التفجيرية أن تكون فاعلة ومؤثرة، وذات نتائج إيجابية، فمن الأهمية بمكان أن تجعل المواجهة في ثلاثة محاور، أولاً: الوقاية، بعمل البرامج الوقائية، لكيلا ينتشر هذا الفكر الضال الآن، ويتأثر به آخرون، ثانياً: العلاج، بعمل البرامج العلاجية للمتأثرين بهذا الفكر والواقعين في حبائله، ثالثاً: القضاء والحكم، والتأديب والقوة.
فبالنسبة إلى المحور الأول، وهو الوقاية، فإنه واجب على الجميع، فحتى لا ينتشر الإرهاب، وأدبياته، لابد من الوقاية، وهذه الوقاية تعني القضاء على الفكر المنحرف والمعطيات التي يعتمد عليها الإرهابيون، وهذه تكون بجوانب عدة، منها تصحيح الكثير من المفاهيم التي استغلت خطأ في الأدبيات الإسلامية، أو في الثقافة الإسلامية، أو في الشريعة الإسلامية، وكذلك الوقاية في بيان أن هؤلاء الإرهابيين - بجميع أصنافهم وفئاتهم - خارجون عن تعاليم الإسلام تماماً، فهم لا يمثلون أية شريحة عاقلة من المسلمين، وإنما هم منحرفون مجرمون سلكوا هذا السبيل بفكرة منحرفة إجرامية لأسباب نفسية، أو أسباب اجتماعية خاصة، أو أسباب تنظيمية بحتة، وهذا السبيل الوقائي كانت مجالاته في المسجد، وفي المدرسة، وفي حلق التعليم، وفي الإعلام .
أما المحور الثاني: وهو العلاج، وهو يخاطب من كان واقعاً في هذه الأفكار، وأول ما يتبادر في العلاج مخاطبة من تأثر بهذه الأفكار بأن يفتح باب الحوار وقنواته، وهو المسمى في الشرع «المجادلة بالتي هي أحسن»، والحوار والبحث والمجادلة أمور مطلوبة إلا مع من حمل السلاح فلا حوار معه، ولا مواجهة له إلا بالتمكن منه، وهذا هو علاجه، أي: القتل، أو القبض عليه وسجنه، وقد وجدنا أن الكثير ممن قبلوا الحوار رجعوا عن بعض أفكارهم، وصدرت كتيبات في هذه المراجعات بعد حوار مع أهل العلم والعلماء والباحثين.
والمحور الثالث: وهو القوة والحزم، ولابد منهما، وأول درجاتهما أن لا يتساهل مع هؤلاء لا في لفظ ولا تبرير ولا مدافعة، لأن هذا يوقع العامة في الاشتباهات، فلابد من الحزم والقوة، وبخاصة ممّن ائتمنهم الله على الكلمة، وهم العلماء، قال تعالى: «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه»، وهذا واجب العلماء، وكل من عنده قدرة على المواجهة، كخطيب المسجد، والأستاذ في الجامعة، والمدرس في المدرسة، والوالدين في المنزل، كما هي واجبة على جميع أفراد المجتمع.
لماذا يستهدف الشباب فقط من جانب أصحاب الفكر الضال؟
- لا شك أن الشباب عدة الأمة ومستقبلها، والشباب يتميزون بحيويتهم، وتدفق مشاعرهم، وتقلب أمزجتهم، واندفاع عواطفهم، مما يجعلهم إن لم ينتبه لهم عرضة للاضطرابات النفسية، والتحولات الفكرية، والاختلالات الشعورية، والأخطاء السلوكية، والانبهار بكل جديد، بغض النظر عن نفعه أو ضرره، لا ينظرون في العواقب، ولا يهتمون لمآلات تصرفاتهم، ونتائج سلوكهم، مما يوقعهم في أخطاء شنيعة، وورطات مريعة.
ومع شدة الاستهداف للشباب فكرياً وسلوكياً، يتحتم على كل والد، ومسؤول الانتباه والحذر، فاليوم غدا العالم كالقرية الصغيرة، من خلال وسائل الإعلام، أو عبر الشبكة العنكبوتية، والشباب صار عرضة لتيارات فكرية وثقافية وسلوكية، فسادها غالب على صلاحها، وحقها ضائع في طيات باطلها، يطغى عليها الانحراف، وتطرح في قوالب براقة، باحترافية إعلامية تستثير الغرائز، وتثير الشبه، ولاشك أن هذا الاحتكاك غير المتكافئ نتج عنه خلل في تفكير كثير من الشباب، وتحول غير حميد في سلوكهم، وأخلاقهم، ونفسياتهم، وتوجهاتهم، وانتماءاتهم الفكرية بين غلو وجفاء، إفراط وتفريط، وهذا ما نراه اليوم ماثلاً أمامنا في ظهور سلبيات كثيرة في تصرفات الشباب، وعلاقاتهم، واهتماماتهم، وأفكارهم، ونفسياتهم، مما يعظم المسؤولية على الجميع: الآباء، والمعلمين، والإعلاميين، والخطباء، والدعاة، والمسؤولين، للاهتمام بالشباب، والعمل على حفظ هويتهم الدينية، والفكرية، واحتوائهم بالبرامج المتنوعة النافعة المدروسة، التي تستثمر طاقاتهم على تنوعها، وتملأ فراغهم بالنافع المفيد، وترتقي بتفكيرهم، وتطور قدراتهم، وتصقل مهاراتهم، ليكونوا لبنات قوية في البناء الاجتماعي، وما يكون فيه وقاية لهم من الانحرافات الفكرية والسلوكية، والاضطرابات النفسية والوجدانية القاتلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.