تتصاعد الأزمة السورية وتتوسع الحرب الأهلية فيها وتذهب بسورية الى دمار بشرها وحجرها، وشلل في حياتها العامة واقتصادها، وتنتقل الازمة بوتيرة متسارعة الى لبنان. كثيرة هي المؤشرات الدالة على هذا الانهيار. المؤشر الأول هو حجم الانشقاقات السياسية التي كسر فيها مسؤولون جدار الخوف وأعلنوا انفصالهم عن النظام. شمل ذلك قيادات على مستوى رئيس الوزراء وديبلوماسيين، مع العلم ان كثيرين ينتظرون الظرف المناسب للخروج. الى جانب السياسيين، تُسجل يومياً انشقاقات على المستوى العسكري، بخروج قيادات عليا ولجوئها الى تركيا او الاردن. ما تعنيه هذه الانشقاقات هو حصول تداعيات فعلية في بنى النظام، وبداية فعلية لفك التماسك الداخلي حول السلطة المركزية. المؤشر الثاني يتصل بتقلص هيمنة النظام على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، بحيث باتت تصل الى نصف سورية. هذه المناطق المحررة سيكون لها أثر كبير في المستقبل، حيث يمكنها ان تشكل مناطق آمنة يلجأ اليها المنشقون عن النظام من القوى السياسية والعسكرية. وكلما توطدت سلطة الثورة في هذه المناطق، ساعدت في تفكيك قوى النظام وسهلت الانشقاقات في قواه. يترافق هذا التوسع الجغرافي للثورة مع زيادة القوة الضاربة للجيش الحر، الذي بات يُنظر اليه كأحد العناصر الأساسية في إسقاط النظام، خصوصاً بعد الخسائر التي ألحقها بقوى الجيش الرسمي في اكثر من منطقة في سورية. يساعد تزايد قوة هذا الجيش في شرعية مطلبه بتسليح نوعي، وبمنطقة حظر على سلاح الطيران ومعه منطقة آمنة بين سورية وتركيا تلجأ اليها قوى من المعارضة، وتشكل خلفية الحراك لها. المؤشر الثالث يتعلق بالمسلك التدميري المتواصل للنظام في دك المدن والأرياف السورية، عبر سياسة الإبادة المادية والجسدية، والإصرار على إعادة سورية الى العصور الحجرية. يأتي ذلك مترافقاً مع الانسداد السياسي لأي امكانية بتسوية ما. أفشل النظام خطة كوفي انان، وسيُفشل اي خطة جديدة قد يأتي بها مبعوث دولي آخر. لا يبدو ان النظام مستعد لتسوية على الطريقة اليمنية او المصرية أو التونسية، بل هو مصر على «مصير ليبي» يستحقه فعلاً، ويبدو انه الخيار الوحيد السائر نحوه. أما الاعتماد على قوى دولية وإقليمية خصوصاً ايران التي تهدد دوماً بأنها لن تسمح بسقوط الأسد، فإن ما ينطق به قادتها قد يكون له مفعول جزئي على غرار ما يحصل اليوم من تدخل لوجستي ومساعدة ميدانية محدودة. لن يكون في وسع ايران او روسيا إنزال جيوشها في الاراضي السورية والدفاع عن النظام، لأسباب محلية ودولية معروفة. المؤشر الرابع يتعلق بالاصرار السوري على نقل الحرب الأهلية الى لبنان والتدخل الدائم في شؤونه. لم يتوقف يوماً مسلسل التدخل الأمني السوري في لبنان، قبل الانتفاضة وخلالها، لكن الجديد ان النظام اخذ يحرق أوراقه الأساسية عبر توريطها بمهمات ارهابية، غير عابئ بالمترتبات الناجمة عن هذا الارهاب. لعل توظيف احد من كانوا يعتبرون خطاً سورياً أحمر، اي ميشال سماحة، في التنفيذ المباشر لأعمال إرهابية، قد يعكس عدم الثقة بشبكات ارهابية اعتاد النظام توظيفها في مثل هذه المهمات. لا حدود لدى النظام في إحراق عملائه حتى ولو كان هذا العميل مصنفاً مستشاراً للرئيس الأسد. في اي حال يجب توقع المزيد من الأعمال الارهابية التي سيلجأ اليها النظام لزرع الفتن في لبنان. المؤشر الخامس يتناول توريط النظام السوري لقوى لبنانية، وتورطها بإرادتها في القتال الدائر دفاعاً عن النظام. تنتمي هذه القوى في معظمها الى الطائفة الشيعية، ويتبرع بعض قادتها كل يوم بتقديم الولاء للنظام والتهديد بمنع إسقاطه. في المقابل، اتى خطف مجموعة من اللبنانيين من أبناء الطائفة نفسها ليزيد من توتر العلاقة، سورياً ولبنانياً. ان أخطر ما في هذا الموضوع هو النزعات العنصرية التي عادت تندلع في لبنان وسورية. في سورية، تحولت النقمة على «حزب الله» المتهم بالمشاركة في القتال الى جانب النظام، الى نزعة عنصرية ضد الطائفة الشيعية بالإجمال، وهو مؤشر ستكون له تداعياته السلبية جداً في المستقبل بعد سقوط النظام. اما في الجانب اللبناني، فقد بدأ الانتقام من العمال السوريين وطردهم من بعض المناطق ذات التواجد والنفوذ الشيعي. عاد البلدان يشهدان نزعة عنصرية سبق أن عرفاها في أعقاب اغتيال الرئيس الحريري وما تبعها من انسحاب للجيش السوري من لبنان. لا يبدو ان امكانات التسوية تطل من الأفق المسدود في الصراع المفتوح في سورية على غاربيه، ولا أمل ايضاً في وقف شلالات الدم المتدفقة كل يوم مع اصرار النظام على تدمير بلده. * كاتب لبناني