كانوا يقولون قديماً "الضحك خير علاج"، واليوم نكتفي بالبسمة، غير انهم اصبحوا يقولون "الانسان الذي يبتسم لا يعرف حجم المشكلة". المشكلة في العمل هي العمل نفسه، وقد اكتشف الاميركيون اخيراً ان الضحك يحسن اداء الموظفين، لذلك فهم ادرجوا مادة الضحك في برامج ادارة الاعمال في الجامعات، وثمة شركات كثيرة توظف كوميديين لاشاعة جو من المرح قبل سنوات اكتشفت الشركات الاميركية ان الموسيقى الكلاسيكية تريح اعصاب الموظفين وتهدئهم، فانتقلوا الى الموسيقى الصاخبة السريعة لتزيد وتيرة الانتاج. المهم ان شركات بريطانية واوروبية اخرى بدأت تقلد الشركات الاميركية في استخدام الكوميديين، وقرأت ان شركة الخطوط الجوية البريطانية الكبرى تضم كوميدياً مقيماً هو تي. آر. فاستنغز. ويبدو ان مجلة هذه الشركة التي نقرأها في الطائرات لا تعرف عن الكوميدي هذا، فهناك تحقيق طويل في عدد هذا الشهر لا يذكره البتة، مع انه يتحدث عن "نوادي ضحك" انشأها طبيب هندي واصبحت تضم 25 الف عضو في الهند وحدها، والرقم يبدو كبيراً الا انه ليس كذلك، ففي الهند 800 مليون نسمة، ونسبة مماثلة في لبنان تعني ان نوادي الضحك تضم نصف عضو. الهنود يضحكون في جلسات خاصة على اساس ان عدوى الضحك تنتقل من عضو الى آخر. وفهمت ان الاعضاء لا يتبادلون آخر الطرف، وانما يبدأ واحد بالضحك ويتبعه ثان وثالث حتى "يفقع" الجميع ضحكاً. اجد صعباً علي ان اشارك في نوبة ضحك من هذا النوع، فقد تعلمنا ان الضحك بلا سبب من قلة الأدب. وكنت صغيراً اضحك فتوبخني جدتي، وتقول انه لا يجوز ان ارفع صوتي بالضحك، ثم تزيد "ربنا يكفينا شر هذا الضحك". والمنطق وراء الدعاء الاخير انه مقابل كل ضحك هناك بكاء، وهو منطق لو صح لكان هناك مقابل كل "نادي ضحك" في الهند "نادي بكاء"، فيضحك بعض نصف ساعة ويبكي بعض آخر نصف ساعة مقابلة. شخصياً، افضل طرفة تحرك اسباب الضحك، بدل القهقهة "قه، قه"، كالنحويين من دون سبب. وقد جعلت رئيسي في العمل يضحك يوماً. لم اروِ له نكتة وانما طلبت زيادة مرتبي. قال لي صديق ان سكرتيرته تضحك مثل دجاجة. وسألته لماذا لا يطردها، فقال: لانني احتاج الى البيض… لا اعتقد ان ما سبق جعل القارئ يضحك، او يبتسم، ومع ذلك انصحه ان يضحك طالما ان الكل يضحك عليه. كيف يمكن لانسان ان يضحك وسط جو العمل؟ هو اذا ضحك في العمل، فقد يموت من الفرح في الاجازة، ومع ذلك فالاميركيون يقولون ان الضحك ممكن ومفيد، وبما انهم متقدمون عنا، عملاً ولهواً، سنوات ضوئية فلن اعارضهم. ما اعرف في العمل هو المضحك المبكي، مثل صاحب العمل الذي قال انه خسر الشهر الماضي مئة الف دولار، وخسر الشهر السابق له مئتي الف دولار. وقيل له لماذا لا يغلق تجارته، فقال: كيف اعيش من دون عمل. بعض انواع العمل يحمل اسباب الترفيه معه، مثل الرقص والغناء والعمل في قطاع السياحة الخارجية، وما الى ذلك. غير ان بعض انواع العمل ممل الى درجة القتل، مثل شد برغي في نصف سيارة على شريط متحرك ثماني ساعات في اليوم. والشركات الكبرى استعاضت بالآلة عن الانسان لأداء مثل هذا العمل الممل. ومع ذلك اعرف رجلاً اعطي عملاً وجدته الآلة مملاً. وهو يظل افضل حظاً من رجل وجد عملاً في جمع القمامة، مقابل مئة جنيه في الشهر، وكل ما يستطيع اكله. اذا عمل الواحد منا بجد، ومن دون ضحك، فهو سيترقى في عمله، وربما اصبح المدير، فيعمل بدل ثماني ساعات 12 ساعة اثقل منها المسؤولية الاضافية، ويفقد اسباب الضحك نهائياً. افضل من هذا صديق قال لي انه يزور شركته في القاهرة بانتظام. وقلت له ان شركته في بيروت، فقال: اعرف، ولكنها تبدو من القاهرة افضل حالاً