حملت الانتخابات المحلية الفلسطينية العديد من المفاجآت غير السارة لحركة «فتح» كبرى الفصائل الفلسطينية، في مقدمها خسارتها غالبية المقاعد في عدد من المدن الكبيرة، مثل نابلس ورام الله وجنين وبيت لحم. إلا أن المفاجأة السارة للحركة أن الرابحين في هذه المدن لم يكونوا بعيدين عن الحركة، وإنما ناشطون سابقون أو مقربون أو أعضاء خاضوا الانتخابات في منافسة للكتل الرسمية للحركة، فعاقبتهم بتجريدهم من العضوية. ففي مدينة نابلس، فازت كتلة يقودها عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير غسان الشكعة على الكتلة الرسمية لحركة «فتح» التي يقودها رئيس المجلس الثوري للحركة أمين مقبول. وفي رام الله، فازت كتلة «أبناء البلد» المؤلفة من ناشطين سابقين في «فتح» على الكتلة الرسمية التي دعمتها الحركة. وكذلك كان الأمر في جنين وبيت لحم وبيت جالا وطوباس وغيرها. غير أن «فتح» فازت في مدن أخرى كبيرة، مثل الخليل وطولكرم وقلقيلية. وشكّلت خسارة «فتح» في مدن مثل رام الله التي تعد العاصمة الإدارية للسلطة، ونابلس التي تعد العاصمة الاقتصادية، ضربة كبيرة لمكانة الحركة التي سعت إلى تعزيز شرعيتها في هذه الانتخابات بعد تعطل الانتخابات الرئاسية والتشريعية نتيجة الانقسام الوطني. ويرى مراقبون إن نتائج هذه الانتخابات ستلقي بظلالها على الحياة السياسية الفلسطينية لفترة طويلة مقبلة. وقال مدير مركز «أوراد» لاستطلاعات الرأي الدكتور نادر سعيد: «نتجت من هذه الانتخابات دروس عدة، أهمها بالنسبة إلى الرئيس محمود عباس أن عليه أن يظل رئيساً لكل الفلسطينيين، وأن لا يتدخل في قضايا تفصيلية (مثل دعم كتلة على حساب أخرى)، وثانيهما حاجة حركة فتح للديموقراطية لأنه كلما زادت نزعة فرض الأشياء من القيادة، كلما زادت نزعة التمرد». وأضاف: «توجد أخطاء واضحة في تقدير الأمور من قيادة فتح». كما أشار إلى بعد آخر في التصويت لصالح كتل منافسة لحركة «فتح» التي تقود السلطة، يتمثل في ما أسماه «وجود خيبة أمل من قدرة القيادة الفلسطينية على قيادة الشعب في رؤية مشتركة نحو هدف مشترك». وقاطعت حركة «حماس» الانتخابات وشككت في شرعية نتائجها. وقال أحد أبرز قادة الحركة الدكتور محمود الرمحي ل «الحياة»: «هذه الانتخابات كانت انتخابات داخلية بين فتح والمنشقين عنها». وكشف أن «حماس» كانت تنوي المشاركة في الانتخابات في حال توقفت السلطة عن اعتبارها خارجة عن القانون. وأضاف: «في آب (أغسطس) الماضي، اجتمعنا مع رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض وطلبنا منه التوقف عن اعتبار حماس خارجة عن القانون كي تتسنى لها المشاركة في الانتخابات، لكنه وعد بالعودة إلينا بعد مناقشة الأمر مع الرئيس، وهو ما لم يحدث». وأضاف: «حماس مصنفة خارج القانون، وأي أموال للحركة معرضة للمصادرة لاعتبار التعامل بها غسيل أموال، لذلك لم نتمكن من المشاركة في هذه الانتخابات لأن من يشارك سيكون عرضة للاعتقال والمساءلة عن الانتماء وعن الأموال التي ينفقها على حملته». وزاد أن «السلطة تعتقل ناشطين من الحركة على خلفية مشاركتهم في الانتخابات العامة عام 2006، ما جعل من مشاركتهم في هذه الانتخابات أمراً مستحيلاً لأنه يعرضهم للاعتقال مجدداً». وأثار تدني المشاركة في الانتخابات، خصوصاً في المدن الكبيرة، جدلاً كبيراً في الأسباب والدوافع السياسية. وأعلنت لجنة الانتخابات أن نسبة المشاركة من المسجلين للانتخابات بلغت نحو 55 في المئة. لكن «حماس» اعتبرت هذه النسبة مبالغاً فيها، مشيرة إلى أن نسبة المشاركة يجب أن تحسب من أصحاب حق الاقتراع وليس المسجلين. وقالت إن أعضاء الحركة وأنصارها لم يسجلوا للانتخابات لمعرفتهم بموقف الحركة المقاطع. وقال الرمحي: «عدد المشاركين في الانتخابات بلغ 277 ألفاً، وهذا يشكل 22 في المئة من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم نحو مليون وربع المليون». وجرت الانتخابات ل 93 هيئة من الهيئات المحلية البالغ عددها 353 مجلساً بلدياً وقروياً. أما المجالس الأخرى، فإما أنها اتفقت على تشكيل مجالسها من دون الحاجة إلى الانتخابات، أو عزفت عن ذلك، ما حدا بوزارة الحكم المحلي إلى العمل على تعيين لجان لإدارتها بعد منحها فرصة ثانية لتقديم مرشحيها. ورأى مراقبون في العزوف الواسع عن المشاركة في الانتخابات والتصويت مؤشراً إلى احتجاج شعبي وفردي على الأوضاع السياسية والاقتصادية البائسة في الأراضي الفلسطينية. فمن جهة، وصلت العملية السياسية مع إسرائيل إلى طريق مسدود وفشلت في الوصول إلى إقامة دولة مستقلة، ومن جهة ثانية، تعاني السلطة الفلسطينية أزمة مالية تهدد قدرتها على البقاء ومواصلة تقديم الخدمات للجمهور.