سوريا بلد عربي مهم للغاية، ويواجه تحديات كثيرة في الداخل والخارج، وهو اليوم بحاجة إلى جهد عربي مشترك، ليصبح دولة مستقرة ومزدهرة، ونهضته ستعني الكثير بالنسبة للشرق الأوسط، ولجيرانه وبالأخص لبنانوالأردن والعراق، وكل تعاون معه سيعزز الأمن القومي العربي، ويزيده قوة.. سوريا بلد عربي محوري، ومهم في موقعه، وفي قدراته، وحيوية شعبه، وتأثيره المحتمل على جيرانه. اليوم تخوض القيادة السورية معارك كثيرة، وعلى جبهات متعددة. وقد أشار الكاتب السوري الأستاذ فايز سارة، والمتخصص في الشأن السوري في مقال له في جريدة الشرق الأوسط عما آلت إليه أوضاع الشعب السوري في عهد الرئيس السابق بشار الأسد. حيث أشار إلى أنه في نهاية عام 2024 بلغت معدلات الفقر حوالي 93 % من إجمالي السكان، حسب ما ذكرته مؤسسات دولية، ومراكز أبحاث مختصة. وهذا لا يشمل السوريين في بلدان الشتات، فأوضاعهم ليست أفضل، وبخاصة في الأردنولبنان وتركيا. أما أوضاعهم في أوروبا، وفي دول مجلس التعاون فهي أفضل، ولو بقليل. اليوم تواجه الحكومة السورية أوضاعاً صعبة للغاية، فقد خلّف النظام السابق وراءه بلداً مدمراً ومنهوباً، وكل إمكاناته الاقتصادية مشلولة، إضافة إلى التدخلات الأجنبية التي لها مطامع مختلفة، ولا تريد الخير لسوريا، ولكل دولة حساباتها، وأطماعها ومطالبها. اليوم يلوح ضوء جميل في آخر النفق المظلم، فقد استطاعت الحكومة السورية بحكمتها وصبرها من عدم الانزلاق إلى حروب خاسرة في الداخل، ومع دول الجوار. وبمساعدة الدول الصديقة، وبخاصة السعودية تم رفع العقوبات التي تثقل كاهل سوريا، وتمنع التعاون معها. كما ركزت الحكومة الحالية على البدء بترميم ما خلفته الحرب، مع البدء بالأهم، وهو توفير المستلزمات الضرورية للشعب من ماء وكهرباء وخدمات. لكن الأهم هو مكافحة الفقر والبطالة، ليشعر الشعب السوري بالفرق الواضح بين النظام السابق والحالي. وهذا يتطلب أموراً كثيرة من أهمها: أولاً- وجود رؤية تمتد لما لا يقل عن 15 عاماً، أي حتى 2040. رؤية توحد الجهود، وترسم الأهداف والبرامج. وهنا يأتي دور الأشقاء في دول مجلس التعاون، وعلى رأسهم السعودية وتجربتها الناجحة في هذا المجال. أتوقع أن كل الخبرات ستكون متاحة للمساعدة في وضع الخطط، وتدريب الكوادر، والبدء في تنفيذها. ثانياً- الاقتصاد هو القاطرة التي ستجر خلفها كل المقطورات، والنهوض به بحاجة إلى التخلص من إرث النظام السابق وقوانينه المقيدة للانطلاق. والصين وقبلها اليابان وبعدها فيتنام لم تتقدم إلا بعد أن فتحت أسواقها ومصانعها للمستثمر الأجنبي، وبخاصة أمريكا بما لديها من خبرات ومال وتقنية وأسواق. الاقتصاد يجب أن يكون الكلمة السحرية في أي خطط أو تعاون أو معاهدات ومذكرات تفاهم واتفاقيات. ثالثاً- السياحة هي أكثر مشغل للأيدي العاملة، وأكثر داعم للاقتصاد. ويجب إزالة كل العوائق أمام نجاحها، السياحة يستفيد منها صاحب النزل والمطعم، وسائق السيارة، والدليل السياحي، والأسر المنتجة، والفلاح والتاجر. لكن السياحة بحاجة إلى تسهيل إجراءات استقطاب السائحين من مختلف دول العالم، بدءاً بالحصول على التأشيرة، وحسن استقبال الزائر عند دخوله المطار إلى مغادرته. وهنا أقترح أن يستفاد من تجربة السعودية في سلاسة الدخول إلى المملكة، فبعد أن كان الزائر يستغرق من ساعتين إلى ثلاث ساعات لإنهاء إجراءات الدخول، أصبح اليوم ينهيها خلال دقائق بفضل الحكومة الإلكترونية، وتدريب العنصر المدني وبخاصة النسائي، وتمكينه، وإحلاله بلباسه المدني محل العسكريين في السابق. وأنا على يقين أن دول مجلس التعاون سترحب وتبذل كل ما تستطيع لتدريب الكفاءات وتأهيلها، وتزويدها بما تحتاجه من برامج. رابعاً- أسس العهد السابق للفساد بكل أنواعه وأشكاله، ولن يتخلى الفاسدون عن امتيازاتهم ومصادر دخلهم بسهولة. والفساد موجود في كل الدول على مستوى العالم، وأقل الدول فساداً هي الدول التي تتمتع بالشفافية، وحرية التعبير، ونزاهة الحكومة وقوتها. وكما ذكر الرئيس السنغافوري "لي كوان يو": الفساد كتنظيف الدرج، يبدأ من أعلى إلى أسفل. كما أن مكافحة الفساد إجراء مستمر، ويقتضي البحث عن القيادات النزيهة وتمكينها. كما أن الدول المانحة يجب أن تشارك، وتشرف على مشاريعها التنموية داخل سوريا، حتى تضمن تنفيذها على الوجه المطلوب، ويكون الربح للجميع، ومن مبدأ أنا أربح وأنت تربح. سوريا بلد عربي مهم للغاية، ويواجه تحديات كثيرة في الداخل والخارج، وهو اليوم بحاجة إلى جهد عربي مشترك، ليصبح دولة مستقرة ومزدهرة، ونهضته ستعني الكثير بالنسبة للشرق الأوسط، ولجيرانه وبالأخص لبنانوالأردن والعراق، وكل تعاون معه سيعزز الأمن القومي العربي، ويزيده قوة.