شهدت السنوات الاخيرة ولادة مشاريع خاصة تهدف الى وضع حد لاحتكار وكالات الفضاء الحكومية حقل الرحلات الفضائية وفتح هذا المجال امام الرحلات السياحية التجارية، وتعززت هذه الانطلاقة بفضل جائزة X-prize التي تبلغ قيمتها عشرة ملايين دولار والمخصصة لمشروع خاص يتعلق بوسيلة تتيح غزو الفضاء مدنياً عبر تطوير ما يشبه "ناقلة عامة في الفضاء" في وقت تستعد فيه الولاياتالمتحدة لاحياء الذكرى السنوية لانطلاق اول طائرة في الجو اثقل من الهواء بقوة الدفع. ان ترويج السياحة الفضائية على علو يزيد عن 80 كيلومتراً يتطلب تطوير تقنية تعتمد على جهاز يتمتع بالفاعلية القصوى وانخفاض الكلفة كي يتسنى كسر اسعار بطاقات مثل هذه السياحة واخراجها من دائرة الاثرياء فقط، امثال دنيس تيتو اول سائح فضاء ومارك شولتوروث اللذين دفع كل منهما مبلغ 20 مليون دولار لقاء تحقيق حلم السياحة في الفضاء في العامين 2001 و2002. ويبدو اليوم ان مهندس الطيران الاميركي بروت روتان قادر على تحقيق رهان تطوير آلية فعالة ورخيصة الكلفة نسبياً لحساب شركة Scaled Composites التي انتجت في العام 1986 طائرة Voyager وهي اول طائرة قامت برحلة حول العالم من دون ان تتوقف ولو لمرة واحدة للتزود بالوقود. وكشفت الشركة المذكورة اخيراً عن مركبتها المصغرة المسماة Space Ship One التي تعتبر نموذجاً مصغراً مقارنة بالطائرة الأم التي اطلقت عليها تسمية "الفارس الابيض"، وتحمل هذه المركبة تحت بطنها لمساعدتها على الارتفاع الى علو 15 كيلومتراً على ان تبتعد عنها وتنفصل كي تتمكن المركبة من مواصلة جولتها حتى اقاصي الفضاء قبل ان تعود الى الارض. ويتعلق الامر هنا بمقطورة فضائية حقيقية قادرة على نقل ثلاثة ركاب بمن فيهم الطيار، وتبلغ كلفة انتاجها وتسيير اكثر من عشرين رحلة ما لا يزيد عن عشرين مليون دولار، وهو المبلغ الذي دفعه اول سائح فضاء في مقابل رحلة يتيمة. وتقتضي جائزة X-prize من الفائز تنفيذ ما لا يقل عن رحلتين خلال اسبوعين على متن كل منهما طاقم من ثلاثة اشخاص يحلق على ارتفاع 100 كيلومتر في هذه المركبة ويعود الى الارض بكل امان شرط ان يكون المشروع بتمويل خاص. وقد حددت آخر مهلة لتنفيذ الرحلتين بنهاية العام المقبل. وفي خضم السباق الذي تخوضه فرق من سبع دول يبدو مشروع روتان خطوة اولى صوب الفضاء الاوفر حظاً بالفوز، حيث يعتمد من الناحية التقنية على الطائرة الفضائية X-15 التي اختبرتها وكالة الفضاء الاميركية "ناسا" قبل اربعين عاماً وتحملها المقاتلة الجوية "بي 52" تحت جناحها حيث تقوم X-15 بتشغيل محركها الصاروخ لاختراق الجزء الاعلى من الغلاف الجوي بسرعة تفوق سرعة الصوت بأربعة الى ستة اضعاف، وذلك تبعاً للمسار المقذوف المكافئ، ثم تعود لتستقر على الارض، غير ان هذه الطائرة واجهت صعوبة حقيقية في عملية الفرملة لدى دخولها الجو، وقد تم تطوير هذه الطائرة بشكل يمكنها من العودة الى سرعة دون الصوت اي 1150 كيلومتراً / الساعة لتتلاءم مع الزوايا التي تقتضيها عمليات الهجوم الذي تصل احياناً الى 25 درجة. وادى الخلل الذي اصاب جهاز المراقبة والتحكم باستقرار الطائرة الى تحطمها على ارتفاع 2000 متر ومقتل الطيار في العام 1967، وشكل هذا الحادث نقطة النهاية للمشروع برمته في العام 1968. لقد عمد المهندس روتان الى الاستفادة من العناصر الجيدة فقط في تجربة X-15 تجنباً لأي فشل محتمل، لذلك نجد ان مركبته Space Ship One الصغيرة محمولة ايضاً بواسطة الطائرة "الفارس الابيض" وتحديداً تحت بطنها. وتجدر الاشارة هنا الى ان طائرة "الفارس الابيض" تتمتع بمحرك ثنائي وبجناحين يبلغ عرض الواحد منهما 25 متراً كي تتمكن من الصعود الى ارتفاع 15 كيلومتراً. ان تقنية الدخول في الفضاء جديدة كل الجدة فبدلاً من البحث عن زوايا مدروسة في الابحار الجوي تم تزويد Space Ship One بنظام فرملة هوائي حركي غاية في الفعالية، فعندما تصل الى قمة مسارها المكافئ وتبدأ بالهبوط تقوم العارضتان اللتان تحملان سطح الجناحين والجزء الخلفي منهما والقسم الافقي الثابت بتحريك كل هذه العناصر الى الاعلى لتلعب بذلك دور الفرامل الهوائية والساهر على تثبيت المركبة على مدارها في الوقت ذاته. وتعتبر هذه النقطة من اهم عناصر التجديد في هذا المشروع الذي عمد فيه الخبراء ايضاً الى جعل المركبة احادية الهيكل في حين صنعت حشوتها الداخلية من ألياف الكربون وصمغ خاص بالالتحام. اما الجزء الخارجي الاكثر تعرضاً للحرارة فتم صنعه من الياف الكربون وصمغ الفينول، وكل ذلك لمقاومة ارتفاع الحرارة والضغط الهوائي الحركي الناتج عن دخول المركبة في الفضاء. وتتيح الكوات او النوافذ التي يبلغ عددها 16 والمصممة للركاب مشاهدة المناظر الخارجية بوضوح، فقد تم صنعها من الكربونات المتعددة، اما الغرفة التي تتسع لراكب واحد فهي مكيفة الضغط ما يعفي الركاب من ارتداء بدلات خاصة كتلك التي يرتديها رواد الفضاء ويوفر لسائح الفضاء شروطاً من الراحة شبيهة بتلك التي يتمتع بها المسافر على متن رحلة عادية. وعلى صعيد التحكم بقيادة المركبة عمد المهندسون الى جعله ميكانيكياً مع نقل مباشر بين الطيار واجهزة الادارة باستثناء نظام دوزنة الدفة الخلفية الذي يعمل بواسطة النقل او التحويل الكهربائي، بمعنى آخر يتولى الطيار التحكم التام بكل اجزاء المركبة. وهناك نقطة تشابه اخرى بين المركبة الفضائية والطائرة المدنية تتمثل في سرعة الهبوط التي لا تتجاوز 70 عقدة اي ما يقارب 130 كيلومتراً في الساعة وهي السرعة التي تتمتع بها اية طائرة صغيرة