عشرة في المئة هي نسبة تمثيل المرأة في لجنة كتابة الدستور المصري التي أعقبت ثورتين وثلاثة رؤساء أحدهم مخلوع والثاني معزول والثالث موقت، فضلاً عن تظاهرات ومسيرات واعتصامات شكلت المرأة فيها جانباً حيوياً مركزياً فاق الجانب الذكوري أحياناً كثيرة، سواء طوعاً كمواطنة مصرية تطالب بحاضر أفضل ومستقبل أحسن، أو رغماً عنها كجزء من سلاسل بشرية أو دروع استشهادية للمتاجرة بدمها باسم الدين مرة وباسم الثورة مرات. عدد المرات التي توقعت فيها المرأة المصرية أن تنصفها الثورة، أو تنحاز إليها الحكومة أو يتضامن معها الحكم أو ينصت لها المنطق، أكثر من أن تعد وتحصى. وعلى رغم أنه في كل مرة تخرج فيها المرأة بشجاعة يحسدها عليها الرجال وتقول بصوت عالٍ: «يسقط يسقط» هذا أو ذاك، تعود إلى بيتها وهي تجرجر أذيال الخيبة الشخصية، وإن أحرزت حقوقاً عامة واقتنصت حريات للجميع، إلا أنها مازالت تنتظر وتهفو إلى غد أفضل. الغد الأفضل الذي يلوح في الأفق هذه الأيام، بعد انقلاب الإرادة الشعبية على حكم «الإخوان المسلمين»، تشوبه شوائب عدة تبدأ بالتمثيل وتمر بالمحتوى وتنتظر ما سيسفر عليه الدستور الجديد. بداية الأمر كانت مع تشكل «لجنة الخمسين» لكتابة الدستور، والتي لم تكن مبشرة، إذ إن نسبة تمثيل المرأة فيها لا تتجاوز عشرة في المئة، أي أنها لا تختلف كثيراً عن نسبة السبعة في المئة في الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور في ظل حكم «الإخوان». إلى ذلك، لم تحتوِ المسودة الخاصة بالتعديلات على أية تغييرات جوهرية خاصة بالمرأة على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وأمام تدني تمثيل المرأة الذي بات معتاداً في لجان كتابة الدستور وتعديل مواده، تقدمت جمعيات حقوقية بمقترحات، آملة بوضع أفضل للمرأة في الدستور المقبل، ومنها «جمعية نهوض وتنمية المرأة» التي اقترحت إلغاء المادة 10 في دستور «الإخوان»، والتي تنص على دور الدولة في الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، بالإضافة إلى تعديل المادة ال 12 المتعلقة بالاهتمام بالمرأة لمحو أميتها المتفشية، وتعديل المادة 77 التي لا تحوي أية ضمانات لتمثيل المرأة والأقليات في مجلس الشعب. وتقترح الجمعية كذلك تعديل المادة 191 التي تنص على أن تكون انتخابات «مجلس الشعب» بالنظام الفردي فقط، وهو ما يمثل عائقاً أمام تمثيل المرأة والشباب وعودة إلى نظام سيطرة الرشى الانتخابية المساعدة على سيطرة الفرد بدلاً من الأحزاب. وعلى رغم أن التطرق إلى عبارات، مثل «القضاء على العنف والتمييز ضد المرأة» و»حماية المرأة من الإيذاء النفسي والبدني»، يبدو تطرقاً كلاسيكياً قديماً، فإنه يظل بعيداً كل البعد عن التطبيق العملي. وقبل أيام، طالبت منظمات حقوقية ونسائية «لجنة الخمسين» بتضمين مادة منفصلة خاصة بمناهضة ختان الإناث، وهو الممارسة التي اجتهدت وجاهدت التيارات الدينية في دستورها الصادر عام 2012 من أجل عدم تجريمه، أو اقتصار التجريم على عمليات الختان التي تجرى خارج المستشفيات فقط! ومن الختان إلى الزواج المبكر وحق الطفلة في التعليم والتعبير عن رأيها، وهي قضايا يجرى إغفالها تماماً، ربما من منطلق أنها من الأمور الفرعية التي تتقزم أمام الأمور الرئيسية في سن دستور جديد لمصر في هذه الحقبة البالغة الخطورة. لكن الجزيئات «الفرعية» تشكل المشهد الكلي، والحقوق الصغيرة جزء لا يتجزأ من الحقوق الكبيرة. من هنا، انتقد «الائتلاف المصري لحقوق الطفل» بشدة اللجنة المعينة بسبب «تجاهلها» حقوق الطفل «نظراً ل «عدم خبرتها وتعسفها في شأن الطفل». وأشار الائتلاف في بيان له إلى أنه جرى تجاهل المبادئ الإرشادية الأربعة لاتفاق الأممالمتحدة لحقوق الطفل، وتشمل الحق في الحياة والبقاء والنمو وعدم التمييز، خصوصاً للطفلة الأنثى، وما يتعلق بها من حمايتها من الختان والزواج المبكر والتعليم والتعبير عن الرأي، وضرورة استئصال الصور المهينة التي تستغل الفتيات والنساء في الإعلام والإعلان. كما خلت التعديلات من حق الطفل في التعبير عن رأيه واحترام آرائه، ومراعاة المصلحة الفضلى له. وبينما ينتظر الجميع ما ستسفر عنه جهود كتابة الدستور المصري الجديد هذه المرة، تترقب المرأة، كعادتها، استكمال مشوار المطالبة بالحقوق الكاملة، سواء أنصفها الدستور الجديد أو سار على نهج غيره من التحيز والتجاهل واعتبارها كائناً دونياً لا يمثل عدداً صحيحاً. فالأعداد الصحيحة فقط هي التي تصنع الثورات وتبقيها حية ترزق، وهو ما تفعله المرأة المصرية.