وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    26 % ارتفاع أعداد الركاب في المطارات لعام 2023    الصمعاني يشارك في قمة رؤساء المحاكم في دول G20    قمّة المنامة دعامة قوية للتكامل العربي والسلام الإقليمي    بمشاركة 11 دولة.. ورشة لتحسين نظم بيانات المرور على الطرق    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    5 استخدامات ذكية ومدهشة يمكن أن تقدمها القهوة    النفط يرتفع.. و"برنت" عند 82.71 دولاراً للبرميل    بايدن سيستخدم "الفيتو" ضد مشروع قانون يلزمه بإرسال الأسلحة لإسرائيل    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    الاتحاد الأوروبي يوسع العقوبات على إيران    أمير القصيم: تطوير القدرات البشرية يحظى بعناية كبيرة من القيادة    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    سفيرة المملكة في واشنطن تلتقي الطلبة المشاركين في آيسف    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    الوجه الآخر لحرب غزة    المجون في دعم كيان صهيون    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل الجبلين.. والعدالة في مواجهة العين    رموز رياضة المدينة    إعفاءات.. جمركية بالأسوق الحرة    صحة نباتية    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    شرطة الرياض تقبض على مروجي حملات حج وهمية    الهواء داخل السيارة يحتوي مواد كيماوية ضارة    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    وزير العدل يبحث مع رئيس المحكمة العليا في أستراليا سُبل تعزيز التعاون    الملك سلمان: خدمة الحرمين ورعاية قاصديهما من أولويات المملكة    بلادنا وتحسين إنتاجية الحبوب والفواكه    أمير تبوك يثمّن إهداء البروفيسور العطوي جامعة تبوك مكتبته الخاصة    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    طموحنا عنان السماء    الأمن والاستقرار    ترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة.. أمير تبوك يؤكد اهتمام القيادة براحة ضيوف الرحمن    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أربع وعشرون ساعة فقط" رواية عن تصدع بنية المجتمع المصري . همه اليوم إسعاد القارئ ولا يقبل تصدير الأحلام الزائفة يوسف القعيد : على أي جمهور أراهن وكل شيء مهدد بالتهاوي ؟
نشر في الحياة يوم 05 - 07 - 1999

في السنوات الأخيرة راح يوسف القعيد يتساءل عن جدوى الكتابة في ظلّ أزمة التواصل مع القرّاء... ثم جاء النجاح الذي حققته رواية "أربع وعشرون ساعة فقط" سلسلة "روايات الهلال" ليعيد الكاتب المصري إلى حماسته الأولى، حتّى انّه يفكّر اليوم في اعتزال الصحافة والتفرّغ للابداع. "هل هناك صحوة مفاجئة؟"، يسأل صاحب "يحدث في مصر الآن". "هل تعرف الكتابة نفسها حالة من الانتعاش والانبعاث"، على رغم الردّات والهزائم التي تحاصرنا؟ يؤكّد القعيد 55 عاماً أن كتابته ما تزال واقعيّة "فيها روائح كريهة وذباب وطوب"، لكنّه يرفض تصنيفه ككاتب أدب سياسي، معتبراً أنّها مرحلة في مسيرته تأثّر فيها بأدب اميركا اللاتينية، ولم يكن قد اكتشف الكتّاب الجدد في أوروبا.
يوسف القعيد من رموز جيل الستينات الذي غيّر مسار الحركة الأدبيّة. وهو أحد الأصوات الروائيّة المميّزة على الساحة المصريّة والعربيّة، فرض نفسه من خلال أعمال عدّة بينها "الحرب في بر مصر"، و"يحدث في مصر الآن"، و"شكاوى المصري الفصيح"...والأصداء الايجابيّة التي حققتها روايته الأخيرة الصادرة عن سلسلة "روايات الهلال" بعنوان "أربع وعشرون ساعة فقط"، جعلته يتأكّد من "أنه لا جدوى من أي كتابة أخرى خارج نطاق الابداع الأدبي". والأديب المصري يفكّر اليوم جديّاً بالهروب من الصحافة والتفرغ للأدب. ورواية "أربع وعشرون ساعة فقط" التي اختار عنوانها نجيب محفوظ هي عن زلزال هز القيم وضرب المبادئ وشوه منظومة الاحلام المصرية التي رسمتها أجيال سابقة وخانها الأبناء. فمن دون أن يتنكر الكاتب لانتماءاته المعروفة وولائه لثورة يوليو 1952 ولعبد الناصر، يكتب مرثية محزنة لهذا الزمان. وحول روايته الجديدة دار هذا الحوار:
كيف تفسّر الاستقبال الحار لروايتك؟
- كان لروايتي "يحدث في مصر الآن" ظروف نشر مختلفة، إذ طبعتها على نفقتي، واستقبلت بحفاوة. وذات يوم في طريق العودة الى بيتي، قابلني شخص في ميدان "باب الحديد" وقال لي إنه أطلق على طفلته الوليدة اسم بطلة الرواية "صدفة". الشيء نفسه حدث مع روايتي الجديدة "أربع وعشرون ساعة فقط"، إذ لا يمضي يوم إلا وتأتيني اتصالات ومراسلات من قراء شغلتهم الرواية. هذا لم يحدث مع روايتي السابقة "أطلال النهار" ولا مع روايات قبلها، حتّى اني كنت بدأت أسأل نفسي عن جدوى الاستمرار في الكتابة إذا كانت كتاباتي لا تصل الى الناس ولا تؤثر فيهم! فمشروعي القديم هو نفسه منذ دخلت معترك الأدب. دفع الناس إلى وعي ما يشوب واقعنا من أخطاء، لمحاولة تغييره نحو الافضل. وها هي روايتي الجديدة تصل إلى الناس، بعد أن كدت أقتنع أن القرّاء فئة انقرضت أو هي في طريقها إلى الانقراض. معرض القاهرة الدولي للكتاب يؤمّه سنوياً ملايين الزائرين، لكن الذين يتمهّلون أمام أجنحة الكتب لا يتجاوز عددهم بضع مئات، ومن بين هذه المئات عشرات فقط يشترون الكتب، ومن بين هؤلاء العشرات لا يقرأ الكتب سوى أفراد قلائل. هذا هو إحساسي في الفترة الاخيرة، بل أشعر ان زملاءنا لا يقرأون، وبأن آراءهم اقرب إلى ا لمجاملات الاجتماعية. لكنني أعيد النظر في موقفي.
فهل هناك صحوة مفاجئة، أو عودة إلى القراءة؟ هل تعرف الكتابة نفسها حالة من الانتعاش والانبعاث؟ في الفترة الماضية صدرت روايات لإبراهيم أصلان وخيري شلبي ومحمد البساطي... وقد قرأت مخطوطات كثيرة، تشهد على حالة فوران حقيقي في كتابة الرواية في العالم العربي، وآخر ما اطّلعت عليه رواية حسن داوود الجديدة. يعتبر بعض علماء الاجتماع أن الرواية لا تزدهر إلا في فترات الاستقرار الاجتماعي، وأن فترات التوتر الاجتماعي تشهد بروز كتابات أخرى مثل الشعر والمقال، لكن هذه المقولة لا تنطبق اليوم على واقعنا: إننا نعيش حالة غليان اجتماعي وردّات وهزائم، ومع ذلك فالرواية مزدهرة... علي الراعي أعلن منذ 15 سنة أن الرواية ديوان العرب، وأننا نعيش عصر الرواية. لكن العام الحالي يشهد حالة فريدة من الانتاج والزخم. وبعد جيل الستينات الذي أنتمي إليه، برزت أسماء متميّزة في الكتابة الروائية.
أعلنت مرة أن جيل الستينات يعيش مأزقاً، وأن كتابه يشعرون بأنّهم غير مرغوب فيهم. هل غيّرت رأيك الآن؟
- أعتبر مأزقي من الثوابت، ما دامت لم تحدث نقلة نوعية، حاسمة، تنهيه. ولكن هناك متغيرات تفرض نفسها أحياناً. لا أريد أن أكون متشائماً أبدياً، لكن نجاح الرواية الجديدة أدخلني حالة ايجابيّة من دون أن يغيّر موقفي في العمق. راهنت طوال عمري على القراء، حتّى اتهمني زملائي بالدونية، فمعظم المثقفين عندنا ينطلق من احساس بالتعالي على الجماهير. في نهاية قرن شهد انهيار الايديولوجيات هل سيتمكن الناس من مواصلة الحلم؟ هل هناك من سيراهن على الافكار والمبادئ بعد اليوم، أم ان المصلحة ستصبح المحرّك الوحيد للجماعات والأفراد؟ وهنا سألت نفسي: هل استطيع الحياة من دون كتابة؟ وكان الجواب بالنفي. ولكن سأكتب لمن؟ هذا هو المأزق الحقيقي، وأنا أحوج ما أكون إلى تفاعل القرّاء وتجاوبهم بشتّى الأشكال. لو لم يكن القارئ موجوداً لتوجّب علينا أن نخترعه!
هل هذا ممكن؟
- لا أعرف. عندما أذهب لمقابلة محمد حسنين هيكل، وهو في الخامسة والسبعين، أجده متفائلاً ابدياً. لديه إيمان حقيقي بالناس لا يتزعزع لحظة، وسور الصين العظيم لديه هو الناس. وعندما قرأ روايتي قال لي: "قد تخرجك من مأزقك". لكن هيكل ليس القاعدة: على أي جمهور أراهن وكل شيء مهدد بالتهاوي في أي لحظة؟
كيف اخترت عنوان الرواية؟
- كتبت "محروسة" وأرسلتها إلى جمال الغيطاني، لينشرها مسلسلة في "أخبار الادب". ولكن جمال ذكّرني، في ندوة الثلثاء مع الاستاذ نجيب محفوظ، بأن هناك مسرحية باسم "المحروسة" لسعد الدين وهبة. هنا قلت إنني وضعت 18 عنواناً قبل أن استقرّ على "محروسة"، منها: "كل الاشجار تثمر الحنظل"، "زلزال"، "الرحلة"، "رحلة المحروسة"... سألني محفوظ عن موضوعها، فقلت له باختصار شديد إنها حكاية امرأة تدعى "محروسة" تعيش وحيدة في القرية وأولادها جميعاً في القاهرة، عندما يقع الزلزال الذي ضرب القاهرة في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الاثنين 12 تشرين الاول اكتوبر 1992. تبدأ محروسة في رحلة للبحث عن أبنائها والاطمئنان إليهم، وتعود إلى قريتها بعد 24 ساعة. هنا اقترح الاستاذ نجيب أن يكون عنوانها "أربع وعشرون ساعة فقط"، فأذعنت.
متى كتبت هذه الرواية؟
- الكتابة الاولى للرواية كانت في اعقاب الزلزال نفسه، لكنني تركتها جانباً سنوات. أسأل نفسي دائماً، هل كانت رواية "يحدث في مصر الآن" ستعيش لو حذفنا منها زيارة نيكسون لمصر؟ وهل كان سيكتب ل "الحرب في برّ مصر" أن تبقى راهنة لولا تمحور أحداثها حول حرب أكتوبر؟ لا أريد أن اصبح الجبرتي، كلّ همّي أن يعيش أدبي او ان يعيش ما أكتبه بعيداً عن زخم الحدث الذي أكتب عنه. من هنا أحب ان تعيش "أربع وعشرون ساعة فقط" بعيداً عن الزلزال، ومن يقرأها بعد 100 سنة، لن يعني الزلزال بالنسبة إليه أكثر من سطر في الرواية. أود لروايتي ان تعيش بعيداً عن الزلزال، وقد تركتها جانباً فترة طويلة قبل اعادة كتابتها في صيغتها النهائيّة. حذفت منها كل الاشياء الآنية، حتى تعيش حياتها المستقلة عن الحدث نفسه. للطاهر وطار رواية اسمها "الزلزال"، ولمصطفى محمود مسرحية عنوانها "الزلزال"، ولكنها زلازل لم تحدث في الواقع.
هل ضيّق الإطار الزمني للرواية على تشكّل أحداثها؟
- بالعكس، كانت عندي رحابة تحليق. في الرواية ضميران : كلما كانت "محروسة" في مواجهة الآخرين تستخدم ضمير المتكلم، وكلما كانت وحدها تستخدم ضمير المخاطب. وهذا أربك بعض القرّاء. أما القيود الزمانيّة والمكانيّة فلم تضايقني أبداً، وقد لا تجد في الرواية أحداثاً متخيّلة لأن زخم الواقع كان فادحاً.
بعض النقاد اعتبر أن تجربتك الروائية تتوزّع على 3 محاور: روايات القرية الخضراء، الروايات الحمراء، روايات القلوب البيضاء. كيف تصنّف "أربع وعشرون ساعة فقط" في ضوء هذا التقسيم؟
- عبد الرزاق عيد قام بهذا التقسيم، وحذا حذوه فتحي أبو العينين وفيصل دراج... وقد أوردت تلك الرؤية التحليليّة على الغلاف الأخير للرواية، لكن الحيز الضيق حال دون الاشارة الى أسماء الباحثين والنقاد. أما الرواية الأخيرة فتنتمي إلى الفئات الثلاث معاً. لا تستطيع أن تعرف أين تنتهي القرية وأين تبدأ المدينة، فآليات العملية الإبداعية لا يسيطر عليه الكاتب. هذه الرواية إذا شئت الدقة تعود إلى المرحلة التي كتبت فيها "بلد المحبوب" و"القلوب البيضاء" و"وجع البعاد". هناك تهميش للهم السياسي، والهم الاجتماعي، لصالح المتعة الفنيّة. القصة تستمدّ شرعيتها من إمتاع القارئ.
لماذا همّشت الهم السياسي خلافاً لتجاربك السابقة؟
- اكتشفت في المرحلة الحالية من حياتي أنني لم أعد أقرأ نصاً إلا إذا كان يمتّعني. في الإبداع لا تستطيع أن تقرأ إلا ما يعجبك، وبالتالي فأنا مطالب بأعادة الاعتبار إلى المتعة الفنية، متعة الحواس والخيال والمشاعر. يرى بعض النقاد والدارسين أنني أكتب أدباً سياسياً مباشراًَ، لكنّهم يتحدثون عن مرحلة في مسيرتي تأثّرت فيها بأدب اميركا اللاتينية، ولم اكن قد اكتشفت كتّاب أوروبا الجدد الذين يجعلونك تحب القراءة. طبعاً لن أكتب رواية جنسية، ولن أفتعل أسلوباً منمقاً على طريقة المنفلوطي، لكنّ همّي اليوم إسعاد القارئ وتشويقه وامتاعه.
لا أبحث عن رموز
تبدو محروسة في الرواية رمزاً لمصر، وزوجها الراحل نجم الدين النجومي الذي أضاع أولاده وأحلامه يرمز لعبد الناصر... أليست الرمزيّة جزءاً من الهم السياسي الذي تسعى إلى تجاوزه؟
- قال لي خيري شلبي إن اسم "محروسة" رمز فج، وأنه مثل "خضرة" في الخمسينات التي كانت تعتبر مصر. وها أنت ترى في نجم الدين النجومي ظلاً لعبد الناصر، لكنني لم أقصد مثل هذا الترميز، بصورة واعية على الأقل. في روايتي "خد الجميل" أربع شخصيات عسكريّة، اعتبرت قارئة انّها ترمز إلى محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك! وأنا بطبيعة الحال لم أقصد هذا على الاطلاق... لا أبحث عن رموز في الكتابة، لكن أسماء الشخصيات تشغلني. محروسة أم مصرية، ليس إلا. حاولت مع هذه الشخصيّة تعويض قلّة اعتنائي حتى الآن بالنماذج النسائية. لم أرَ في طفولتي إلا رجالاً، وفي قريتي عالم يحكمه الرجال. كل النساء في اعمالي مشوهات، والمرأة في عالمي المرجعي مسحوقة أمام سطوة الرجال. أحببت أن أعطي المبادرة لامرأة فاعلة، ولو أن زوج محروسة على قيد الحياة لما استطاعت أن تفعل شيئاً. ولولا ظلّ غوركي لاخترت لروايتي عنوان "الأم".
لكنّ القارئ قد يتعامل مع شخصيتيك على أساس رمزي؟
- كل قارئ حر في أن يصل إلى ما يشاء، ولكنني لم اقصد هذه الرموز التي ليست تهمة بحد ذاتها. إذا كان الرمز مغلقاً يصبح مشكلة، واذا كان مفتوحاً على احتمالات عدّة يزيد النصّ غنىً على المستوى الجمالي والفني.
لماذا استغنيت عن قرية الروضة، مسقط رأسك الحاضر في الأعمال السابقة واستبدلت بها الضهرية؟ هل الضهرية قرية حقيقية؟
- كنت أريد أن تنطلق محروسة من قرية قريبة من القاهرة، حتى تستطيع أن تطوف على منازل سبعة من الأبناء ثم تعود في 24 ساعة. وهذه القرية اسمها الحقيقي "العمار"، كنت اذهب إليها مع عائلتي لشراء المشمش مرة في السنة: إنّها قرية لها إيقاع خاص. عانيت كثيراً من تسمية القرى بأسمائها، وما زال هناك في القضاء دعوى مرفوعة ضدي بسبب رواية "وجع البعاد"، لذا غيرت الأسم. ولكن هناك قرى عدة باسم الروضة في مصر.
الصحافة أكل عيش !
روايتك الجديدة متشائمة، مفعمة بالخيبات والاحلام المنهارة. هل هو رد فعل على الزلزال أم انها فجيعة شخصية؟
- بعد أن قرأ هيكل روايتي قال إنها رحلة إلى الجحيم، وقالت السيدة عقيلته إنها لا تحب الأدب الذي يخلو من الأمل.
ليست الرواية خالية من الأمل، فقد عادت محروسة الى القرية بزوجة ابنها الحامل وبإثنين من أحفادها...
- هذا هو رأي هيكل أيضاً. أما أنا، فلا أستطيع أن أكون متفائلاً، لا على المستوى الشخصي، ولا على المستوى العام. وفي الفن، عندما تكذب تفلت منك اللعبة. الصدق مهم جداً في الكتابة، ولا توجد كتابة من دون صدق. قال نجيب محفوظ مرة إنه عندما يكتب أدباً لا يعبأ بشيء. المهم أن يقطر الصدق في كل كلمة تكتبها...
تقصد في الرواية؟ أو الكتابة بشكل عام؟
- أعتقد أنني لن أحاسَب إلا على ما أكتبه أدباً. أما الصحافة فهي أكل عيش. ليس معنى ذلك أنني أظهر في الصحافة بوجه آخر أو أتناقض مع نفسي، ولكنني في الكتابة الأدبية أعيش مشروع عمري. أعرف أن واقعنا المصري والعربي ليس فيه ما يبهج وما يدفع الى الأمل، وسأكون كاذباً إذا حولت روايتي مصنعاً لتصدير الاحلام الزائفة. من حقي أن أثير القارئ لكي يحلم، ولكن أي حلم؟ القصور المبنية على الرمال سرعان ما تنهار في العاصفة، ولا بدّ للحلم أن يكون متجذّراً في أرض الواقع.
ألا تعتقد أن الكتابة هي الأمل؟
- قد يكون الأمل موجوداً، ولكنه أمل أتى بعد ضياع طويل أفسد حتّى الرجاء. على المستوى الشخصي لا توجد عندي فجيعة، الفجيعة هي على المستوى العام. وبودّي أن أتفرغ للأدب، أن يعترف المجتمع بقيمتي وأهميتي كأديب، لا أن أحظى بالاهتمام لأنني أتبوّأ مكانة اعلامية. أما الغنى والفقر فلا يهمّني من أمرهما الكثير، ولا أعيش حالة حرمان. مع العلم أن دور المثقفين شبه معدوم في المجتمع اليوم، بمن فيهم نجيب محفوظ نفسه.
كنت تردد دائماً قول هيمنغواي: "إن الصحافة ملائمة للروائي ولكن عليه أن يعرف كيف يتركها في الوقت المناسب"...
- بعد أن تجاوزت الخمسين، أرتب أوراقي جدياً لكي أتقاعد عن الصحافة وأتفرغ للأدب. بعد الخمسين تبدأ رحلة العودة، وهي بدأت فعلاً بالنسبة إلي، إذ أشعر أن الوقت المتبقي بات قليلاً، ومشاريعي الأدبية كثيرة. الكتابة هي التي تبقى، وصدى الرواية الأخيرة أثبت لي أنه لا جدوى من أي كتابة خارج إطار الأدب.
هل يقترب أسلوبك من الواقعيّة الاشتراكيّة في الرواية الأخيرة؟
- أنا أكتب كتابة شديدة الواقعية، واقعية صادمة، قذرة، فيها روائح كريهة وذباب وطوب. أما نهاية الرواية فنتيجة تطور طبيعي: لو لم أُعد محروسة الى بلدتها ثانية، لشعرت بأنني أخونها، ولو أعدتها بمفردها، لشعرت بأنني أقتلها. أحببت بعد كل الطعنات التي تلقتها، وكل الانكسارات التي عرفتها، ان تعود وفي يدها شيء. لكنني بعيد عن الواقعية الاشتراكية، وإلا لما جعلت الأم تقابل أي انحراف أو ضياع، من خلال شخصيات لها حقّها الكامل في الوجود بلا حكم اخلاقي، ولخرجت بنماذج ايجابيّة مضيئة.
ما سرّ العلاقة الصداميّة بينك وبين النقد؟
- أنا أكثر ابناء جيل الستينات خلافاً مع النقاد. ومشكلتي انني حسبت على التيار اليساري، فرفض قطاع كامل من النقاد - سواء اليمينيون أو الليبراليون أو المعتدلون - أعمالي. ولكنني لم أهادن: تجد في رواياتي الأولى تعريضاً بهؤلاء النقاد. فأنا لم أسعَ يوماً إلى إقامة علاقات حسنة مع النقد. اذا قرأت "شكاوى المصري الفصيح" تجدني أهجو ناقداً. وقد اكتشفت متأخراً جداً ان هذه العلاقة الصدامية جعلت أشياء كثيرة تفلت من بين يدي. لا ألوم نفسي، فهي خيارات آمنت بها، لكنني كنت أفضّل أن تجرى الأمور بشكل مختلف، فأنا أكتشف اليوم حجم العداء الذي يكنّّه لي الكثير من النقاد. إن أدبي لم يُقرأ جيداً حتى الآن، لكن ما حيلتي؟ ليست مهمتي أن اطوف بكتبي على النقاد والجامعات !
هل ما زال المشروع الإبداعي لجيل الستينات قائماً؟
- جيل الستينات هو الحقيقة الأساسية في المشهد الثقافي المصري، أقول هذا الكلام مع علمي أنّه قد يغضب البعض. وحدهم كتاب الستينات يمكن أن تنطبق عليهم كلمة "جيل"، إذ يصعب تمييز تجارب السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات، وتصنيفها. لا يكفي عقد من الزمن لانجاب جيل، ولولا حزيران يونيو 1967، لما كان جيل الستينات. لقد خرجنا من معطف الهزيمة، ولولا تلك الكارثة القومية لما وجدنا. لقد "صفتنا" وجعلت لنا قضية وطعماً ومذاقاً ولوناً. حتى ان "نصر أكتوبر" لم يخرجنا من "نكسة يونيو" المستمرّة في داخلنا إلى الآن.
هل ساهمت السينما في ترويج أدبك؟
- علاقتي بالسينما ليست جيدة، بل قل هي غير ناجحة. "المواطن مصري" لصلاح ابو سيف لم ينجح، وكذلك "زيارة السيد الرئىس" لمنير راضي. أقصد النجاح الجماهيري طبعاً. وأدبي مليء بالمحاذير التي تمر في الكتابة الإبداعية، ولكنها لا تمر على الرقابة السينمائية. وعدم نجاح الفيلمين جماهيرياً يجعل المنتجين يحجمون عن انتاج أفلام جديدة مأخوذة عن أعمالي، مع العلم أن ما يحقق اقبال الجمهور هو اسم النجم لا اسم المؤلّف! لكن نقل رواية لي إلى الشاشة ينطوي على أشياء ايجابيّة. خذ مثلاً أهل قريتي: كثيرون بينهم لا يقرأون، لكنّهم شاهدوا فيلمي أبو سيف ومنير راضي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.