صورة غائمة وغامضة عاشت معي عن التلفزيون منذ كنت طفلاً وكنت أسمع في مدينتي الصغيرة عن سفر الراحل حسيب يوسف الى الولاياتالمتحدة الأميركية لدراسة التلفزيون كفنّ وتحديداً الإخراج. تلك كانت بدايات التأسيس التلفزيوني العربي، وكانت الدراما التلفزيونية تعيش طفولتها الأولى، عصر نور الدمرداش وإبراهيم الصحن وفايز حجاب في مصر، وعلاء كوكش وغسان جبري ورياض دياربكرلي في سورية. الزمن منذ تلك الأيام راكم بالضرورة الكثير في شكل الدراما ومضامينها، وحتى في الفنون «التابعة» والملحقة بها. بل إن النقد الفني ذاته قد تطوّر بما بات يسمح بالحديث عن وجوده شبه المكتمل أولاً، ثم أيضاً عن دوره في تطوير العملية الفنية برمتها. مع ذلك، يبدو هذا النقد اليوم غارقاً في «المتابعات» العجولة أكثر من اهتمامه بقراءة الأعمال الدرامية بعمق: معظم ما نشاهده من أعمال درامية هذه الأيام لا يجد «اشتباكاً» نقدياً حقيقياً معه في الإعلام المقروء والمرئي على رغم ازدحام الشاشة الصغيرة بالفضائيات التي تنشغل – غالباً – بأخبار النجوم من الفنانين والفنانات، وتعزف عن النقد بذريعة أنه «ثقيل» على المشاهد. من يتابع البرامج الفنية في القنوات الفضائية العربية يدهشه حجم الحضور الكثيف لبرامج الفن، وفي الوقت ذاته ضآلة المساحة المخصصة للنقد في تلك البرامج. وهي ظاهرة جعلت وتجعل المقدّم الناجح هو القادر على إدارة فقرات «خفيفة» تهتم بالأخبار الشخصية الجانبية، من دون الغوص في العمق، ما يجعل الظاهرة التلفزيونية خارج النقد تقريباً. ولعل من المناسب ان نذكر هنا - في السياق نفسه وإنما من جانب آخر - كيف ان محاولات أُجريت قبل سنوات عدة وعلى اكثر من صعيد لإيجاد نوع من البرامج النقدية التلفزيونية على الشاشات الصغيرة قد باءت بالفشل، وربما ليس بسبب استنكاف الجمهور عن متابعتها، بل لأن هذه الفنون «الجماهيرية» تعتبر نفسها فوق النقد، اللهم إلا اذا كان نخبوياً لا يصل الى احد! هي حال نقيضة لحال النقد السينمائي تماماً، ولعل ذلك يحدث انطلاقاً من فكرة شائعة تقول بخفّة التلفزيون وجديّة السينما أو بتعبير البعض أن السينما رواية والتلفزيون صحيفة يومية. مع ذلك، فالأمر يقع على عاتق الفضائيات ذاتها، فهي من تملك قرار أو إمكانية فتح الباب للنقد الفني لأن يتطور وينمو في مساحات أوسع ومناخات مختلفة بما يسمح بتطوير الدراما والارتقاء بها. العلاقة بين الفضائيات العربية والنقد الفني تبدو علاقة من طرف واحد وأسلوب واحد لم يتغير حتى اليوم، يقوم إما على الأخبار السريعة أو المديح.