تشبه «النحلة الألفية» لبيتر ياروش «ثلاثية» نجيب محفوظ بكثرة شخصياتها وبرصدها ثلاثة أجيال في حقبة تمتد من أواخر القرن التاسع عشر إلى عشرينات القرن العشرين. تروي هذه الرواية الاسرية التاريخية سيرة أسرة مارتين بيخاندا وزوجته روجينا الطيبة التي تغض النظر عن خيانات زوجها مع عشيقته «جيليكا» وتضربها أحياناً وسط ضحك أهل القرية. وهي سيدة طيبة ترعى شؤون أبنائها «سامو» الأكبر وشقيقه «فالنت» وأختهما «كريستينا» التي ستتزوج من الحطاب ماتي سروك وتترمل باكرا. تعمل العائلة في الزراعة، لكن مهنة الأب الشتوية هي البناء. لولا «النحلة الألفية» في منحلة مارتين التي يصادقها الابن الأكبر سامو ويتبادل معها الحوار ويزور المنحلة من دون أن يتعرض لقرص النحل ولهذا لقب بالنحلة وأخذت الرواية اسمها من لقبه. تقول له النحلة (أنا ملكة من ألف عام يا سامو... أنا ملكة أبدية، إن عاملاتي تنقل إخباركم ساعة بساعة، وانصح أن تتزوجني لتعيش مثلي ألف سنة). في الفصل الأول سنتعرف الى أهم شخصيات القرية، جوزيف نادر الذي يحب مرتا ابنة اليهودي كريشكا الذي يرفض زواجها من مسيحي فيزوجها من تاجر يهودي يقيم في مدينة بعيدة ليقصيها عن حبيبها. والابن الأكبر سامو الذي يتزوج من نحلة بشرية اسمها ماريا. والابن الاوسط الذي يحتار بين هرمينا القصيرة ابنة الإقطاعي «يوليوس هارد بان» والفقيرة «هانكا كرالوفكا» التي تحاول ان تسكره بجسدها حتى تمنعه عن غريمتها لكن هرمينا تفوز به وتنقله إلى حياة الرغد في المدينة. نكتشف مع مطلع الفصل الثالث أن عشر سنوات مرت، أخفقت خلالها كومونة باريس بتشكيل ديكتاتورية البروليتاريا وهو ما يحبط المدرس اورفانيدس الاشتراكي رمز الطبقة المثقفة إلى درجة الموت غيظاً. تكتظ حياة هؤلاء القرويين بالطرائف «المطبخية» ففي احداها تطهو «ستازكا» الحليب منكهاً بجزمة حميها من دون ان ينتبه احد، ويحضر أخوها حبيبته المجرية «يولتشا» التي يفقدها الحنين إلى بلدها صوابها فتطبخ الديك مع أحشائه وينجو خنزير من الموت بعد أكله دجاجة حية. لكن أسوأ المصائر تنتظر عاشق اليهودية الذي ينتحر عشقاً. ويقبل سامو الذي أنجب ثلاثة أولاد على مبادئ الاشتراكية الديموقراطية المغوية متأملاً الخلاص من الإمبراطورية المجرية التي تضم النمسا والمجر وتشيخيا وسلوفاكيا ويعلن إلحاده فيحرّض الأب كريبتوخ الناس ضده فيطرد من المنشرة، ويعود الابن الاوسط فالنت إلى القرية بعد حصوله على إجازة الحقوق فيرحب به حماه الإقطاعي يوليوس هادر بان ويغريه بصفقات مالية وبزواجه من ابنته هرمينا فيتزوجها تاركاً عشيقته الجميلة هانكا الحبلى بنطفته للحزن والعنوسة. يموت عميد الاسرة مارتين بيخاندا مخنوقاً بشظية زجاج بلعها على أنها نبيذ مثلج في زجاجة سقطت مكسورة، وتتكاثر على ابنته الارمل كريستينا المصائب لكن الفلاح ميترون الطامح إلى الذرية، يهجر زوجته ويعيش علاقة غير شرعية مع كريستينا تثمر عن ولدين ويعلن زواجه منها بعد موت زوجته ماتيلدا التي جنت من الغيرة، والتي لم يرحمها في مرحلة جنونها وتشردها احد سوى عشيقة زوجها كريسينا! يصير فالنت رأسمالياً وأخوه سامو اشتركياً إلا أن ذلك لا يمنع فالنت من ترك نصيبه من الميراث لأخيه والتدخل لإنقاذه من السجن بسبب وشاية تتهمه بالعمل ضد الدولة المجرية وإخفاء السلاح والمنشورات الروسية التحريضية، ويكون مصير السفيه الواشي «سيزولك» هو الموت غرقاً في البئر. تتكاثر على سامو المصائب فيقضي ابنه الأول بطلقة من الجنود المجريين الذين كانوا يفضّون تظاهرة عمال السكك الحديد ثم يصاب بالاكتئاب بعد بلع الطاحونة طفلته الصغيرة «أيما» من دون أن تترك منها سوى قطع منتوفة من ثيابها. تبدأ رحلة الجيل الثالث من عائلة بيخاندا، جيل الأحفاد، مع بيتر ابن سامو الذي يذهب بشفاعة عمه المحامي فالنت لتعلم تصليح الساعات في مدينة روجمبرغ، ويصير شقيقه كارول فناناً تشيكلياً، اما الحفيد الثالث الذي يحمل اسم الاب فيصير طالباً في مدرسة الغابات، وفي الوقت الذي يقتل ولي العرش المجري النمسوي «فرنتشيك فرديناند» على يد الصربي جفريلو برنسيب، تقع الحرب العالمية الأولى فتصادر السلطات المجرية القمح من الناس فيتوقف طاحون سامو، ويساق الحفيد الأول إلى الجبهة ضد روسيا، ويلحق بهم الحفيد الثاني فيقتل. يسلم الحفيد الأول نفسه إلى الروس آملاً المعاملة الحسنة لكونه سلافياً مثلهم، فيأسرونه لكنهم يتركونه عندما تقوم الثورة البلشفية التي ينضم إليها، فيسمع خطاب ستالين بأذنيه ويكون له شرف مصافحة لينين وتعلن تشيكوسلوفاكيا المستقلة عام 1918 ويتم الإفراج عن ابيهما الذي دخل السجن المجري لمطالبته بسلوفاكيا المستقلة، ويعود إلى وطنه سعيداً لكنه في الفيلم المأخوذ عن الرواية يقتل برصاصة مجري متعصب، ساخط على تمزيق الإمبراطورية المجرية. المؤلف يظهر نفسه أحياناً في سرد بضمير الغائب العارف، بلا تمهيد، وتحفل الرواية بالشخصيات الثانوية التي ترسم خريطة سلوفاكيا الاجتماعية الريفية غداة الاستقلال الفيديرالي، وتقاس الأحداث بالطعام والجنس والذرية والموت. يطعم الكاتب روايته بلمحات غرائبية مثل هرب كلب عميد بيخاندا الوفي وراء روح صاحبه المتوفى الهائمة بلا اثر بعد تمزيق سلسلته الحديد، ومثل ترك مرقع الطناجر نبيذاً في الطناجر بسحر ساحر، والنحلة الألفية التي تحاور سامو بطل الرواية وتصاحبه ولا تبخل عليه بالنصيحة، لكن الشطحات الصوفية الطارئة لا تتحول في الرواية، التي تعرض حقبة من تاريخ سلوفاكيا من خلال سيرة عائلة، إلى مزاج روائي راسخ. يعتبر الروائي السلوفاكي بيتر ياروش (مواليد 1940) من أهم الكتاب السلوفاك المعاصرين، وأكثرهم اعتناء بتاريخ وطنه روائياً، تجلى ذلك في رواياته «اصنع لي بحراً» التي صدرت عام 1964 و «الزريبة» - 1970 و «زواج الكلاب» عام 1990 وغيرها. حصل ياروش على جوائز في النظام الاشتراكي السابق وكان أهمها جائزة كلمنت جوتوالد وجائزة اتحاد الكتاب السلوفاك. تبقى النحلة الألفية 1977 احدى أهم الروايات السلوفاكية، وقد حصد الفيلم المأخوذ عنها جوائز محلية، وترجمت الرواية إلى لغات عدة.