ضمن مفهوم المعادلة السياسية من المهم دوماً أن تمتلك أوراق قوة في مواجهة خصمك تستطيع من خلالها أن تنتزع حقك، لأن الضعفاء غالباً ما يميلون إلى عجزهم لتبرير عدم قدرتهم على تحصيل المكاسب وانتزاع الحقوق. الحالة الفلسطينية تنطبق عليها هذه المعادلة بالضبط. فحين تكون قوياً موحداً لديك أوراق قوة تتحرك عجلة الحقوق تجاهك، والعكس صحيح. صحيح أن «بنك» أوراق القوة الفلسطيني مليء لا ينفد من حيث الحق التاريخي وصمود الشعب ومقاومته وتحديه لكل آلة الحرب الإسرائيلية، لكن هذه الأوراق تضعف في حال تسربت إلينا عوامل التعرية السياسية من غياب الرؤية الاستراتيجية وانقسام وتعارض البرامج وتناحر على مسميات وظيفية. نبدأ بحماس، فالحركة امتلكت الكثير من أوراق القوة، فهناك ورقة شعبيتها الواسعة التي حصدتها في الانتخابات التشريعية، وهناك ورقة قوتها العسكرية التي ترجمتها في مقاومتها للاحتلال وإلحاق الضرر به، ثم كانت لديها ورقة الجندي شاليط والتي نجحت في استثمارها بإطلاق سراح أكثر من ألف أسير، كما استثمرت حماس جيداً ورقة «الحصار» والتي استدعت من خلالها تعاطف دول وقوى ومؤسسات لتقديم العون السياسي والمالي لقطاع غزة. ورقة القوة الشعبية تأثرت سلباً بالانقسام وتداعياته وبمدى قدرة الحركة على توفير متطلبات الحياة اليومية من خلال العمل الحكومي، أما ورقة الجندي شاليط فقد خرجت من يدها بعد صفقة «وفاء الأحرار» على رغم أنها رفعت من شعبية الحركة، وورقة الحصار ضعف تأثيرها بعد فتح معبر رفح، أما ورقة المقاومة فباتت مقيدة بعد أن وجدت حماس أن من المصلحة الوطنية الحفاظ على الهدوء في قطاع غزة ووضع موانع أمام العدوان الإسرائيلي. على رغم ذلك فإن حماس لديها الكثير من الأوراق التي يمكن أن تلعب بها في الملعب السياسي. الرئيس عباس، هو الآخر امتلك أوراق قوة تمثلت في علاقاته الدولية الواسعة والاعتراف به وبسلطته في مواجهة شرعية حماس، غير أن هذه الأوراق لم يتضح أثرها الإيجابي والفعلي على أرض الواقع من حيث تأزم المسار السياسي ووصوله إلى طريق مسدود. ورقة وقف المفاوضات كانت رابحة نسبياً ووقتياً، وكذلك ورقة الذهاب للأمم المتحدة ووضع الملف الفلسطيني بين يديها لكن تأثيرها خف بعد وضع العصي في دواليبها من قبل الولاياتالمتحدة. في شكل عام فإن كلا الفريقين امتلك أوراق قوة، بعضها ذهب وبعضها بقي بنسب معينة. مع الأسف فإن نقطة الضعف المشتركة لدى الفريقين أن أوراق قوتهما لم تجتمع لتشكل وحدة منسجمة. إن الورقة المشتركة التي شكلت لهما نقطة ضعف يمكن أن تشكل لهما الآن نقطة قوة، وهي ورقة الوحدة الوطنية الحقيقية، والتي وإن غابت لفترة طويلة إلا أنها تظل حاضرة في كل مكونات حياة الفلسطينيين. إن السلطة الفلسطينية - التي أمضت نحو 20 عاماً في التفاوض - لم تكن لتهدر كل هذا الوقت لو استثمرت أوراق القوة في الساحة الفلسطينية والإقليمية في شكل استراتيجي وعدم الاكتفاء بمنجزات تكتيكية محدودة، لكنها ذهبت بعيداً من دون رؤية استراتيجية بعيدة المدى ولا سند شعبي أو فصائلي ومن دون حليف استراتيجي في المنطقة. إن السلطة بحاجة إلى «هزة سياسية» توقظها من غفوة طالت وتفتح عيونها على واقع جديد ومختلف. أيضاً فإن القوى السياسية الفلسطينية بحاجة إلى الخروج من دائرة الحسابات الصغيرة والخيارات الأحادية إلى الفهم الاستراتيجي الواسع الذي يتجاوز المفاهيم الانفعالية والمبسطة للواقع ومغريات الحكومة إلى متطلبات التحرير، ويغادر مربعات المناكفة والصراعات الهامشية إلى البحث عن توافقات وطنية أكثر عمقاً وجدية. غزة ليست هي حدود العالم على رغم أهميتها، لكن هناك واقعاً جديداً يتشكل على المستوى الإقليمي والدولي يجب أن نعرف جيداً كيف ندخل سوقه ونستفيد من التحولات الهائلة التي تحدث. حماس أيضاً يجب أن تفكر جيداً في تحصيل أوراق قوة إضافية، وهي كثيرة وموجودة، لكنها بحاجة لالتقاطها بملقاط سياسي... حماس تعاني من مشكلة الاعتراف بشرعيتها من قبل حكومات عربية ودولية وتعاني من وطأة حصار اقتصادي ترك آثاره على المدى القريب والبعيد وحملها فوق ما تطيق من حيث توفير متطلبات الحياة اليومية، على حساب العمل الاستراتيجي لمصلحة القضية الفلسطينية. الخريطة التي تتشكل في المنطقة في إطار الربيع العربي تملي علينا التفكير في «قلب» بوصلتنا باتجاه استراتيجية مختلفة عما عهدناه في السابق، فعلى سبيل المثال، تركيا تمثل قوة سياسية نافذة في المنطقة، والحكومات الديموقراطية (المتوقعة) في تونس وليبيا ومصر والمغرب ستشكل مستقبلاً سنداً قوياً يمكن أن نلقي ملف القضية في حجرها من دون أن نخشى من ابتزاز سياسي. السلطة في حاجة إلى قوة دعم شعبي، وحماس في حاجة إلى دعم حكومات ودول المنطقة للتعامل معها في شكل رسمي وليس من وراء أبواب مغلقة. واقترح تشكيل خلية تفكير وتخطيط استراتيجي من شخصيات سياسية وفكرية، فلسطينية وعربية، تقدح زناد فكرها وتقدم لنا عصارة بحثها في كيفية معالجة الصراع مع الاحتلال بطريقة أقوى وأجدى. أمامنا مشوار طويل وتحديات هائلة وعقبات كالجبال، وإذا لم نكن على مقدار عظمة القضية وخطورتها فلن نسير إلا في فراغ ودوائر صغيرة ومنجزات محدودة. ورقة المصالحة والوحدة الحقيقية القائمة على رؤية استراتيجية وعمل متكامل وجهد مستمر هي ورقة رابحة لا يمكن أن تخسر أبداً.