بعد عامين من التوقف استأنف التلفزيون المصري إمداد المحطات العربية بحلقات "الف ليلة وليلة" كعادته منذ سنوات، الامر الذي جعل هذه الدراما التراثية طقساً رمضانياً شبه ثابت على خريطة التلفزيون المصري والمحطات العربية الأخرى. وحلقات "الف ليلة وليلة" هذه السنة تختلف عن سابقاتها في كل شيء. فهي تقدم لأول مرة على شاشة التلفزيون حكاية "الحمال وبنت الصياد" متحاشية الوقوع في خطأ تكرار الحكايات مثلما كان يحدث في بعض الاحيان حتى لو اختلفت المعالجات الدرامية في ما بينها. كذلك تولى كتابتها هذا العام شاعر غنائي، اشتهر لسنوات بكتابة الفوازير ثم الدراما التاريخية مثل حلقات "عمر بن عبدالعزيز" و"هارون الرشيد"، وهو عبدالسلام أمين الذي يجلس ككاتب على مائدة "الف ليلة" لأول مرة ليكسبها مزيداً من الشاعرية والدقة تذكرنا بإبداعات الشاعر الراحل طاهر ابو فاشا الذي كان أول من تعامل درامياً مع هذا العمل التراثي المهم. نذكر أيضاً أن رباب حسين، مخرجة الحلقات، هي الأخرى تخوض تجربة اخراج الاعمال الدرامية الطويلة لأول مرة وإن كانت تسبقها خبرة كبيرة اكتسبتها - في الاساس - من عملها كمساعدة مخرج لزوجها المخرج المعروف احمد توفيق صاحب مسلسلات "الاسلام والحضارة"، "عمر بن عبدالعزيز"، "لن اعيش في جلباب ابي"، "هارون الرشيد"، ثم "رد قلبي" المسلسل الذي تعرضه حاليا اكثر من محطة تلفزيونية عربية. لم تكن الحكاية ومؤلفها ومخرجتها فقط هي العناصر الجديدة على "الف ليلة وليلة" وإنما هناك كذلك شهرزاد وشهريار جديدان تماماً، هما بوسي وماجد المصري اللذان يخوضان تجربة التمثيل بالفصحى للمرة الأولى. بوسي تعترف ل "الوسط" بأنها كانت مرعوبة من التجربة ليس فقط لأنها تمثل بالفصحى للمرة الأولى وإنما ايضاً لأنها كانت منذ صغرها اسيرة هذا العالم الساحر الذي تمثله حكايات الف ليلة والجو الاسطوري الذي يبعث احيانا على الخوف. وكشفت النجمة المعروفة النقاب عن انها رفضت من قبل المشاركة في بطولة الف ليلة ثلاث مرات مع مخرجين مختلفين لهذه الاسباب. لكن زوجها الفنان نور الشريف شجعها على الموافقة هذه المرة استناداً الى معرفته السابقة بالعناصر المشاركة في العمل فضلاً عن انها حسمت الامر تماما بعد ان قرأت الحلقات الخمس الاولى. وتضيف شهرزاد الجديدة انها لا تخشى المقارنة مع أية ممثلة اخرى قامت في الماضي ببطولة مثل هذا العمل الرمضاني، لأنها - حسب رأيها - تقدم حكاية مختلفة لم تتعرض لها أية معالجة من قبل، فضلاً عن رقة هذه المعالجة وبساطتها وعدم محاولتها اسقاط أية اشارات معاصرة او ربط الجديد بالقديم مثلما حدث كثيرا في المعالجات السابقة، فقد كان واضحاً حرص اسرة الحلقات هذه السنة على المحافظة على الجو الاسطوري الذي تتميز به "الف ليلة" والذي جعل الجمهور دائماً شديد الانجذاب الى ذلك العالم الساحر والمليء بالغموض وربما كان هذا هو احد اهم اسباب نجاح العمل هذه السنة. ولم يختلف ما قاله شهريار الجديد الممثل ماجد المصري عما قالته بوسي، وإن كان اضاف ان ظهوره على شاشة التلفزيون في رمضان للعام الثاني على التوالي بعد بطولته لمسلسل "التوأم" السنة الماضية، يؤكد انه يسير على الطريق الصحيح وانه اصبح ضيفاً مقبولاً لدى جمهور التلفزيون ولا سيما ان دوره في الف ليلة قد سمح له بتقديم الغناء والاستعراض وهو اللون الذي يستهويه والذي كان يقدمه قبل ان يحترف التمثيل منذ سنوات. والذي لا يعلمه الكثيرون ان حلقات الف ليلة كان من الممكن ان تختفي هذه السنة ايضا مثل العامين السابقين والاكتفاء بحلقات السيرة الهلالية كعمل تراثي بديل، كما حدث في عهد ممدوح الليثي الرئيس السابق لقطاع الانتاج بالتلفزيون المصري، حينما اكتفى سنة 1997 بحلقات "السيرة الهلالية" وألبسها في المقدمة والنهاية ثوب "الف ليلة وليلة" بما في ذلك افتتاحية متتالية "شهرزاد" الشهيرة للمؤلف الموسيقي الروسي رمسكي - كورساكوف غير ان تقدم المؤلف عبدالسلام أمين بفكرة الف ليلة قبل اشهر من بدء الشهر الكريم شجع يحيى العلمي رئيس قطاع الانتاج على تنفيذ الحلقات بعد اسنادها الى المخرجة رباب حسين. وهذا يفسر امتداد التصوير في الحلقات ولكن يهون الأمر - على حد قول بوسي - ما دام المشاهد العربي يرتبط بحكايات الف ليلة الى هذه الدرجة. على اية حال فقد سبق حلقات هذه السنة تاريخ طويل لألف ليلة مع الدراما يمتد لأوائل الخمسينات، حينما قدمت الاذاعة المصرية هذه الحكاية لأول مرة على يد الشاعر الراحل طاهر ابو فاشا الذي كتب منها اكثر من سبعمائة ليلة ثم تناوب على كتابتها بعده مؤلفان اقل شهرة هما عباس الاسواني وفراج اسماعيل، حتى وصل مجموع ما قدمته الاذاعة الى نحو 820 ليلة من الليالي الالف. وجميعها كانت من اخراج الرائد الاذاعي محمد محمود شعبان بابا شارو وقامت بدور شهرزاد الفنانة زوزو نبيل فيما لعب الممثل عبدالرحيم الزرقاني دور شهريار، وكانا أشهر صوتين اذاعيين في ذاك الحين. وبلغ من نجاح الحلقات الاذاعية ان طالبت مشيخة الازهر في احدى السنوات بوقف الحلقات او على الاقل تخفيف نبرة الدلال التي تحكي بها شهرزاد حكاياتها لشهريار الملك. أما في التلفزيون فقد حاول المخرج محمد سالم في الستينات تقديم معالجة كوميدية لهذا العمل من خلال فوازير ثلاثي اضواء المسرح، غير ان اول محاولة جادة كانت سنة 1983 على يد الكاتب المعروف احمد بهجت والمخرج التلفزيوني عبدالعزيز السكري الذي اسند دور شهرزاد الى نجلاء فتحي وشهريار الى حسين فهمي في معالجة عصرية لهذه الحكايات القديمة. ويقول الكاتب احمد بهجت في معرض الحديث عن معالجته لتلك الحكايات إن كل الذين قدموا ألف ليلة وليلة كانوا تقليديين في اهتمامهم بحكاياتها فقط فيما سعى هو لإضافة الجديد الى ذلك الموروث الشعبي الذي يمكن ان يقرأه الناس في الكتب، وبما ان اهتمام الكتاب انصب على الحكايات نفسها قام هو بالتركيز على علاقة شهرزاد بشهريار وبالمحيطين بها. ورغبة منه في خلق خطوط درامية جديدة تخيل ان شهرزاد هذه قادمة من زمننا الحالي، وبالتالي تولد لديه خط للصراع بين الجديد والقديم بين الجهل والمعرفة، وهي المعالجة نفسها التي قدم منها مع المخرج نفسه جزءاً ثانياً سنة 1991 ولكن ببطلين آخرين هما إيمان الطوخي ويوسف شعبان. وفي العام التالي مباشرة قدم المؤلف براء الخطيب والمخرج هاني لاشين معالجة لم تختلف كثيراً عن سابقتها وتقاسم بطولتها كل من ليلى علوي وسمير غانم. وسيظل ما قدمه المؤلف طاهر ابو فاشا والمخرج فهمي عبد الحميد الأشهر والأنضج في هذا المجال حيث بدأا في نقل الف ليلة الاذاعية منذ عام 1985 وحتى وفاة المخرج المعروف سنة 1990 وتناوب على بطولتها كل من شريهان وليلى علوي ومنى عبد الغني مع الاحتفاظ بصوتي شهرزاد وشهريار الاذاعة زوزو نبيل وعبد الرحيم الزرقاني. ثم اتى زمان المؤلف يسري الجندي لأربع سنوات متتالية ابتداء من سنة 1993 مع اختلاف المخرجين الذين تعاملوا مع هذه الحكايات. ومن ثم تناوب أيضاً على بطولتها اكثر من ثنائي، وهم على الترتيب الهام شاهين وسمير صبري وآثار الحكيم وفاروق الفيشاوي ودلال عبدالعزيز ويحيى الفخراني وأحمد عبدالعزيز، وها هي ألف ليلة وليلة تعود بعد عامين من التوقف بثنائي جديد يضم بوسي وماجد المصري.