يقولون في اميركا ان 15 ثانية على التلفزيون تساوي نصف صفحات جريدة كبرى. واذا كان هذا صحيحاً في أميركا قبل 10 سنوات، فإنه يعني انه اصبح صحيحاً في اوروبا اليوم، وفي بلادنا بعد 10 سنوات. لعل اول مؤشر على اهمية التلفزيون كانت في المناظرات المشهورة بين جون كنيدي وريتشارد نيكسون التي ضمنت الفوز بالرئاسة للاول. ولعل آخر مثل على أهميتها كان فوز "الولد الذهبي" غيرهارد شرودر على موحّد المانيا هلموت كول، او المستشار الذي اعطى شعب بلاده سنوات من الرخاء الاقتصادي، انتهت بإعادة توحيد البلاد. ومع ذلك فاز شرودر ببسمته الحاضرة ووسامته على المستشار العجوز المترهل، الذي يشبه دباً قطبياً، كما فاز كنيدي بوسامته وبسمته الجذابة على نيكسون، فلم تشفع لهذا ثماني سنوات من الخبرة كنائب دوايت ايزنهاور، والناخبون يرون أنفه الطويل المسنون كسكين، مع اختفاء البسمة كان الخبراء نصحوه ألا يبتسم، فلم يبق امام مشاهدي التلفزيون غير انفه. قبل هولاء جميعاً كسب كميل شمعون الناس بوسامته واناقته وشعره الفضي ثم خسر اكثرهم بسياسته. وجاء فرانسوا ميتران بين كنيدي وشرودر وتعلّم كيف يبتسم بهدوء، ويسير بهدوء، و"يضبط" اسنانه، ويكسب الناخبين. خارج نطاق السياسة بمثالبها والسياسيين ببسماتهم الزائفة، هناك دراسات علمية متراكمة تؤكد ان الضحك يطيل العمر مع تقديرنا ان البسمة مقدمة الى هذا الضحك. البروفسور وليام فراي من جامعة ستانفورد يقول ان الضحك يساوي التمرين على "بسكليت" غير متحرك في نادٍ رياضي، فهو يرفع حركة الدم، ويزيد النبض من 60 الى 120 في الدقيقة. وهناك تفاصيل طبية تصعب ترجمتها واختصارها، وردت في ابحاث اجرتها كليات طب في عدد من الجامعات الاميركية، تتحدث عن ارتفاع مستوى الهرمونات بعد الضحك، وزيادة عدد الخلايا "المساعدة" مثل "الخلايا القاتلة" اي تلك التي تهاجم الاجسام الغريبة وتقاوم الفيروسات. طبعاً، الضحك بلا سبب من قلّة الأدب، وقد كان سيغموند فرويد غير مؤدب في ابحاثه، وأصرّ على وجود علاقة بين الضحك والشهوة، الاّ اننا نتجاوزه الى باحثين آخرين درسوا الضحك بعد طرفة مؤدبة ووجدوا ان الغالب هو ان اعلى ضحك يأتي عندما يتحدث الرجال وتصغي النساء، وان أقل ضحك يأتي عندما تتحدث النساء ويصغي الرجال. غير ان مستوى الضحك يرتفع كثيراً عندما تكون النساء وحدهن متحدثات ومستمعات. وقرأت ان الانسان ليس "الحيوان" الضاحك الوحيد، فالقرود بأنواعها تضحك، خصوصاً عندما تكون تلعب، او عندما يدغدغ احدها الآخر. وهي تستعمل الضحك، كالبشر، لتخفيف حدة التوتر بين اعضاء المجموعة الواحدة. وعلى الأقل، فالقردة لا تحتاج الى ان تغيّر ضحكتها لتناسب الظهور على التلفزيون، لأنها لا تستطيع ضبط الهواء الذي تتنفسه، كما يفعل البشر، لذلك فضحكها على وتيرة واحدة لا تتغير. أما الانسان فيضحك في بيته بشكل، وبين اصدقائه بشكل آخر، ثم تتغير ضحكته الى "وظيفة" على التلفزيون، خصوصاً اذا كان يريد التأثير في الناخبين. وكان جيمي كارتر اشتهر بفمه الكبير وضحكته الكبيرة مثله. وأذكر من حملته الانتخابية سنة 1976 رسماً كاريكاتورياً كله اسود، كما لو ان الوقت ليل، أو ليس فيه سوى فم كارتر المعروف الشكل، وهو يضحك، ومع الكاريكاتور كلام، يبدو كأنه من زوجة كارتر، وهي تقول "يكفي، خلينا ننام". طبعاً لو خضت انا الانتخابات ضد جيري فورد لربحت وهو اول رئيس اميركي يصل الى المركز من دون انتخابه نائباً للرئيس، فقد عيّن تعييناً بعد استقالة سبيرو اغنيو، ثم استقالة نيكسون. ولكن فوز بيل كلينتون على جورج بوش كان مذهلاً، فالرئيس بوش كان خارجاً لتوه من نصر كبير في الخليج، محا ذكريات فيتنام، كما شهدت ولايته الوحيدة سقوط الشيوعية. ومع ذلك فقد فضحه التلفزيون كسبعيني مسنّ، في مقابل شاب وسيم لا يكتفي بأن يبتسم ويضحك بشكل يجذب الناخبين، خصوصاً النساء، بل هو "مودرن" يعزف على "الساكسفون". وعزف كلينتون خلال الحملة الانتخابية، ثم عزف لحن "أمك لا تجيد الرقص" خلال حفلة تنصيبه. وثبت بعد ذلك ان مبيعات "الساكسفون" ارتفعت كثيراً، كما زاد الطلب على موسيقى هذه الآلة. ربما كان الاميركيون يدفعون اليوم ثمن تفضيلهم بسمة كلينتون على قدرة بوش. وفي حين أنهم اخترعوا مقولة "انك لا تستطيع ان تضحك على كل الناس كل الوقت" فقد أثبت كلينتون وغيره ان لا حاجة الى ذلك، اذ يكفي ان يضحك السياسي على الناخبين خلال الحملة الانتخابية.