البيت الأبيض: ترمب سيلتقي الرئيس الصيني يوم الخميس المقبل    80 شركة ناشئة تتنافس في حلبة المستثمرين    أمين الشرقية يطلع على مشاريع إستثمارية بكورنيش الخبر    3 نوفمبر: انطلاق معرض البناء السعودي 2025    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    بيان عربي إسلامي: ضم الضفة انتهاك صارخ للقانون الدولي    نادي الرياض يوقف انتصارات الخلود    الرئيس التنفيذي ل «الأرصاد» : احترار آسيا يعادل ضعف المتوسط العالمي    أمانة الشرقية تنفذ تجربة فرضية لمواجهة الحالات المطرية    إغلاق 85 منشأة ومصادر 13.5 طنًا من الأغذية بالرياض    غدًا إنطلاق النسخة الثالثة من "مؤتمر جدة للصيدلة"    أمير القصيم يُكرّم مواطناً أبعد مركبة مشتعلة عن تجمع بشري بمركز القوارة    النفط يواصل مكاسبه ويرتفع بنحو 5%    إطلاق الهاتف الذكي HONOR X9d 5G المقاوم للكسر والمزود بالذكاء الاصطناعي من HONOR    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    رسميًا.. ليونيل ميسي يُمدد تعاقده مع إنتر ميامي    المملكة وعدد من الدول وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامية تدين مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروعَي قانونين يهدفان لفرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية المحتلة وعلى المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية غير القانونية    بدء أعمال صيانة وتأهيل طريق الملك سعود "القشلة" اليوم    الأسهم العالمية ترتفع وسط سلسلة أرباح معزَّزة بمكاسب قطاع الطاقة    منتدى الأفلام السعودي يعود ب"لقاء يغير المشهد"    غيابات الاتحاد في مواجهة الكلاسيكو    نائب مساعد وزير الداخلية للشؤون التقنية: الخدمات الجديدة بالأحوال المدنية تعزز التحول الرقمي    دوري يلو.. العلا يحسم القمة.. والفيصلي والطائي يسجلان الفوز الأول    وزارة التعليم تتجه لإعادة هيكلة إداراتها وتقسيمها إلى خمس مناطق تعليمية رئيسية    انطلاق ملتقى الصحة العالمي 2025 الأسبوع المقبل بالرياض    القبض على شخص أشعل النار في مركبة بالقصيم    التعاون الاسلامي يطالب بتعزيز التعاون للوصول لمستقبل مائي مستدام    بيع صقرين ب 163 ألف ريال في الليلة ال 11 لمزاد نادي الصقور السعودي    59.1% من سكان السعودية يمارسون النشاط البدني أسبوعيا    بروكسل تعد القاهرة بمساعدات بقيمة 4 مليارات يورو خلال أول قمة أوروبية – مصرية    لشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية ورئيسًا لهيئة كبار العلماء ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير    بعد غياب عامين .. جيسوس يقود النصر لرقم مميز    وزير الشؤون الإسلامية يشيد بالأمر الملكي بتعيين الشيخ صالح الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة    نائب أمير نجران يتسلم تقريرًا عن مشاريع الأمانة    تكليف العنزي مديراً للإعلام ومتحدثاً لوزارة الشؤون الإسلامية    "الإحالات الطبية" ينفذ خمسة آلاف إخلاء سنويًا ويُنقذ 30 ألف حياة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يرسم الابتسامة على وجه ثلاثينية بالحمل والولادة بعد عقم استمر 12 عاماً    بالونات مجهولة تثير مخاوف الأمريكيين    آل حلوّل والضليمي يزفون داؤود    رئيس وزراء مملكة إسواتيني يستقبل نائب وزير الخارجية    ولي العهد يهنئ ساناي تاكايتشي بانتخابها رئيسة لوزراء اليابان    السعودية إلى كأس العالم    برنامج ثقافي سعودي- فرنسي يمتد حتى 2030.. 50 مليون يورو لدعم مشروع «مركز بومبيدو»    «السمحانية».. جمال المكان وروح التاريخ    عرض مسرحية «المايسترو» مطلع نوفمبر    الجاسر مستشاراً لمهرجان الأفلام    أداة جديدة لتوليد صور الحالة ب «واتساب»    «التجارة»: 59% نمو سجلات الألعاب الإلكترونية    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ علي عبدالله الأحمد الجابر الصباح    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    أجريت إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. نجاح عملية عيب خلقي في القلب لطفلة فلسطينية    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    نادي الساحل يكرم حملة التطعيم    339 مبتعثا يدرسون الأمن السيبراني بأمريكا    التراث يحفّز الاستثمار ويقود ازدهار المتاحف    نائب أمير منطقة الرياض يرعى حفل جائزة الاستدامة المالية    أمير حائل يستعرض خطط وبرامج جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصة المصرية «الذكورية» سيدة المشهد
نشر في الحياة يوم 08 - 12 - 2011

يحيط كتاب «مختارات من القصص العربية الحديثة» الصادر بالانكليزية عن دار الساقي، بحاجات دارسي اللغة والأدب العربيين من تحليل نقدي عميق، وشرح للمفردات الكلاسيكية والعامية، وتوقف عند تاريخ الكاتب الأدبي. إحدى عشرة قصة من 1929 الى 1972 لكتّاب رجال أغلبهم مصريّون. يوضح المحرّران صبري حافظ وكاثرين كوبهام أن غياب الكاتبات وغلبة الأدباء المصريّين يعكسان وجه الأدب العربي في تلك الفترة، وأن جزءاً ثانياً تعتزم الدار إصداره سيكشف التوازن الجغرافي والجنسي الذي تحقّق في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. حافظ أستاذ الأدب المقارن في جامعة قطر، وكوبهام محاضرة في جامعة سان أندروز، سكوتلندا، في الدراسات الشرق أوسطية والعربية، ونجح كلاهما في تقديم كتاب ممتع ومفيد للقارئ والدارس معاً.
تصطدم القصّتان الأولى والأخيرة في محتواهما الاجتماعي وانحياز الكاتب الى الموروث أو هجائه. في «حديث القرية» لمحمود طاهر لاشين (مصر) خطان قصصيّان منفصلان، طبقي وذكوري - نسائي. يصدم ابن المدينة من سلبية الفلاحين إزاء نوعيّة حياتهم، وسيطرة رجل الدين على مسارها، ويحاضر في دور الإرادة في التقدّم وسط عجبهم ولا مبالاتهم. لا مكان في تكوينهم الذهني للمساءلة والفعل، وانقيادهم للدين والتقليد يكرّس الحتميّة والتكرار. تشغلهم قصة الإسكافي أكثر مما تهمّهم أفكار الزائر الفلسفية وحاجتهم الى التغيير. عيّنه موظف حكومي حاجباً خاصّاً لينام مع زوجته الجميلة، فاستخدمت هذه سلطتها المستجدّة لإضعافه.
تؤدي لا أخلاقية المرأة الى القتل والدمار في القصة التي كتبت في آخر عشرينات القرن العشرين، وتنعكس الرؤية بعد أربعين عاماً. يدين العراقي فؤاد التكرلي في «التنّور» ذكورية النظام الاجتماعي الراسخة التي تشوّش المنطق والحالات الفردية. يستخدم قاتل زوجة شقيقه الخطاب العربي الجاهز عن شرف الرجال، وبالتالي المجتمع، لتبرير جريمته، لكنه يشي بعلاقة حب محارم مع أخته غير الشقيقة خلال إعداده خطاب دفاعه المتعثّر. يؤكّد وجود خالته مع الضحيّة عدم ارتكابها الزنا، لكنه يعتمد التحريض السهل على المرأة، واستغلال جرائم الشرف التي تبرّئ الرجل آليّاً بلا تردّد. النهاية مفتوحة، لكن موقف الكاتب حازم في إدانة خيانة المرأة سلفاً.
يغلب الالتزام الاجتماعي الذي يكاد يكون نسائياً خالصاً على القصص، ويشذّ بعضها ليضيء مواقف فردية يسود فيها الخيار الفني. يهجس الكتّاب بوضع النساء وتواطؤهن ضد جنسهن، الى العصبية القبلية والفقر والجهل والدين. في «البشعة» لغالب هلسا من الأردن (1968) يتعارض النور والظلام، والفعل والقول في لغة غنائية، مشغولة، وفضاء من الخوف والجنائزية. يتّهم سعيد باغتصاب زينة التي أُكرِهت على الزواج من رجل كسيح طمعاً من ذويها بأملاكه. تطالب أسرتها بوضع لسانه في النار لتحرقه إذا كان مذنباً، أو تنزل عليه برداً وسلاماً إذا كان بريئاً! تدافع والدته عنه بشراسة، وتستغرب كيف يصدّق رجال عائلتها أن يهجر سعيد فراش «امرأة بيضاء سمينة يسيل لعاب من يراها (...) ليعاشر امرأة سمراء ممصوصة كعصا الفرن». لكنها تعلم أنه مذنب، وتراه سافلاً كوالده وإن قدّمت له مدّخرات عمرها ليهرب بزينة الى الجنوب «حيث الرجال ما زالوا رجالاً». على رغم قوتها وتفكيرها بحل لولدها المشلول بخوفه، تتبنى الخطاب الذكوري وتعيّر النساء بضعفهن وصغر عقولهن وحبهن للشر، ثم تتعاطف مع زينة وتشكو مهانة حياة النساء وشقاءها.
عالم القرية
«في القرية» لمحمود البدوي (مصر، 1936) تعتمد الثنائية التقليدية بين المرأة - الشر والرجل - الضحية. الراوي كاره صريح للمرأة الفاجرة التي تتسبّب بسقوط الرجل الروحي والجسدي وتبعده من الله ثم تدمّره. خطابها في الثلاثينات يسبق الثورة النسوية بثلاثة عقود، والبطلة الغجرية تبحث عن لذتها وترويها كالرجل قائلة إنها حرة وليست ملكاً لأحد. القصّة تتّفق مع «امرأة مسكينة» التي تلتها بعقدين ونصف العقد وإن كانت الأخيرة مرنة وبعيدة من المباشرة الفجة الظاهرة في عمل البدوي. بطلة «امرأة مسكينة» زوجة عملية تستبدل سلطة عائلة زوجها عليه بسلطتها. تبدأ القصة بهاجس الصورة وتنتهي بصورة فوتوغرافية لها في صحيفة تسجّل نجاحها في التسلّق المهني والاجتماعي. تستخدم أنوثتها للتأثير في الرجال، أصحاب القرار، وتعتمد الخيار الملائم لتقدمها المرتبط في ذهنها ببقاء أسرتها. يهمها بقاء زوجها في المستشفى أول الأمر بهدف شفائه وعودته الى إعالة الأسرة، ثم تطيل فترة علاجه لكي لا تخسر وظيفتها وإحساسها بالأهمية. توحي عدم الممانعة بعلاقة مع المدير حفاظاً على المكتسبات، وتصقل الأنا بلا هوادة فتكمل إخصاء زوجها، وتفضح وَهَن التظاهر بالتفاني من أجل الآخرين.
الانعطافة الفنية في «شمس صغيرة» تصعق القارئ بعبثيتها وسرعتها، ويزيد قتامها تعارضها مع الأحلام العذبة التي بدت في متناول اليد. يروي زكريا تامر (سورية، 1963) عودة أبو فهد الى منزله ليلاً بعدما شرب ثلاثة أكواب من العرق. يرى خروفاً أسود ويحمله على ظهره طمعاً بلحمه، لكن الحيوان يقول إنه في الواقع ابن ملك الجان وسيهبه سبع جرار من الذهب إذا أطلقه. يحلم بالثراء والحياة الحلوة مع زوجته الحامل، ويعجز عن الانتظار فيخرج ليعود بالخروف. يلتقي رجلاً مخموراً يظن أن أبو فهد يقصد بيت امرأة تخون زوجها معه. يتشاجران ويطعنه الرجل فيسقط محتضراً على الأرض وهو يرى الذهب يلمع كشمسٍ صغيرة. يكتب تامر نصاً مقتضباً محايداً لا عاطفة فيه عن خيانة الحواس وانهيار الأحلام التي يفصلها خط رفيع تراجيدي، الموت هنا، عن الأوهام الخطرة. يواكب غياب الوعي الجزئي بفعل الشرب ظهور صورٍ كاذبة، ويقترن المشهد الهزلي لمخمورين يتشاجران بصدمة القتل غير المتوقع لأحدهما.
الوالد والعائلة
لا كلمة زائدة هناك في «الخطوبة» لبهاء طاهر (مصر، 1968) ما عدا قوله إن الطفلة التي فتحت الباب له في الحادية عشرة. يقصد موظف مصرف بيت زميلة ليطلب يدها من والدها ويجده أكثر من جاهز. في مناخ من التهديد شبه الكافكاوي يتّهم الأب الخاطب بأنه أقام علاقة مع زوجة خاله أدّت الى طلاقهما ومحاولة الأخير الانتحار. يقول إن والده بدّد ثروة العائلة على متعته، وإن الشاب اتّهم بهدر الأموال في المصرف. يحاول رشوته بالتدخل لترقيته مقابل تخليه عن ليلى، فيخرج ثم يعود من دون أن يتّضح إذا كان مزاجه مهادناً أو مقاتلاً. نجهل إذا كانت معلومات الأب صحيحة أو لا، لكن الخاطب قوي الشخصيّة على رغم الشرك والعنف النفسي الذي يتعرض له، ويزيد قوته اعتراف الأب بأن ابنته ستتمسّك بزميلها إذا رفضه. يتخلّل الحوار البارع مشهد جميل أكثر جضوراً في الأدب الغربي حين يقطع الخاطب المبارزة الكلامية لينظر الى اللوحة ويلاحظ أن الجندول رسم خطأ في الريف وليس في المدينة.
العنوان قبيح في «بيت من لحم»، لكن القصة الجميلة ليوسف إدريس (مصر، 1971) على رغم اللغة المطرّزة، تستبطن أعماق أرملة وبناتها الثلاث إثر رحيل الزوج والأب. المرأة في الخامسة والثلاثين، وأكبر بناتها القبيحات في العشرين. ينتظرن العرسان عبثاً، ويدفعهن اليأس الى الطلب من الأم الزواج بالشاب الكفيف الذي واساهن وكان الرجل الوحيد الذي دخل المنزل. تفعل وتشعر الفتيات بأنه لهن جميعاً. يتناوبن على وضع خاتم الأم ويشاركنه الفراش صامتات. حين يكتشف اللعبة القاتمة يتواطأ معهن، ويعود الصمت الذي كرهنه ودفعهن أساساً الى القبول بأي رجل في حياتهن. «جرح مفتوح» لإدوار الخراط (مصر، 1969) تنهمك باللغة أيضاً وتنغلق على القارئ. هل المرأة أخت الراوي أم زوجته؟ إشارته الى «ثمرتيها الراسختين، لهما نداء آمر النبرة» يوحي حب المحارم، لكن ربما كان قول الأم إنها أخته يندرج في خطاب الأخوّة المزيف الذي يهدف الى كبح الغريزة الجنسية. اشتق الكاتب المسيحي اسم أجية من المفردة القبطية للعذراء، وفي قصته الغامضة إشارات الى الدين والأرض والتاريخ تضفي بعداً سياسياً عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.