من أهم خطوات تفويت الفرصة على التدخلات الأجنبية وأطماعها، تحقيق العدالة بين المواطنين على أساس الكفاءة والمواطنة، دون النظر إلى الاعتبارات الأخرى التي تفرق وتنخر في النسيج الاجتماعي كالمذاهب والقوميات والأيديولوجيا التي يمكن أن تستثمرها الدول الطامعة للتدخل في النسيج الاجتماعي.. العنوان مقتبس من رواية الأديب السوداني الطيب الصالح، وهي من الروايات العربية المشهورة في القرن الماضي، أما ما يُقصد من المقال فهو ضرورة التوجه شمالاً إلى كل من الأردن، وسورية، ولبنان، والعراق، وتركيا، وهي دول مهمة، واستقرارها وازدهارها يعني الخطوات الأولى لازدهار المنطقة بأكملها، سورية بجهود أشقائها العرب، ودول مجلس التعاون بشكل خاص في طريقها للتعافي بإذن الله، رغم المؤامرات المستمرة لزعزعة استقرارها، ورغم ما أصابها من دمار، وانكماش في النمو الاقتصادي جاوز ال70 % خلال الأربعة عشر عاما الماضية، وتدمير شبه تام للبنية التحتية من طرق وموانئ وكهرباء وغيرها، والأخطر تدمير إرادة الشعب، وزرع الخوف، وعدم الثقة بين المواطنين، وامتداد الضرر إلى لبنان. لكن مع القيادة الواعية والقوية التي تركز على التنمية، وتواجه التحديات الكثيرة التي خلفها النظام السابق بحكمة وبعد نظر، ستتحسن الأمور أسرع مما نتصور، وسيكون لذلك تأثير إيجابي على الدول المجاورة، وبالأخص على لبنان، والعراقوالأردن. الأردن هو خط الدفاع الأول على الحدود الشمالية لدول مجلس التعاون، واستقراره وازدهاره يعني المزيد من القوة والاستقرار للمنطقة، وهو بحاجة إلى النمو الاقتصادي لتفويت الفرصة على المتربصين به من أحزاب ودول.. لبنان هو الآخر بدأ خطواته الأولى لاستعادة الدولة، والتركيز على العلاقات القوية مع دول مجلس التعاون، فهي الأكثر قدرة على دعمه وبناء اقتصاده المنهار، بشرط القيام بالإصلاحات الداخلية وأهمها حصر السلاح بيد الدولة، لأنه لا استقرار إلا بتقوية الجيش، وفرض هيبة الدولة، وهذا يتطلب الحكمة والحزم معاً. العراق يعود تدريجياً لمحيطه العربي، ويبدأ أول مشاريعه الاقتصادية بالتخطيط لبناء خط بري وسكة حديد تربط ميناء الفاو على الخليج العربي مع تركيا التي تعد بوابة مهمة للوصول إلى أوروبا، تركيا دولة قوية ولديها إمكانات اقتصادية كبيرة، كما أن سياستها تجاه دول المنطقة أصبحت أكثر اعتدالاً، وأقل تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول العربية، وبالأخص الدول التي عانت مما يسمى بالربيع العربي، فهي اليوم من الداعمين لسورية ضد الجماعات المسلحة، والتدخل السافر من اليمين المتطرف الإسرائيلي المتربص بسورية. اليوم تسير الأمور في هذه الدول نحو الانفراج، ومما سيسهم ويسرّع التغلب على هذا التحديات ما يلي: أولاً: الأمن والتنمية هما أولى الخطوات التي يجب التركيز عليها، فهما المطلب الأول للمواطنين، وعن طريقهما يتحقق الاستقرار، ويكافح الفقر والبطالة التي تشتكي منها هذه الدول. التنمية بشكل خاص تفوت الفرصة على المتربصين بأمن واستقرار الدول. وتمنح الثقة للحكومة، وتشعر المواطنين بالفرق بين الماضي والحاضر، وهذا يتطلب التركيز على الاقتصاد، فهو أهم ما يجمع بين الدول والشعوب، والاقتصاد بحاجة إلى جهود كبيرة من حكومات هذه الدول، من أهمها التركيز على مكافحة الفساد المستشري، وسنّ الأنظمة التي تسمح بدخول وخروج الأموال، وتعديل كل ما يقف عائقاً أمام الاستثمار، ومن المهم الاستفادة من تجربة السعودية خلال الثماني سنوات الماضية، كإطلاق الرؤية وأهدافها وبرامجها. والبحث عن القادة وتمكينهم، ونجاحها في برامج الحكومة الإلكترونية وغيرها. ثانياً: من أهم خطوات تفويت الفرصة على التدخلات الأجنبية وأطماعها، تحقيق العدالة بين المواطنين على أساس الكفاءة والمواطنة، دون النظر إلى الاعتبارات الأخرى التي تفرق وتنخر في النسيج الاجتماعي كالمذاهب والقوميات والأيديولوجيا التي يمكن أن تستثمرها الدول الطامعة للتدخل في النسيج الاجتماعي. والحل هو الدولة الوطنية، وتحت مظلتها يعيش الجميع بأمن وسلام، وفرص متساوية. الدولة الوطنية الناجحة هي التي تحقق الأمن والرخاء، وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون أي اعتبار آخر أو تفرقة. ثالثاً: التحالفات مهمة لسلامة الأراضي وتأمين الحدود، وسلاسل الإمداد، واستمرار تدفق المياه، وكل تحالف يسهم في التنمية والاستقرار يجب أن يرحب به، وهذا هو ما قامت به أوروبا ضد الأطماع الخارجية والحروب، سواء في التضامن بينها، أو مع الولاياتالمتحدة الأميركية، وهو ما كفل لها حدوداً آمنة، وازدهارا اقتصاديا بعد الحربين العالميتين والأولى والثانية. دول الشمال ودول مجلس التعاون واليمن يبلغ سكانها حوالي 200 مليون نسمة، تشكل مجتمعة قوة سياسية واقتصادية، وأسواقا واعدة لا يستهان بها، وستشكل بداية التغيير الحقيقي للشرق الأوسط الجديد.