برعاية اتحاد الغرف السعودية.. اتفاقيات محلية ودولية في اختتام المعرض الدولي الأول العائم للامتياز التجاري    النفط يسجل مكاسب أسبوعية وسط تفاؤل بمحادثات أمريكا والصين    الجيش الباكستاني: ثلاث من قواعدنا الجوية تعرضت لهجوم صاروخي هندي    الكرملين: روسيا تدعم وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما    بث مباشر من مدينة الملك عبدالله الطبية لعملية قسطرة قلبية معقدة    الخريف يبحث تعزيز التعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)    أرتيتا يصر على أن أرسنال «الأفضل» في دوري أبطال أوروبا    ميلان يقلب الطاولة على بولونيا في "بروفة" نهائي الكأس    الخليج يجدد عقد "بيدرو" حتى عام 2027    القبض على 3 هنود في عسير لترويجهم (63) كجم "حشيش"    باكستان: الهند أطلقت صواريخ باليستية سقطت في أراضيها    نادي القادسية يحصد ذهب ترانسفورم الشرق الأوسط وأفريقيا 2025    'التعليم' تعتمد الزي المدرسي والرياضي الجديد لطلاب المدارس    بعد تعيينها نائبًا لوزير التعليم بالمرتبة الممتازة .. من هي "إيناس بنت سليمان العيسى"    الهلال يعلن انتهاء موسم لاعبه"الشهراني" للإصابة    محمد الدغريري يكتب.. الملكي يُعاقب القارة    مشروع البحر الأحمر: أيقونة الجمال وسرعة الإنجاز    الإعلان عن أندية الدرجة الأولى الحاصلة على الرخصة المحلية    من أجل ريال مدريد.. ألونسو يُعلن موعد رحيله عن ليفركوزن    المملكة توزّع 2.000 سلة غذائية وحقيبة صحية في محافظة الحسكة السورية    أموريم يقر بأن يونايتد يستحق الانتقادات رغم وصوله لنهائي يوروبا ليغ    الدكتورة إيناس العيسى ترفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينها نائبًا لوزير التعليم    جوازات المدينة تستقبل أولى رحلات حجاج جيبوتي    سقوط مسبار فضائي على الأرض غدا السبت 10 مايو    إيران والردع النووي: هل القنبلة نهاية طريق أم بداية مأزق    مستشفى الطوال العام ينفذ فعالية اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية    النادي الأدبي بجازان يقيم برنامج ما بين العيدين الثقافي    إمام المسجد الحرام: الأمن ركيزة الإيمان ودرع الأوطان في زمن الفتن    جازان تودّع ربع قرن من البناء.. وتستقبل أفقًا جديدًا من الطموح    هلال جازان يحتفي باليوم العالمي للهلال الأحمر في "الراشد مول"    أمير منطقة الجوف يختتم زياراته التفقدية لمحافظات ومراكز المنطقة    مهرجان المانجو والفواكه الاستوائية في صبيا يشهد إقبالًا استثنائيًا في يومه الثاني    قيمة المثقف    الرياح الأربع وأحلام اليقظة    أوامر ملكية: تغييرات في إمارات المناطق وتعيينات قيادية رفيعة    الحج لله.. والسلامة للجميع    الرواية والسينما وتشكيل الهوية البصرية    اضطرابات نفسية.. خطر صادم    مرضى الكلى.. والحج    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    الحجيج والهجيج    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه أميرًا لمنطقة جازان    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم الملتقى العلمي الرَّابع لطلبة المنح الدِّراسيَّة    رئاسة الشؤون الدينية تدشن أكثر من 20 مبادرة إثرائية    جامعة نايف للعلوم الأمنية تنال اعتمادا دوليا لكافة برامجها    جائزة البابطين للإبداع في خدمة اللغة العربية لمجمع الملك سلمان العالمي    15 مليون دولار مكافأة لتفكيك شبكات المليشيا.. ضربات إسرائيل الجوية تعمق أزمة الحوثيين    إحالة مواطن إلى النيابة العامة لترويجه "الحشيش"    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    تصاعد التوترات بين البلدين.. موسكو وكييف.. هجمات متبادلة تعطل مطارات وتحرق أحياء    ضبط (4) مقيمين لارتكابهم مخالفة تجريف التربة    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. فصل التوأم الطفيلي المصري محمد عبدالرحمن    الرُّؤى والمتشهُّون    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انعكاسات طرابلس...
نشر في الحياة يوم 19 - 05 - 2012

استُقبل الحدث الطرابلسي بمنطقين متقابلين، حاولا تفسيره بغية تطويعه وتحجيمه. يقوم الأول على منطق إرادوي - مؤامراتي، يبحث عن فاعل وخطط وإرادات، وبالتالي مسؤوليات، محولاً الحدث إلى دلالة على مخطط خفيّ، يُكشف ولا يُفهم. قراءة سريعة لبعض المواقف «الممانعة» كفيلة بإبراز هذا النمط، حيث تمّت استعادة الأدبيات «البوشية»، معطوفة على نظرية «الغريب»، لتلخيص ما يحدث بأنها مؤامرة حريرية وسورية معارضة وخليجية، مدعومة بشخصية السلفي بصفته صورة «الشر المطلق». واللافت أن من برّر اشتباكات السنوات الماضية وهلّل لاقتحامات 7 أيار لم يرَ في ما يجري أي تشابه مع هذا الماضي، ولا سخرية من اتهام شادي المولوي ب «النيل من سلطة الدولة وهيبتها»، بعدما تمّ القضاء على تلك الهيبة.
واجه بعض «المتنورين» هذا المنطق السياسوي الفج بتفسيرات اجتماعية واقتصادوية، تُرجع الحدث إلى بنيات أعمق، تذوب فيها المسؤوليات والإرادات، ليتحول الحدث إلى مجرّد صرخة يأس، يتفهّمه البعض ولا يفهمه. يتنافس الفقر والحرمان وغياب الدولة والسياسات النيو - ليبرالية (من أكثر المفاهيم التي تمّت إساءة استعمالها في الآونة الأخيرة، بعد مفهوم الإمبريالية) على رسم السياق الملائم لتأطير هذا الحدث. هكذا، يستعين جان عزيز بالتراث الديني والتاريخ والفن والماركسوية لتفهّم «غافروش» طرابلس، ساحباً الحدث من تاريخه المباشر لإطلاقه في فضاء الإنسانية اللاسياسي (الأخبار، 15 - 5 - 2012). فاغفروا لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون، هكذا يتفهم الخصم خصومه.
بين الفضح والتفهّم، تذوب طرابلس ولا يبقى منها إلا قندهار تديرها حفنة من السلفيين الانتحاريين أو روضة مليئة بالأطفال الهائجين في ظل غياب المدير. ويصبح العنف مجرد فورة لاعقلانية، تحتاج إلى مؤامرة كونية أو بنيات اقتصادية أو إلى التراث الفكري العالمي بأكمله لالتقاطها. لكن فورة العنف الأخيرة لا تحتاج إلى الفضح أو التفهّم. فهي تكلمت مراراً في الماضي، وما زالت تتكلم، ولولا إصرار البعض على تحوير كلامها، لكان سمع صدى أقواله في ذلك العنف.
فمن يريد أن يسمع، كان انتبه إلى أن إدخال السلاح إلى الحياة السياسية اللبنانية لا يؤدي إلّا إلى مزيد من السلاح، بخاصة عندما يكون معطوفاً على تناحر طائفي. وكان فهم أن صدى استغلال العنف الأهلي لأغراض سياسية والتلاعب بالمشاعر الطائفية في اعتصامات مفتوحة والسكوت على ذلك، إن لم يكن التهكم على شهداء طرف معين، وصولاً إلى 7 أيار وتمجيدها، لن يكون صداه إلّا تعاظماً في الطائفية والعنف والتعصب.
ومن يرِد أن يسمع، كان فهم أن تفكيك الدولة، مهما كانت ضعيفة، لا يؤدي إلّا إلى شتى أنواع الأمن الذاتي وإلى تمجيد للضواحي، جنوبية كانت أم شمالية. فمن تحييد الجيش في 7 أيار، وإسقاط عشرات القتلى من أجل تثبيت موظف في المطار، وإفراغ الانتخابات من أدنى معانيها، وصولاً إلى تمجيد «المربعات الأمنية» واقتحام المطار من أجل استقبال جميل السيد، لم يعد من المستغرب ألّا تستطيع مؤسسات الدولة فرض هيبتها (التي يحاول المولوي النيل منها)، وأن تقرر مجموعات التشبّه بأسلوب خصمها.
ومن يحاول أن يسمع، كان لاحظ أن التشابك والتشابه هما عنوانا اللعبة في لبنان، وأن محاولة عزل طائفة لا يؤدي إلّا إلى فورانها. فبعد إزاحة الزعيم السنّي الأقوى واستبداله بحكومة عونية مدعومة من «قمصان سود» ثمّ قرار محاسبته من قبل فاسدي الطوائف الأخرى، ومن الكلام عن الخطر السنّي وصولاً إلى التهليل للمذابح في سورية، يبقى أن من لا يتوقع رد فعل، يكون إما غبياً أو مجرماً. أما الذي كان يتوقع الرضوخ، فجاهل بتاريخ هذا البلد.
وإذا لم تكف كل هذه الضجة للتنبيه إلى أن شيئاً ما قد انكسر، كان على هذا المستمع أن يستمع إلى الثورة السورية وصداها في بعض المناطق في لبنان، وكان سيفهم أنه لم يعد مقبولاً الدعم المطلق لمجازر بشار الأسد، ليس فقط من باب أخلاقي، بل أيضاً من باب الضرورة السياسية، كونها أصبحت جزءاً من المخيلة الطائفية السنّية. وكان سينتبه أيضاً إلى أن اتصالاً ل «أصدقاء وإخوان» في حمص أو تصريحات بأنها «خلصت» لا تقرأ إلّا كإهانات وتبرير للمجازر، وأنها لن تمرّ من دون جواب.
وهو لو توقف عن الضحك على الأميركان وعلى انقلاب الإسلاميين عليهم في الماضي، لكان لاحظ أن سياسة إضعاف زعيم الطائفة السنّية الأقوى والأكثر اعتدالاً وتغذية السلفيين «الممانعين» لن تنتهي بإعادة الطائفة إلى كنف المقاومة، بل بالانقلاب عليه عندما تسمح الظروف. وقد بدأت تسمح الظروف...
هذا كله ليس للوم طرف على ما حدث وقد يحدث، فالمسؤوليات عدة، ولكنها غير مهمة في حالة حرب أهلية. ومن يرِد أن يسمع، كان سمع أن الحرب الأهلية قد بدأت، وقد تقضي على شعارات الحقيقة والسيادة، ولكنها ستقضي أيضاً على شعارات المقاومة والتغيير والإصلاح وبواخر الكهرباء واستعادة الدور المسيحي والنسبية وسيد المقاومة نفسه. فبدل الهروب إلى ما وراء الحدث، وما تحته وما يحاذيه، كان من الأفضل النظر إليه بتأنٍ، وكان من الممكن رؤية الانعكاسات التي خلّفتها أحداث السنوات الخمس الأخيرة فيه.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.