تبدو سوق الاندماجات والاستحواذات في الشرق الأوسط في وضع جيد هذا العام على رغم الغياب الجزئي لعامل الاستقرار الأمني والسياسي في بعض دول المنطقة، لكن ذلك لن يقف عائقاً في وجه إبرام صفقات مرتقبة. وأجمع خبراء سألتهم «الحياة»، على أن قطاعات الطاقة والخدمات المالية والصحة والتعليم والاستهلاك ستكون محط أنظار لاعبين إقليميين خلال العام الحالي، غير أن الشركات الأجنبية ستبقى بعيدة من الساحة بسبب قلقها من الوضع القائم. وإذا كان عام 2011 شهد نشاطاً جيداً في مجال الاستحواذ والاندماج إذ زادت صفقاته 21 في المئة عما كانت عليه عام 2010، مرتفعة من 286 صفقة إلى 346، سيكون عام 2012 على موعد مع صفقات يتوقع أن تناهز قيمتها 25 بليون دولار، مقارنة ب31.85 بليون دولار تحققت في 2011. في هذا المجال، توقع المدير الإداري في قسم تمويل الشركات لدى «ديلويت الشرق الأوسط»، روبن باتيريس، أن يشهد نشاط الاندماج والاستحواذ في المنطقة تحسناً تدريجياً هذا العام. وقال ل «الحياة» عبر البريد الإلكتروني: «على رغم أن عام 2011 مثّل تحدياً لنشاط الاندماج والاستحواذ، بلغ عدد الصفقات المنجزة 346 صفقة مقارنة ب286 عام 2010. والعام الحالي ينتظر أن تشهد الأمور تحسناً تدريجياً، خصوصاً أن اللاعبين من قطر وأبو ظبي والسعودية الذين لا يعانون مشكلات في السيولة سيبحثون عن أصول ذات قيمة عالية على المستويين المحلي والعالمي». اهتمام محدود لكن باتيريس حذّر من أن رغبة الشركات الدولية في أصول الشرق الأوسط ستبقى محدودة في ظل الجو السياسي غير المستقر الذي يطغى على المنطقة وشمال أفريقيا. وفي حين لفت إلى أن معدل نشاط سوق الاندماج والاستحواذ خلال العامين الماضيين بلغ نحو 30 بليون دولار، رجّح أن تستحوذ قطاعات الصحة والتعليم والاستهلاك والمشروبات والأغذية على الاهتمام وذكر أن «هذه القطاعات أثبتت أنها لا تزال جذابة ليس بصفتها ملاذاً في ظروف عدم الاستقرار الاقتصادي بل أيضاً لأن الخدمات التي تقدمها ليست موزعة في شكل عادل في المنطقة وهذا ما يدعم الجهود للاستثمار في الشركات الجيدة التي تؤمّن هذه الخدمات بنوعية متميزة». وأضاف باتيريس: «القطاع المالي يبدو ناضجاً أمام عمليات من هذا النوع، كما أن قطاع النفط والغاز سيشهد نشاطاً ربما يكون جزء منه عابراً للحدود مع بحث بعض اللاعبين الذين تتوافر لديهم سيولة مرتفعة، خصوصاً في أبو ظبي وقطر عن فرص ذات قيمة مرتفعة في أسواق الطاقة، علماً أن قطر وأبو ظبي لديهما خطط طموحة في مجال الطاقة وبالتالي فإن أية صفقات ستجريها الشركات التابعة لهما لا بد أن تتماشى مع هذه الخطط». وزاد: «ربما يشهد قطاع البناء والتشييد في قطر صفقات اندماج واستحواذ مع توسيع هذه الدولة لبنيتها الأساسية وتطويرها في شكل مستمر». وفي رد على سؤال عما إذا كانت الشركات العاملة في المنطقة جاذبة لنشاط الاستحواذ والاندماج أجاب: «لا نزال نعتقد أن هناك فرصاً في عدد من القطاعات ومع استحقاق سندات وصكوك هذا العام بقيمة 25 بليون دولار فمن الممكن أن نرى جولات جديدة من طرح أصول للاكتتاب كجزء من عمليات إعادة تمويل». وأوضح أن الانطباع المأخوذ من الأسواق يفيد بأن عدداً من الشركات في قطاعات مختلفة مهتمة في إجراء تحالفات استراتيجية وشراكات، وهذا سيتيح لهم استكشاف خطوط إنتاج وأسواق جديدة في حين يعززون ممارسات شركائهم من دون التفريط بالتضحية في عمليات إدارة مصالحهم وأعمالهم». وأكد أن هذه العمليات يمكن أن تستهدف قطاعي الطاقة والصناعة مشيراً إلى أن القطاع المالي يتمتع بقدرة كامنة للتعزيز. توجهات أكثر فاعلية ورأى محلل نشاط الاستحواذ والاندماج في مؤسسة البحوث الاقتصادية والمالية في الشرق الأوسط «زاوية»، ميشال المعلولي، أن نشاط الاستحواذ والاندماج في الشرق الأوسط سيكون مترابطاً بالتوتر الجيوسياسي الذي يمكن أن يلعب دوراً أساسياً في رسم حال غير مستقرة لهذا القطاع. ولفت إلى أن تحوّل الشركات من نماذج الأعمال التي تبغي الربحية فقط إلى توجهات أكثر فاعلية وخفضاً للنفقات ربما ستؤدي أيضاً إلى تراجع في عمليات الاندماج والاستحواذ المرتقبة هذا العام. وقال ل «الحياة» عبر الهاتف: «إذا كانت الشركات حريصة على كل دولار تنفقه في فترات الركود والأزمات، فهذه الأوقات هي أيضاً مناسبة لظهور فرص يستفيد منها اللاعبون في هذه السوق، وبناء عليه فإن الشركات التي لا تمانع في تحمّل الأخطار السياسية والديون السيادية والاقتصادية على المستويين الكلي والجزئي ستعزز نمط الاندماج والاستحواذ في عام 2012 على رغم المناخ الخطر الذي يلف المنطقة». ولم يستبعد المعلولي أن يظهر المستثمرون الإقليميون شهية لصفقات في الأسواق الدولية، خصوصاً الناشئة منها في المقابل توقع أن يبقى المستثمرون الدوليون مترددين في عقد صفقات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب الأخطار الاقتصادية والسياسية القائمة وفي ظل صعوبة ظروف التمويل. واستدل على ذلك بالقول: «كان هذا واضحاً العام الماضي إذ عقد مستثمرون من الشرق الأوسط 61 صفقة اندماج أو استحواذ بلغت قيمتها 17.65 بليون دولار تركز معظمها في قطاع النفط والغاز والطاقة، في المقابل أبرم المستثمرون الدوليون 39 صفقة اندماج واستحواذ في المنطقة بقيمة 2.37 بليون دولار». وشرح أن نشاط الاندماج والاستحواذ سيكون مترابطاً إلى حد بعيد بعوامل خاصة بالشركات إلى جانب المناخ السياسي والاقتصادي السائد ما سيمهّد الطريق إما إلى نشاط مزدهر في هذا القطاع وإما إلى تراجع كبير وقال: «ظروف التمويل الصعبة، وأنواع مختلفة من الأخطار إلى جانب نماذج العمل التي ستعتمدها الشركات، كلها عوامل ستلقي بظلالها على نشاط الاندماج والاستحواذ في عام 2012». وتابع: «ستتركز الصفقات في قطاعات النفط والغاز والخدمات المالية والعقار والرعاية الصحية، مع تركيز أكبر على أسواق دول مثل الإمارات والسعودية ومصر». وفي نظرة على التوزيع الجغرافي لعمليات الاندماج والاستحواذ التي أبرِمت العام الماضي، تصدرت السعودية قيمة الصفقات بنحو 3.35 بليون دولار في حين استحوذت الإمارات على أكبر عدد صفقات بإجمالي 54 صفقة. وعلى رغم كونها في عين العاصفة سجلت تونس أكبر معدل لصفقة واحدة عند 535 مليون دولار إذ عقدت أربع صفقات بإجمالي 2.14 بليون دولار. أما على الصعيد القطاعي، فشهد قطاع الخدمات المالية أكبر نشاط لصفقات الاندماج والاستحواذ وكانت حصته 22.87 في المئة من إجمالي الصفقات بقيمة إجمالية بلغت 5.01 بليون دولار، في حين كانت حصص قطاعات الصناعة والعقار والنفط عند 14.53 في المئة و10.83 في المئة و4.27 في المئة على التوالي.