مسيرة تنمية تعانق السماء.. عزنا بطبعنا.. وفخرنا بإرثنا    أقوال خالدة في ذاكرة الوطن    تعزيز التنافسية السعودية عالمياً.. توطين التقنيات والصناعات الذكية    تعزيز الجودة نحو جيل مبتكر.. التعليم.. بناء الإنسان وصناعة المستقبل    إنجازات تتخطى المستهدف وتصنع المستقبل.. طموح يسابق الزمن.. «رؤية السعودية» تثمر قبل 2030    نيابةً عن سمو ولي العهد وبالشراكة مع الرئيس الفرنسي.. سمو وزير الخارجية يترأس مؤتمر تنفيذ حل الدولتين    دبلوماسية تبني الاستقرار.. السعودية.. وسيط الثقة وصوت السلام الدولي    إسرائيل تحذر من عملية برية واسعة في لبنان    جروهي يقود الشباب لثمن نهائي كأس الملك    الهلال يقصي العدالة بصعوبة    في نهائي كأس إنتركونتنتال للقارات.. الأهلي بطل آسيا في مواجهة بيراميدز المصري بطل أفريقيا    حفاظاً على جودة الحياة.. «البلديات»: 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية    الأمن يحبط تهريب 145.7 كجم مخدرات    «كلهم بيحبوا» ياسر جلال في رمضان    ساره السلطان تفوز بمسابقة «كأس العالم للرسم»    اليوم الوطني.. وحدة وبناء    يومنا الوطني المجيد    رسمة طفل قالت ما عجزت عنه الخطب    انعقاد مؤتمر حل الدولتين برئاسة سعودية - فرنسية    ملحمة الفتح ومجد النهضة.. قصة وطن يتجدد مجده    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري بشأن خطة إعمار غزة    العلا وجدة والجندل في صدارة "يلو" بالعلامة الكاملة    الدهامي والراجحي يتألقان في بطولة تطوان المغربية    المسعري: يوم الوطن مناسبة تاريخية نعتز بها    اليوم الوطني ذكرى عزيزة ليوم مضيء    القوات الأمنية تستعرض عرضًا دراميًا يحاكي الجاهزية الميدانية بعنوان (حنّا لها)    الأحوال المدنية تشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    محمد.. هل تنام في الليل؟    غارات ونسف مبانٍ وشهداء ودمار في غزة    السعودية وباكستان.. تحالف التاريخ ورهانات المستقبل    قطار القدية.. رحلة المستقبل    اليوم هذا غير الأيام بالذات    "إثراء".. منارة سعودية تضيء العالم    جمعية "أوج" تنظم أمسية شعرية    القطاع المالي في ذكرى اليوم الوطني    الوطن واحة الأمان    عزنا بطبعنا.. المبادئ السعودية ركيزة    تسعون وخمس.. الرَّقم الذي يُشبهنا    مصر تسطر التاريخ وتتوج ببطولة كأس العالم لكرة القدم المصغرة للسيدات في أربيل    ماذا تعني كلمة الوطن    إنها السعودية يا سادة    لكل بناء متين ركنا يستند إليه    عثمان ديمبيلي يتفوق على لامين يامال ويتوج بالكرة الذهبية 2025    المسجد النبوي.. إرث العناية ومسيرة الإعمار    عظيم أيها الوطن    الربيعة: السعودية قدمت 500 مليون دولار للمبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال    الثانية عالميا.. موسم استثنائي للمنتخبات السعودية العلمية    إسرائيل تأمر بإخلاء مستشفى في غزة وسط تصاعد الاعترافات الدولية    ديسمبر المقبل.. الرياض تستضيف "معرض التحول الصناعي 2025"    تعليم جازان ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال95 تحت شعار «عزنا بطبعنا»    استخدام الهاتف المحمول أبرز مسببات الحوادث المرورية بمنطقة مكة    هيئة عسير تفعّل المصلى المتنقل في عدد من المتنزهات والحدائق العامة    جمعية نبض العطاء تطلق برنامج "كسوة الأسر المتعففة" بالتعاون مع مؤسسة حمد المحيسن الخيرية    المملكة تعزز مسيرة التعافي الصحي في سوريا عبر الطب العابر للحدود    القبض على شخصين لترويجهما «الشبو» بالشرقية    فاحص ذكي يكشف أمراض العيون    الجلوس الطويل يبطئ الأيض    مخاطر الألياف البلاستيكية الدقيقة على العظام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبطال أشرف الخمايسي يواجهون الموت بالوهم
نشر في الحياة يوم 02 - 10 - 2014

يبدو الكاتب المصري أشرف الخمايسي في روايته «انحراف حاد» (الدار المصرية اللبنانية) غير مدرك لما يريده، بحيث انشغل بالبحث عن حيلة يعرض عبرها ما ينتابه من أسئلة وأفكار عن الحياة والموت، مثلما انشغل بإثبات مقدرته على التشويق والوصف والحوار بلغة بسيطة وأفكار بعيدة من التعقيد.
تقوم الرواية (400 صفحة) على فكرة جمع عدد من الشخوص في مكان واحد، وتقديم تاريخهم الشخصي في ما يشبه المحاكمة أو الاعتراف الأخير قبل الموت، وهي حيلة شهيرة لجأ إليها كثير من الكتّاب، ومنهم المصري سعد الدين وهبة في مسرحية «سكة السلامة»، التي يبدو أن الخمايسي أراد أن يقدم معالجة جديدة لها.
تقوم الرواية على فكرة باص صغير ينطلق من القاهرة إلى أسيوط (جنوب مصر)، وعبر سرد كلاسيكي، نتعرّف إلى ماضي ركّابه ، بمن فيهم صنع الله، الشخصية المحورية، الذي يدعي النبوة والقدرة على قهر الموت. لكنّ الخمايسي تعامل معه في شكل فنتازي، لا يراعي نطاق الزمن وأحكام البشر، علماً أنه بدا في كثير من الأحيان شخصية حقيقية ظهرت في حياة معظم راكبي الباص قبل واقعة السفر تلك. إلا أنّ الخمايسي ناقض نفسه عندما حكم في نهاية العمل على شخصية صنع الله بأنها تجسيد للشيطان، أو بمعنى آخر هي مجرد وهم راود أذهان من اعتقدوا أنهم قابلوه وتحدثوا معه عن أفكاره التي تتلخّص في أن الإنسان قادر على قهر الموت ليكون بحق خليفة البارئ في الأرض. هكذا يقرر الكاتب الانحياز لأيديولوجيته السلفية وهو يغتال الشخصية الأكثر فنية في عمله عبر تحويلها إلى وهم، ومن ثم يقوّض الحدث الأساس في العمل، أي حادث السير الذي ينتهي بغرق الباص وركابه في ترعة.
قد لا نعرف كيف قادت الصدفة أتباع صنع الله أو ضحاياه إلى ركوب ذلك الباص، ولا حقيقة الإضافة التي أحرزتها «حيلة» حادث السير، لا سيما أنه ينتهي بموت الركاب (الشخصيات) جميعاً. فالكاتب لم يستطع إنجاز تلك الحيلة، بل لجأ إلى كتابة كلاسيكية يتوالى من خلالها ماضي كل شخصية على هيئة حكاية تم توزيعها بالتوازي مع حكايات الآخرين، إلاّ أنّ فكرة «العقدة المسرحية» أو ما يعرف بتصعيد الحالة الدرامية، تكاد تكون منعدمة في النص، لأن صاحب رواية «منافي الرب» أعلن منذ اللحظة الأولى أنّ الباص سيتعرض لحادث، مما ينفي فكرة الصراع وتشابك المصائر، لنجد أننا لا نتابع على مدار صفحات الرواية الأربعمئة، سوى التصعيد الفنتازي لقدرات ذلك «المتنبي». تلك القدرات التي يقرر الخمايسي نفسه في نهاية العمل أنها ليست سوى أوهام، نتجت من ضعف إيمان من عاينوها، وبينهم شيخ أزهري وقسيس، يقرران بعد معاناة رهيبة أنه لا مناص من أن يتآمرا على قتل ذلك «الشيطان».
تباينت الشخوص وتعددت المصادفات غير المنطقية طوال النص، بدءاً من اجتماع كل من ظهر لهم ذلك «الشرير» في رحلة واحدة، وصولاً إلى أن شيخاً وقسّاً لا يجدان سوى الجلوس بجانب بعضهما بعضاً، وفتاة تاهت من والدها في صغرها تجلس في المقعد الذي أمامه. وهي على رغم أنها تتعرف إلى طفلها الذي فقدته عقب ولادتها له بلحظات، إلا أنها لا تتعرف إلى والدها ولا هو يتعرف إليها، ولا تتمكن من التعرف إلى سائق الباص الذي أنجبت منه طفلها المخطوف. والسائق بدوره يملأ نظره منها عشرات المرات لكنه لا يستطيع التعرف إليها. وكذلك «المِجري»، النصاب، الذي عاشت معه في أحد فنادق القاهرة. هكذا فقدت خشبة المسرح/ الميكروباص دورها في إدارة الصراع الداخلي بين الشخوص، بينما استسلم الكاتب لسهولة الرصد الستيني لشخصياته بصيغة الراوي العليم.
على نحو آخر لم يستطع الخمايسي التزام فرضياته الفنية، بدءاً من الواقعية التي أرادها لعمل يحكي عن طبقة شعبية تستخدم الميكروباص في انتقالها، مروراً بالرغبة في رصد حياة أطفال الشوارع من خلال شخصية سوسن، أو زينب، وصولاً إلى فرضياته الفنتازية التي رغب أن يخلق من خلالها حالة أشبه بالواقعية السحرية. لكنّ قصة ذاك «المتنبئ» كانت العامل المشترك بين كلّ من كانوا في الميكروباص، وقد تحولت من طرح الولاية أو النبوة إلى الفنتازيا غير المبررة. فلا نعرف لماذا أنقذ ركاب الباص مرة من موت محقق، ولا لماذا فشل في أن يكرر ذلك في المرة التالية. ولا نعرف ما الذي يجعله يسعى إلى قتل كل من صدقوا «قدراته الخارقة»، ولا السبب الذي من أجله قامت الرواية على شخصية صنع الله بالذات.
في «انحراف حادّ» يبدو كل شيء منحرفاً عن مساره الطبيعي، ما عدا اللغة البسيطة والإيقاع السريع المشوق، فهو يمهّد للتنكيل بمجنّد أحاله قائده إلى محكمة عسكرية بعدما تبادلا السُباب، لكنّ الأمر ينتهي بتبرئة المتهم، من دون مبرر مقنع، ليكرر فكرة قهر الموت التي كانت محور روايته السابقة «منافي الرب»، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية.
يبدي السارد أيضاً في «انحراف حاد» تعاطفاً مع القتل انتقاماً للشرف، وهو يبارك كراهية المسيحي لأنه مسيحي فحسب. ونجد وعياً نوعياً لدى الكاتب يسعى إلى تحميله للشخوص من دون انتباه لأنهم لا ينتمون إلى هذا الوعي ولا يعترفون به، إذ ليس لطفلة شارع تحولت إلى «مومس» أن تقول على تمثال رمسيس «صنم رمسيس»، ولا للسائق أن يقول لها «متوسخيش الاسم الطاهر ده»، حين يعلم أنّ اسمها «زينب».
في «انحراف حاد» قد يجد القارئ نفسه أمام عمل كُتب على عجل، ورغبة في استثمار نص سابق بغية تحقيق أكبر قدر من التوزيع لنص يحتاج إلى مزيد من التوقف أمام هشاشته وطرحه السطحي لقضايا كانت تحتاج إلى تأمّل أعمق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.