أميرالقصيم يكرّم 26 فائزة بجائزة شقائق الرجال    حكومة سلوفاكيا: رئيس الوزراء في حالة خطيرة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    «أمن الدولة» تطلق منظومة «تقصّي».. لتلقي وتحليل بلاغات الاشتباه المالي وتمويل الإرهاب    الأحزاب المصرية: تصريحات متطرفي إسرائيل محاولة يائسة لتضليل العالم    عدد الفلسطينيين منذ نكبة 1948 تضاعف 10 مرات    ‬بدء وصول قادة الدول العربية إلى المنامة    غوارديولا: لولا تصدي أورتيغا لكان أرسنال بطلا للبريميرليغ    4 أحزمة ملاكمة تنتظر من يحملها على أرض "المملكة أرينا"    القبض على مقيم لارتكابه أفعال خادشة للحياء    وصول الطائرة السعودية ال 50 لإغاثة أهالي غزة    رئيس سدايا: السعودية مثال دولي في الذكاء الاصطناعي المسؤول والأخلاقي    تطوير سياسات استدامة مخزون استراتيجي من السلع الأساسية ودعم استقرار أسعارها    أوامر ملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء سنغافورة بمناسبة أدائه اليمين الدستورية    «البلسم» تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح و«قسطرة»    تشغيل 4 رحلات أسبوعياً للخطوط الجوية البريطانية من هيثرو إلى جدة    زين السعودية تعلن عن استثمارات بقيمة 1.6 مليار ريال لتوسعة شبكتها للجيل الخامس 5G    أمير منطقة الرياض يستقبل مدير السجون بالمنطقة    مدير تعليم الأحساء يكرم الطالبة الفائزة ببرونزية المعرض الدولي للاختراعات    ضبط 264 طن مأكولات بحرية منتهية الصلاحية    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    ارتفاع النفط واستقرار الذهب    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «الصحة» تدعو الراغبين في الحج إلى أخذ واستكمال جرعات التطعيمات    فيغا يعود للتدريبات الجماعية للأهلي    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    أمير حائل يكرم عدداً من الطلاب الحاصلين على الجائزة الوطنية بمبادرة «منافس»    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    طموحنا عنان السماء    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    الأمن والاستقرار    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المقابسات» للتوحيدي: المفكر يصف الحياة الثقافية في القرن الهجري الرابع
نشر في الحياة يوم 04 - 06 - 2013

«... إني نقلت هذا الكتاب والدنيا في عيني مسودّة، وأبواب الخير دوني منسدّة، لثقل المؤونة ولقلة المعونة، وفقد المؤنس، وعثار القدم بعد القدم، وانتشار الحال بعد الحال. هذا، مع ضعف الركن واشتعال الشيب وخمود النار وسوء الجزع، وأقول شمس الحياة، وسقوط نجم العمر، وقلة حصول الزاد، وقرب يوم الرحيل... وهذا كله جرى في مجالس مختلفة من مشايخ الوقت بمدينة السلام». ترد هذه العبارات لأبي حيان التوحيدي في مطلع المقابسة الحادية والتسعين من كتابه «المقابسات». وهي عبارات استند إليها عدد كبير من الباحثين في حياة «فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة» هذا للاستنتاج بأنه وضع «المقابسات» خلال مرحلة متقدمة من حياته، حيث يمكن اعتبار الكتاب واحداً من آخر كتبه، واعتبار ما فيه نوعاً من تلخيص لأفكاره الأخلاقية والفلسفية والأدبية. ومع هذا فإن المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، يرى أن للكتاب أهمية أخرى، إذ يذكر في كتابه «المثقفون في الحضارة العربية»، أن «المقابسات» قد يتخذ أهميته من كونه يرسم صورة لجيل يجسم «نموذج المثقفين الذين يستهلكون الثقافة ويروّجونها، ولكن من دون الارتباط بقضية بعينها... إنه جيل «المقابسات» جيل اللامركزية الثقافية التي تعكس اللامركزية السياسية». ومن هنا يركز الجابري على كون القرن الرابع الهجري، الذي يصف «المقابسات» الحياة الثقافية فيه بأنه «بحق، عصر اللامركزية»: «عصر إمرة الأمراء» و «الدولة المستقلة». وكان عصراً خالياً من أي مشروع ثقافي أو سياسي للدولة ككل، حيث أصبحت كل إمارة، بل صار كل ذي جاه وسلطان «يزين مجلسه» بالعلماء والكتاب والأدباء والشعراء. فظهرت فئة من المستهلكين للثقافة الآخذين من هنا وهناك، «المتقابسين» الحريصين على «المشاركة» في كل علم والإدلاء فيه بدلو خلال المناقشات والمقابسات التي كانت تزخر بها «المجالس» الثقافية. وكان من بين هؤلاء المنطقي والمتفلسف والمتكلم والفقيه والنحوي والأديب والكاتب، «وكانت مشاركتهم في شتى المعارف والفنون خالية من أي مجهود ابداعي إلا نادراً» في رأي الجابري. ومع هذا لا يفوت هذا الأخير أن يذكر أن موضوعات «المقابسات» تطاول أموراً في غاية الأهمية مثل «تطهير النفس باجتناب شهوات الجسد» و «علم النجوم والفلك والنحو والفقه» و «الأخلاق» و «الناموس الإلهي» و «الزمان والمكان» و «الألفاظ والمعاني» و «كتمان السر» و «الحياة والموت» و «اللاهوت» و «الإنشاء والكلام الجيد» و «العلة والمعلول» و «الصداقة» و «النوم» وما إلى ذلك.
والحال أن هذا كله يجعل من «المقابسات»، إن لم يكن كتاباً في الفلسفة الخالصة، نوعاً من التلخيص للمستوى الفكري الذي كان سائداً خلال العقود الأخيرة من حياة التوحيدي، طالما أن هذا الأخير يذكر في ثنايا كتابه، أسماء عدد كبير من «المثقفين» الذين شاركوا في النقاشات، من السامري إلى المصري ومن القوفي والصوفي وغلام زحل، إلى ابن عبدان والحراني، وصولاً إلى أبي سعيد السيرافي وأبي بشر متى (وهما اللذان تجابها في تلك المناظرة الشهيرة التي نجدها في كتاب آخر للتوحيدي هو «الإمتاع والمؤانسة)، مروراً بأبي الحسن العامري، وخصوصاً جماعة علماء الإسماعيلية الذين كانوا يروّجون لأفكارهم تحت اسم جامع هو «إخوان الصفا» والذين كان التوحيدي أول من تحدث عن وجودهم وأفكارهم معتبراً إياهم «جماعة تآلفت بالعشرة وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة فوضعوا بينهم مذهباً زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى النور... وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال...».
على رغم أن حاجي خليفة في كتابه «كشف الظنون» يقول إن عدد مقابسات الكتاب 103، فإن النص النهائي الموجود منذ زمن بعيد يضم 106 مقابسات ومقدمة وخاتمة... ومن الواضح اليوم أن أبا حيان أنفق سنوات طويلة من حياته وهو يجمع مواد هذا الكتاب. والمواد هي أشبه بتسجيل حرفي لجلسات كان يعقدها مثقفو زمنه وشهدها بنفسه، وكانت الحوارات فيها تدور من حول شتى الأمور التي كانت تشغل أذهان المثقفين في ذلك الزمن. أما سبب تأليف الكتاب فيتكهن به الباحث عبدالرزاق محيي الدين الذي وضع منذ أربعينات القرن العشرين واحداً من أفضل الكتب وأوفاها عن التوحيدي وفكره، على النحو الآتي: «... أما سبب التأليف فهو، كما يبدو من المقدمة، ومن عبارات تناثرت في الكتاب، تحقيق رغبة تقدم بها أحد الأثيرين عنده: من جمع مسائل في الفلسفة، وأخرى تجري مجراها في الأدب والأخلاق، وكما يبدو أنه لم يستجب لتحقيق رغبة هذا السائل (الذي لم يرد اسمه صريحاً، على عكس ما كانت الحال في كتب التوحيدي الأخرى حيث كان غالباً ما يذكر اسم الشخصية التي وضع الكتاب أو صنف من أجلها أو بناء على طلب منها). إلا بعد تلكؤ وتمنع منه، وإلا بعد تلطف وإلحاح من السائل». ولا يفوت محي الدين أن يذكر هنا أن التوحيدي يتوجه مرات بالحديث إلى صاحب الرغبة في وضع الكتاب، ومع هذا يستنتج محيي الدين أن «يكون التوحيدي قد سيق إلى تأليف الكتاب برغبة في نفسه، يثيرها الحرص على جمع ما اقبسه واقتبسه من أعلام عصره ومشائخه في هيئة الكتاب». ولعل النتيجة التي تترتّب على هذا والتي يلمح إليها عبدالرزاق محيي الدين هي «احتمال أن يكون أبو حيان قد اصطنع الحوارات جميعاً على لسان فلاسفة عصره، مع أنها أصلاً من وحي خاطره وبنات فكره». أما محمد كرد علي فإنه في كتابه «أمراء البيان» يتحدث عن «المقابسات» قائلاً إن «أكثره من محفوظ التوحيدي الذي ذكر فيه بعض ما وقع إليه من مفاوضات علماء مشهورين، كانوا في بغداد يختلفون إلى مجلس صديقه وأستاذه أبي سليمان المنطقي السجستاني، وعنه أكثر مروياته فيتذاكرون في موضوعات شتى في الفلسفة أو ما وراء الطبيعة والأدب وأكثرها من طريق السؤال والجواب، لرجال جمعت بينهم كلمة العلم والحكمة، وهذبت نفوسهم الآداب العالية، يتناجون بالأفكار الصحيحة والشاذة، ولم يفرق بينهم اختلاف نحلهم ومذاهبهم، وكان فيهم المجوسي والصابي واليعقوبي والنسطوري والملحد والمعتزلي والشافعي والشيعي». ويورد كرد علي هنا أن مذهب هؤلاء في الفلسفة كان، على الأرجح، مذهب أرسطاطاليس «شأن معظم فلاسفة الإسلام أمثال ثابت بن قرة وحنين بن إسحاق ويعقوب بن إسحاق وأحمد البلخي ومسكويه والقمي والسرخسي والنيسابوري، يطلقون في جلساتهم الخاصة عنان أفكارهم، ويخرجون عن القيود الكسبية قاصدين إلى هدف واحد، وهو معرفة حقائق الأشياء مجردة لا تشوبها المؤثرات» ويخلص كرد علي محدثا قارئه: «وإذا أحببت تعريف كتاب «المقابسات» بمصطلح أهل هذا العصر فقل: هو محضر جلسات المجمع العلمي البغدادي في القرن الرابع، وكان لا يحضرها إلا من يُدعى إليها، ويوافق من أكثر الوجوه على ما يلقى فيها».
وإذا كان كتاب «المقابسات» يعتبر، بين مؤلفات أبي حيان التوحيدي، التالي في درجة شهرته بعد كتابه الأشهر «الإمتاع والمؤانسة» فإنه في الواقع يمت إلى هذا الأخير بصلة ويشبهه إلى حد كبير، وإن كان يمكن في نهاية الأمر اعتباره مصوّراً للمناخ الثقافي البغدادي في ذلك الحين أكثر من تصوير «الإمتاع والمؤانسة» له. وللتوحيدي (الذي عاش على الأرجح بين العقد الثاني من القرن الهجري الرابع والعقد الأول من القرن الذي يليه، من دون الوصول إلى تحديد دقيق لعامي مولده ووفاته) الكثير من المؤلفات بين كتب ورسائل، ومنها «البصائر والذخائر» و «مثالب الوزيرين» و «الصداقة والصديق» و «الإشارات الإلهية» إضافة إلى «الإمتاع والمؤانسة» و «المقابسات». وهذه الكتب تعتبر من تأليفه بالتأكيد، إذ ثمة أخرى تثار من حول انتسابها إليه أسئلة وشكوك. ولقد عاش التوحيدي حياة غريبة، حياة فقر، على رغم اتصاله بالوزراء، وكان دائم الشكوى والنواح دائم الجوع والقذارة، ولقد رُمي بالإلحاد والزندقة من قبل خصومه. وهو كان جلف الطباع متقلب الأهواء. وقيل أنه في آخر سنواته لجأ إلى زاوية في شيراز يتعبد فيها وينعى حظه التعس، كما يروى أنه قبل وفاته جاءه من أشفق عليه يطلب منه أن يستغفر الله على ما اقترف لعله يغفر له، فقال غاضباً: «أترونني أُقدم على جندي أو شرطي؟ إنما أُقدم على رب غفور».
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.