وجدت في الأسابيع الأخيرة ان اضحاك الناس في الغرب صناعة جدية جداً، ورائجة. وبدأ الأمر بعد أن قرأت عرضاً لكتاب جديد بعنوان "أيام السخرية" من تأليف همفري كاربنتر. وفكرت في شراء الكتاب، إلا أنني وجدت عرضاً ثانياً وثالثاً فاكتفيت بها؟ الكتاب يتحدث عن الاتجاه نحو السخرية من السياسة والمجتمع في الستينات، وما رافق ذلك من خروج على الممنوعات السابقة التي كانت مفروضة على الكوميديين، فدليل البرامج المنوعة في هيئة الاذاعة البريطانية نص على ضرورة تجنب مواضيع مثل المراحيض والرجال المخنثين والاباحة من أي نوع، وورق التوت، والدعارة، والملابس الداخلية للنساء، وعادات الحيوان. وجاءت الستينات ومعها مجموعة من البرامج الساخرة التي قلبت المقاييس القديمة رأساً على عقب. وفي حين أن القارئ قد لا يعرف هذه البرامج الانكليزية الخالصة، فقد بقي حتى الآن من تلك الحقبة مجلة "برايفت آي" التي لا تزال لاذعة في الانتقاد. وبما أنني وفرت على نفسي شراء الكتاب، مكتفياً بقراءة العروض عنه في الصحف، فقد ضعفت أمام كتاب آخر هو "غراوتشو: حياة جوليوس هنري ماركس وزمنه" من تأليف ستيفان كانتر. الكتاب عن الكوميدي المعروف غراوتشو ماركس، واشتريت الكتاب أملاً بأن أقرأ بعض طرف هذا الكوميدي الذكي، إلا أنني وجدت نفسي أمام دراسة في منتهى الجد لعمل غراوتشو وحياته. ولم استفد شيئاً سوى أن أعرف انه أصغر سناً من اخويه تشيكو وهاربو، مع ان شهرته جعلتني اعتقد أنه أكبر الاخوة، وأنه كان ثوروياً قال مرة "مهما يكن الأمر، أنا ضده". غراوتشو كان يهودياً واجه لا سامية كثيرة في الثلاثينات والأربعينات، وهناك قصص عن هذا الموضوع، فهو ارسل الى ناد رفض قبول ابنته انها مستعدة للسباحة حتى ركبتيها فقط. وعندما قبله عضواً نادٍ كان رفضه في السابق بسبب يهوديته، رفض الانضمام قائلاً انه يرفض أن يكون عضواً في نادٍ يقبل أمثاله أعضاء. كان هناك كتاب آخر لم يبد من عنوانه ان موضوعه ساخر أو خفيف، فهو "الرجولة في أزمة" من تأليف انطوني كلير. غير أن ما لفتني في موضوع هذا الكتاب ان كلاً من عرضين له ازدان بصورة ساخرة، فواحدة عن شبان انزلوا البنطلونات عن سيقانهم، كأنهم يريدون أن يعودوا الى الكهف، والأخرى من الفيلم "مونتي الكامل" عن رجال فقدوا عملهم ويتحولون الى الرقص والتعرية. ويبدو أن المقصود هو أن الرجل العصري الذي يواجه أزمة رجولة يحاول التنفيس بالسخرية من نفسه. هذا النوع من السخرية ليس مضحكاً بقدر ما هو موقف من المجتمع، وكنت بعد الكتب السابقة ازددت اهتماماً بالموضوع فقرأت مقابلة مع الكوميدي ريتش هول الذي ابتكر شخصية اوتيس لي كرينشو، وهذا خريج سجون طرفه تكاد تكون هجوماً على المجتمع حوله، ومع ذلك فقد فاز بجائزة بيرييه للكوميديا هذه السنة. وكان أغرب ما سبق مقابلة مع الكوميدي فيك ريفز الذي يعتبر مع شريكه بوب مورتيمر أشهر كوميديين في التلفزيون البريطاني هذه الأيام. مع ذلك قرأت صفحة كاملة عنه خلت من عبارة واحدة تبعث بسمة ناهيك عن ضحكة، إلا اذا عاملناه على طريقة شر البلية ما يضحك، فزوجته سارة تركته وعاشرت بناء شاباً، ثم عادت اليه، لتهجره من جديد، وتقيم مع امرأة هذه المرة. وهو لا يزال يقول انها أفضل أصدقائه. ووجدت بعد ذلك ان مجلة احدى الصحف البريطانية خصصت بضع صفحات لكريستوفر هوتري، وهذا ليس كوميدياً وانما محترف صنع مقالب. وهو تحدث عن "انجازاته" وزاد بعض ما طلع به غيره. وكان بين أطرف المقالب اختراع اثنين من مديري الفرق الفنية فرقة وهمية اسمها "سكوربيو" أخذت شركات الاسطوانات تتنافس على التعاقد معها. وأخيراً اعترف الرجلان بأن الفرقة غير موجودة، إلا أن مدير شركة اسطوانات لم يصدقهما وحاول رشوتهما بشيك لهما إذا اقنعا الفرقة بالتعاقد مع شركته. غير ان المقالب من عمل هواة، والكوميديا اليوم صناعة، فهناك ما يعرف باسم "مشغل كوميديا" حيث يجتمع كتاب الكوميديا لطرح أفكار، وترجمتها الى حوار يشترك فيه الجميع، فكأن النكتة تخرج في النهاية من فم لجنة. ولعل هذه أهم نقطة في الصناعة كلها، فالكوميديون يعتمدون على كتاب النكتة المحترفين، وأنجحهم بالتالي هو الذي يستطيع التعاقد مع أفضل الكتاب. عندما انتقدت ال بي بي سي لأن برنامجاً فيها أبدى تحيزاً كبيراً نحو أوروبا، اعتذرت زاعمة ان البرنامج كان ساخراً لا حقيقياً، غير أنه لم يصدق الاعتذار أحد. وتظل الكوميديا الأكثر شعبية في محطات التلفزيون الغربية، مع انها لم تعد انتقادية كما في الستينات، وانما هدفها اجتذاب أكبر عدد من المتفرجين، ليتبعهم المعلنون، بأي طريقة ممكنة. وفي هذا المجال، تظل البرامج الأميركية الانجح والأكثر رواجاً، غير أن هناك برامج انكليزية قليلة تجد لها جمهوراً على الجانب الآخر للمحيط الأطلسي لأن النكتة فيها ذكية ولجمهور مثقف، وهو ليس الجمهور التقليدي للتلفزيون. وكان موسيقي تعرض لنقد شديد قال ساخراً انه "بكى كل الطريق الى البنك" اشارة الى أنه ثري، أو أكثر ثراء من الناقدين. واليوم يضحك الكوميديون في الطريق الى البنك، مع ان الضحك في برامجهم قليل.