انطلاق مؤتمر الشبكات الذكية الاثنين المقبل في الرياض    ترمب: هجوم تدمر حدث في منطقة خارج سيطرة الحكومة السورية    سلوت يؤكد أن مستقبل صلاح ليس محل نقاش ويستبعد رحيله عن ليفربول    تشكيل منتخب السعودية المتوقع أمام الأردن في كأس العرب    ضبط 5 إثيوبيين في جازان لتهريبهم (144) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر.    «هوبال» يحصد جائزة «فاصلة» لأفضل فيلم سعودي    العزاب يغالطون أنفسهم    غزة بين آثار الحرب والطقس القاسي مع استمرار الضربات العسكرية    مقابر واحتجازات تورط الدعم السريع    السعودية تواصل إيواء النازحين في جنوب غزة    المملكة تشارك في مؤتمر رابطة مكافحة الفساد    زبرجد فيلم روائي يجذب زوار معرض جدة للكتاب    للكشف عن آخر تحضيرات الأخضر .. "ريناد" يتحدث للإعلام قبل مواجهة الأردن    الملك يرعى الحفل الختامي للعرض الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة    3 آلاف ريال غرامة التخييم في الغابات والمتنزهات بدون ترخيص    هطول أمطار رعدية على مناطق المملكة من يوم غدٍ الأحد حتى الخميس المقبل    تنمية الشباب.. الفرص والتحديات من منظور حقوق الإنسان    NHC تعلن بدء بيع المرحلة الثانية في مشروعي وهج ورحاب الأصالة بالرياض بعد اكتمال المرحلة الأولى    لوحة «أ ب ل 1447» توثق رمزية مهرجان الإبل في معرض وزارة الداخلية    أمير الشرقية يرعى حفل تكريم الفائزين بجائزة الأحساء للتميز في نسختها الثالثة الاثنين القادم    برعاية محافظ الخرج... انطلاق المؤتمر العلمي ال21 للجمعية السعودية التاريخية    "البيئة" تؤكد أهمية تعزيز الشراكات الدولية في منظومة الابتكار والتقنية لبناء نظم غذائية مرنة ومستدامة    الأردن يعلن إصابة النعيمات بقطع في الرباط الصليبي    رسالة من كانسيلو تثير الغضب    فريق قوة عطاء التطوعي يحتفي باليوم العالمي للتطوّع ويكرّم أعضاءه    ضبط (19576) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    ورشة عمل في فندق كراون بلازا تحت إشراف جمعية القلب السعودية ضمن حملة 55 قلبك بخير    سماء المنطقة العربية تشهد زخة قوية من الشهب هذه الليلة    كشف السلطة في محل الفول: قراءة من منظور فوكو    المهارات الوظيفية بين اليقظة والغفوة والسبات    وزراء دفاع الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا يبحثون اتفاقية "أوكوس"    مدرب الجزائر: محبطون للخروج من كأس العرب.. خسرنا بركلات الحظ    القادسية يختتم معسكره في الإمارات بالفوز على الظفرة    الاتحاد السعودي للتسلق والهايكنج ينفّذ فعالية هايكنج اليوم الدولي للجبال بالباحة    رئيس دولة إريتريا يصل إلى جدة    تصوير الحوادث ظاهرة سلبية ومخالفة تستوجب الغرامة 1000 ريال    تحت شعار "جدة تقرأ" هيئة الأدب والنشر والترجمة تُطلِق معرض جدة للكتاب 2025    الطائف تحتضن حدثًا يسرع الابتكار ويعزز بيئة ريادية تقنيه واعدة في CIT3    جلسة حوارية حول اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة نظمتها جمعية سنابل الخير والعطاء بعسير    إمام وخطيب المسجد النبوي: رحمة الله تسع العاصي والجاهل والمنكر    إمام الحرم: بعض أدوات التواصل الاجتماعي تُغرق في السطحيات وتُفسد الذوق    أمير منطقة جازان يشرّف الأمسية الشعرية للشاعر حسن أبوعَلة    محافظ جدة يطّلع على مبادرات جمعية "ابتسم"    نائب أمير الرياض يعزي أبناء علي بن عبدالرحمن البرغش في وفاة والدهم    روضة إكرام تختتم دورتها النسائية المتخصصة بالأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز    نائب أمير جازان يستقبل الدكتور الملا    أمير المدينة المنورة يستقبل تنفيذي حقوق الإنسان في منظمة التعاون الإسلامي    مستشفى الملك فهد الجامعي يعزّز التأهيل السمعي للبالغين    «طبية الداخلية» تقيم ورشتي عمل حول الرعاية الصحية    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    أسفرت عن استشهاد 386 فلسطينيًا.. 738 خرقاً لوقف النار من قوات الاحتلال    زواج يوسف    ترفض الإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي الجنوبي.. السعودية تكثف مساعيها لتهدئة حضرموت    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    دراسة تكشف دور «الحب» في الحماية من السمنة    ضمن المشاريع الإستراتيجية لتعزيز الجاهزية القتالية للقوات الملكية.. ولي العهد يرعى حفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ميديا» عصرية تواجه مأساتها الشخصية... والعالم
نشر في الحياة يوم 04 - 03 - 2012

إنها إطلالة جديدة ل «البطلة» التراجيدية ميديا، التي شغلت المسرح الاغريقي القديم وأرخت بظلالها على الأعمال الكلاسيكية (من سينيك الى بيار كورناي) ثم على النصوص الحديثة، وما أكثرها، بدءاً من نص الفرنسي جان أنوي الى نصّ الالمانية كريستا وولف. ولعلّ المونولوغ الذي صنعته الممثلة – والمخرجة للمرّة الأولى – كارول عبود، انطلاقاً من أسطورة ميديا وتجلّياتها المسرحية الحديثة، بدا أشبه ب «الكولاج» المونودرامي، الذي تتداخل فيه أزمنة عدّة وأمكنة ومواقف وأفكار ونصوص وحوارات... نصّ مونودرامي، جميل ومركّب (شارك في كتابته الناقد روي ديب)، شعري وتراجيديّ،( يتبدّل فيه «المخاطَب» الذي يتوجه الكلام إليه حيناً بعد آخر: جايسون والولدان المقتولان ...)، يتبادله صوتان، صوت الممثلة دانا مخايل التي تؤدّي دور «ميديا» على الخشبة وصوت الممثلة كارول عبود نفسها من وراء الخشبة. هذه اللعبة الثنائية في الأداء الصوتي منحت الممثلة الوحيدة ما يشبه الصدى الداخلي الذي بدت كأنها تضمره، لا سيّما في لحظات صمتها.
غدا النصّ المركّب إذاً على قدْر من القوّة، بخاصّة أنّه يتكئ على مقاطع من أعمال هاينر ميلر، وفرانكا رامي وداريوفو وأورسولا هاس وكريستا وولف وسواهم. وهؤلاء كتّاب طليعيون ،بعضهم ترك أثراً في الدراماتورجيا العالمية الحديثة، وقد نجح إعداد النص المونودرامي، في نسج المقاطع والفقرات المختارة عبر إيقاع من التداعيات المتتالية والمخاطبات والحوار الداخليّ، حتى بدا النصّ وكأنّه «مفرد بصيغة الجمع»... إلا أنّ قوّة النصّ جعلت منه عملاً على حدة، وكان من غير السهل متابعته كاملاً أو استيعابه، لكنّ المخرجة والممثلة نجحتا في تفجيره، درامياً وبصرياً أو سينوغرافياً. ولم يخلُ فعل الإخراج من روح التحدّي وكذلك فعل الأداء عبر مواجهتهما للنص وإخضاعه للعبة المسرحية.
المرأة المتعددة
لم تنس الممثلة دانا مخايل أنّها «ميديا» الاغريقيّة، المرأة التي خرجت عن طاعة والدها الملك و»خانت» بلادها وقتلت شقيقها فداء لحبّها المحموم المتمثل في شخص جايسون. ولم تنسَ الممثلة أيضاً أنها العاشقة التي غدر بها حبيبها منذ هجرها لحبّ آخر، فقرَّرت أن تعاقبه أقسى عقاب، قاتلة ولديها اللذين هما ولداه، جاعلة إياه يصطلي بنار العذاب والندم، ولم تتلكأ عن قتل غريمتها، داسة لها السمّ في فستان العرس... أصداء هذه الأحداث والوقائع تكمن كلّها في النصّ – المونولوغ، بل إنّ «ميديا» هنا تجاهر بأنها «مجرمة» وأنها «جحيم حلم» وأن قلبها «يبصق ناراً»... لكنّ النصّ المركّب يجمع بين «ميديا» القديمة، و»ميديا» أخرى عصرية، تواجه «إرهاب» القرن العشرين وتصف نفسها بأنها «مرآة للهاوية» التي تحملها في قلبها. تتعدّد وجوه «ميديا» هنا، لكنّ الروح واحدة، روح المرأة التي تنتقم لنفسها ولجراحها الشخصية وكرامتها وحرّيتها، هي المرمية في سجن حان وقت تدميره وليس الهروب منه فقط... ومثلما جسّدت الممثلة هذه المواقف والأحوال والمكابدات استطاعت السينوغرافيا البصرية الجميلة والصارخة أن تجسّدها أيضاً، عبر مشاهد عدّة: النفق الذي يغدو متاهة للجسد وظلّه، السجن بكتلته الحديدية، الظلال، مشهد الانفجار الذرّي... عطفاً على موسيقى الرصاص والأزيز والهدير... وهذه السينوغرافيا البصرية لم تبدُ فقط خلفية للعرض المونودرامي بقدر ما كانت جزءاً أساسياً فيه. لم تؤد السينوغرافيا هنا دور المكمّل أو المضيف، بل غدت زاوية من زوايا المثلث المسرحي إضافة الى الزاويتين الأخريين: النص والتمثيل. وفي إحدى مراحل العرض، عندما نسمع «ميديا» تتحدّث عن الأفق الذي تختفي في طياته «ذاكرة الساحل» وعن الطيور والبحر، يستحيل الكلام مشهداً بديعاً من خلال الطيور التي تحلّق فوق الشاطئ والبحر. هذا مشهد حركيّ أضفى على العرض بعداً غنائياً وحلمياً، على رغم جوّ الأسود – الأبيض الذي هيمن على الخشبة كلّها. وقد طغى البياض الذي هو بياض الموت، من خلال الطاولة البيضاء التي أوحت وكأنها مقبرة وعليها وشاح أبيض ليس سوى ثوب العرس الذي سممت «ميديا» به غريمتها.
أما الممثلة دانا مخايل التي أدّت شخصية «ميديا»، فبدت وكأنها «ميديا» في لحظات انحدارها الأخير. كأنها تعيش لحظات الوداع، لا المواجهة أو التحدّي والجنون. بدت كأنها تستعيد تلك الأيام السود في وقفة رثائية قبل أن تعلن موتها... هذه وجهة نظر خاصّة الى «ميديا» أو مقاربة شخصية لها. إنها «ميديا» المستسلمة لمأساتها الرهيبة، «ميديا» التي انتصرت مأساتها عليها... وكانت ربّما تنقصها الحدّة والقسوة، بخاصّة أن «ميديا» هي عاشقة مغدورة، وقاتلة تحمل على ظهرها جثة أخيها وعشيقة زوجها، هي أمّ مجرمة قتلت ولديها انتقاماً لنفسها ومن خيانة حبيبها إيّاها... كان ينقص «ميديا» القليل من العنف الداخلي أو ربّما الكثير منه، وهو العنف الذي يليق بشخصية غارقة في الحالة التراجيدية... لكنّ دانا مخايل، ممثلة قديرة حقاً وذات حضور طاغ، بعذوبتها الفائقة وأدائها التعبيري المتلوّن وتقنياتها الثرية التي أتاحت لها التنقل بمهارة من حالة الى أخرى.
اما كارول عبود التي تخوض هنا تجربتها الاخراجية الاولى فبدت متمكنة من هذه اللعبة هي التي طالما أجادت فن الاداء على الخشبة كممثلة قديرة وبارعة في تجسيد الادوار الصعبة والمعقدة، ولعلها واحدة من الممثلات الشابات النادرات اللواتي أسّسن جيلاً طليعياً جديداً بهمومه وقدراته الفنية الكبيرة. ولم تكن كارول المخرجة (وراء الخشبة) غريبة عن اللعبة المسرحية التي أجادت التقاط خيوطها بمتانة وبراعة، موظفة خبرتها الطويلة في المسرح ومراسها العميق.
* قدمت المسرحية في مسرح بابل وتقوم بجولة عربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.