يرى خبراء اقتصاديون ألمان ان «أوقاتاً عصيبة» تنتظر سوق العمل في بلادهم، على رغم تراجع البطالة في تموز (يوليو) الماضي بفضل الانتعاش الموسمي للوظائف المرتبط بفصل الصيف كل سنة. وقد يصل عدد العاطلين من العمل بحلول نهاية السنة أو خلال السنة المقبلة على أبعد تقدير إلى أكثر من أربعة ملايين شخص مقارنة ب 3.41 مليون حالياً. وإحدى الإشارات المهمة إلى ذلك، وفقاً للخبراء، ان التراجع في تموز كان متواضعاً وبلغ 48 ألف شخص فقط مقارنة، بمتوسط التراجع السنوي في السنوات الأخيرة الذي كان يتجاوز 120 ألف شخص. واعترف رئيس الوكالة الفيديرالية للعمل فرانك يورغن - فايزه بجدية الموقف، قائلاً ان «لا مجال لمواجهته»، ومتوقعاً ان تتجاوز البطالة في بعض أشهر السنتين المقبلتين حد خمسة ملايين شخص، أي الرقم القياسي الذي سجل عام 2005 في عهد حكومة المستشار غيرهارد شرودر. وفي تقريرها الدوري الأخير عن تطور الأوضاع الاقتصادية في أوروبا والعالم، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية ان تقضي الأزمة الاقتصادية الدولية على 1.8 مليون فرصة عمل في ألمانيا، وأن ترتفع البطالة إلى 5.1 ملايين شخص بحلول نهاية عام 2010. وسجلت البطالة في ألمانيا ارتفاعاً يقدر بربع مليون شخص خلال النصف الأول من السنة، مقارنة بنهاية النصف الأول من عام 2008. ويعتقد فايزه ان هذا الارتفاع لا يزال معتدلاً، وأن حدة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية على سوق العمال كانت ستسجل مستويات أعلى لولا التدابير الاحترازية التي اتخذتها وكالته بالتعاون مع وزارة العمل والقطاع الخاص للحفاظ على ديمومة فرص العمل. وأهم هذه التدابير تأمين نظام الدوام الجزئي للعمال مع كفالة الدولة والوكالة عبر دفع فارق الأجر عن شركاتهم لتفادي التسريح من العمل. وبلغ عدد العمال في دوام جزئي أكثر من 1.3 مليون شخص. وينتظر الخبراء تدهوراً ملموساً في سوق العمل في النصف الثاني من السنة لأن شركات كثيرة غير قادر على الاستمرار في نظام العمل الجزئي من دون تحسّن الإنتاج والطلب. وأفادت الوكالة الفيديرالية للعمل بأن شركات لجأت إلى عقود العمل الجزئي مطلع السنة الحالية، لفترات تمتد بين ستة وثمانية شهور، وهذا يعني ان مفعولها سيزول ابتداء من أيلول (سبتمبر) أو تشرين الأول (أكتوبر) المقبلين، إلا إذا طرأ تحسّن مفاجئ في الاقتصاد أو زادت الدولة مساهمتها في تغطية أجور العمال، تفادياً لعمليات تسريح. وأثنت أحزاب سياسية وأصحاب أعمال على الجهود التي بذلت منذ بداية السنة لتجاوز تداعيات الأزمة الدولية على سوق العمل المحلية بصورة لم تحدث في أي بلد آخر. وقال وزير العمل أولاف شولتس: «بفضل الدوام الجزئي، حققنا وسط هذه الأزمة في ألمانيا شيئاً فريداً من نوعه عالمياً». وتأمل الحكومة بعدما ألغت ابتداء من أول آب (أغسطس) الجاري اشتراكات أصحاب الأعمال في صندوق الضمان الاجتماعي في ان تتشجّع الشركات على مواصلة اعتماد الدوام الجزئي، إذ لا مصلحة لديها في فقدان عمالها المهرة، لأنها تعلم ان الحصول عليهم سيكون صعباً لاحقاً حين تعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران من جديد. وأعلن شولتس ان الحكومة ستؤمّن للوكالة الفيديرالية للعمل السنة المقبلة قرضاً قيمته 20 بليون يورو، لتغطية حاجتها إلى دفع علاوات البطالة إلى العاطلين من العمل. وستكون الوكالة قادرة وحدها تقريباً على سد عجز يبلغ 20 بليون يورو هذه السنة بفضل الصندوق الوقائي الذي أنشأته في مرحلة الانتعاش الاقتصادي التي استمرت في السنوات الثلاث الماضية.