قيمة الأصول المدارة في السوق المالية السعودية تجاوزت حاجز التريليون ريال    المملكة.. إخراج سورية من عزلتها    «الدعم» تقصف مخيم نازحين وتوقع 14 قتيلاً بدارفور    رؤية 2030 ودعم الرياضة في المملكة العربية السعودية    حرس الحدود ينقذ 10 مصريين بعد جنوح واسطتهم البحرية    ضبط 17 مواطناً ومقيماً نقلوا مخالفين لأنظمة الحج    ثقافة وفنون المناطق تطلق «رحلة فن»    حينما تنطق العراقة    إيران: شروط واشنطن ستُفشل المحادثات النووية    انتحاري يقتل 10 أشخاص في مقديشو خلال حملة تجنيد    10 آلاف متطوع من منسوبي التقني    19 ألف زيارة تفتيشية بمكة والمدينة    تواصل سعودي نمساوي    الذهب يرتفع بفعل الإقبال على أصول الملاذ الآمن    الخارجية الفلسطينية تطالب بتحرك دولي عاجل لوقف العدوان الإسرائيلي    "آفاق" يدمج 88 طفلًا في التعليم العام ويحتفل بمرور خمس سنوات على تأسيسه    سهام القادسية تُصيب 9 ميداليات في كأس الاتحاد    نائب ترمب: الولايات المتحدة قد تنسحب من حرب أوكرانيا    "الصحة العالمية": نواجه عجزا بنحو 1.7 مليار دولار خلال العامين المقبلين    أمير تبوك يستقبل إدارة نادي نيوم بمناسبة تتويجه بدوري "يلو" وصعوده إلى دوري روشن    وزارة الرياضة تطرح مشروع "استثمار المنشآت الرياضية" عبر بوابة "فرص"    عقارات الدولة توضح ما يُتداول حول توزيع أراضٍ سكنية في الرياض    مطارات الدمام تنظم ورشة بعنوان "يوم المستثمر" لتعزيز الشراكات الاستراتيجية    اختتام بطولة غرب المملكة في منافسات الملاكمة والركل    لعبة " المسار المفقود " بدعم من "الصندوق الثقافي" و"إثراء"    جمعية البر بالمنطقة الشرقية تشارك في المعرض الدولي للقطاع غير الربحي (إينا)    محافظ أبو عريش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية    حقيقة انتقال رونالدو وبنزيمة وإيبانيز إلى الهلال    صندوق الاستثمارات العامة يجمع أكثر من 1000 من أعضاء مجالس الإدارة وتنفيذيّ شركاته    انطلاق فعاليات المؤتمر العالمي الأول للميتاجينوم والميكروبيوم    مبادرة طريق مكة تحظى بشرف خدمة أكثر من مليون مستفيدٍ من ضيوف الرحمن منذ إطلاقها    كندا تعلق بعض الرسوم الجمركية المضادة على الولايات المتحدة    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحصل على اعتماد JCI للمؤسسات كأول مجموعة صحية خاصة في المملكة    حلول واقعية لمعالجة التحديات المعاصرة التربوية    تحالف استراتيجي بين "نايف الراجحي الاستثمارية" و"تي جي سي سي" لتنفيذ مشاريع رائدة في المملكة العربية السعودية    لمسة وفاء.. الشيخ محمد بن عبدالله آل علي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج الدفعة السادسة من برنامج القيادة والأركان والدفعة الأولى من برنامج الدراسات العسكرية المتقدمة ويدشّن برنامج الحرب    الشؤون الإسلامية تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج    آل بابكر وخضر يحتفلون بزواج علي    مبادرات "عام الحرف" ترسو في مشروع سولتير بالرياض    مجلس إدارة مؤسسة «البلاد» يقر الميزانية العمومية    إعلاميون ومثقفون يعزون أسرة السباعي في فقيدهم أسامة    الحرب على الفلورايد تحرز تقدما    الفيفا يحدد موعد المباراة الفاصلة بين لوس أنجلوس وأمريكا.. من يحجز المقعد الأخير لمونديال الأندية؟    محمد.. هل أنت تنام ليلاً ؟    وجبة مجانية تنهي حياة عصابة بأكملها    عبدالجواد يدشن كتابه "جودة الرعاية الصحية"    صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع    أطباء يعيدون كتابة الحمض النووي لإنقاذ رضيع    نائب أمير عسير يستقبل القنصل الجزائري    الشؤون الإسلامية تختتم الدورة التأصيلية الأولى في سريلانكا    6000 حاج يتلقون الرعاية الصحية بالجوف    «البيضاء».. تنوّع بيولوجي يعزّز السياحة    تتويج الأخدود ببطولة المملكة تحت 15 عاماً "الدرجة الأولى"    قصائد فيصل بن تركي المغناة تتصدر الأكثر مشاهدة    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    مشائخ وأعيان وأهالي «الجرابية الكنانية» يهنئون أمير جازان ونائبه بالثقة الملكية    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصر الجمهوري في الخرطوم . شاهد على 100 عام من المآسي والأحداث التاريخية
نشر في الحياة يوم 22 - 06 - 1998

كانت الخرطوم حينما وصلت اليها القوات التركية العام 1821 قرية صغيرة ليس بها سوى عدد من الاكواخ حول مسجد "أرباب العقائد". وبنى الاتراك ثكنات للجيش في اول عهدهم بالخرطوم ، ثم زاد اهتمامهم بالمدينة حتى اختيرت عاصمة للسودان في 1834 بقرار من الوالي التركي خورشيد باشا. منذ ذلك الوقت بدأت تعمر شيئاً فشيئاً، وبدأ التفكير في بناء قصر للحاكم وتمّ ذلك على مراحل ولم يبن مرة واحدة، فقد ساهم فيه عدد من الحكّام الاتراك اذ قام الحاكم التركي محو بك بوضع اول لبنات القصر ولم يعرف عنه انه شيّد اي مبنى غير القصر في الخرطوم.
أُعيد بناء القصر للمرة الثانية في عهد خورشيد باشا ثم عبداللطيف باشا واستغرق بناؤه اكثر من عامين 1850 - 1852. وشيد بطابقين، ثم أدخلت بعض التعديلات على بنائه في عهد احمد ممتاز باشا 1871 - 1872 واستمرت مباني القصر مسكناً للحاكم، ثم صار مكتبه ايضاً داخل القصر حتى عيّن الجنرال الانكليزي تشارلز غوردون حاكماً عاماً للسودان. وفي نهاية الحكم التركي الاول للسودان واثر نجاح الثورة المهدية تعرض القصر للتخريب كرمز للحكم التركي، وانتقل مقر الحكم في 1885 - اثر تحرير الامام محمد احمد المهدي للبلاد - من الخرطوم الى ام درمان، وبقي القصر مهجوراً طوال الفترة الممتدة حتى سقوط دولة المهدية في 1898.
بدأت عندئذ مرحلة جديدة شهدها السودان مع بداية الحكم الثنائي الانكليزي - المصري الذي عكف على تشييد المرافق الحكومية في الخرطوم التي اعاد اليها مقر الحكم من مدينة ام درمان على الضفة الغربية لنهر النيل.
وفي 1899 أعاد الحكم الثنائي تشييد القصر ليكون مقراً للحاكم العام البريطاني. وقد أُعيد تشييده على الاساس الحجري القديم حتى اكتمل بناؤه في 1900.
وعلى رغم ان كتشنر باشا هو اول حاكم عام بريطاني للسودان، الا انه لم يكن اول الحكّام الذين سكنوا القصر، اذا ما لبث ان غادر الخرطوم الى جنوب افريقيا. وعيّن سير ماكسويل خلفاً له، فكان أول الحكام الانكليز الذين سكنوا القصر، وتعاقب على القصر عدد من الحكّام الانكليز بدءاً بونجت باشا 1899 حتى سير فوكس هولم 1953 - 1955. ويبلغ عددهم 9 حكام.
غير ان اول رئيس للسودان سكن القصر بعد استقلال السودان الفريق ابراهيم عبود 58 - 1964 الذي اقام في القصر خلال الفترة من 1962 الى 1964. ولم يحذ حذوه اي رئيس للبلاد حتى الآن.
يتكون المبنى الرئيسي للقصر الجمهوري في الخرطوم من ثلاث طبقات وثلاثة اجنحة. هناك جناح رئيسي يواجه نهر النيل الازرق ويمتد شرقاً وغرباً. وثمة جناح في الجانب الشرقي، وهناك آخر في الناحية الغربية.
ويوجد في الجانب الشرقي من المبنى الرئيسي باب يشرف على حديقة القصر، وكان ذلك الجزء في الماضي مقراً لحركة الماسونية التي نقلت مقرها لاحقاً الى المبنى المجاور لوزارة الثقافة والاعلام حالياً، ونقلت الكنيسة الانغليكانية التي كانت تحتل الطبقة الاولى من مبنى القصر الى الجزء الجنوبي منه، وكان جميع الحكّام الانكليز يحرصون على اداء صلواتهم في تلك الكنيسة. وبعد فترة قصيرة شيّد مبنى كنيسة القصر خارج القصر وبقيت ابوابها مفتوحة طوال عهد الحكم الثنائي حتى أوصدت خلال حكم الرئيس عبود، واغلقت نهائياً خلال حكم الرئيس جعفر نميري. ونقلت الى الكنيسة المجاورة حالياً لمباني العمارة الكويتية التي تطلّ على نهر النيل.
أُنشئت حديقة القصر مع بناء القصر نفسه خلال الحكم التركي، لكنها لم تأخذ شكلها الحالي الا في 1899 مع بداية الحكم الثنائي، وكان الاهتمام كبيراً آنذاك باعادة تخطيط المدينة على طراز حديث، ووجدت اهتماماً خاصاً من اللورد كتشنر الذي يعتقد انه اول من اهتم بالحديقة وجلب لها انواعاً من الاشجار، ولعل اهمها شجرة المانغو التي يعتقد بأنها اول شجرة مانغو تزرع في السودان ومنها انتقلت الى مناطق اخرى.
وزرعت تلك الشجرة العام 1900 وأثمرت في 1908. وظل الاهتمام بالحديقة متصلاً طوال كل العهود الى يومنا هذا وتحولت الى حديقة واسعة مختلفة الالوان والازهار وتعتبر بحق حديقة السودان الرائدة واقيم فيها اول مشتل في البلاد. واضحت مكاناً للاحتفالات الرسمية للدولة منذ الاستقلال حتى اليوم. وهي المكان الذي شهد الاحتفال الرسمي بالاستقلال وانزال علمي دولتي الحكم الثنائي بريطانيا ومصر في 1956. ورفع علم السودان الحر المستقل للمرة الاولى.
وظلت مباني القصر في تطور وتجديد واعادة تأهيل منذ ذلك الوقت وحتى الآن. ويعتبر مسجد القصر الجمهوري آخر الملاحق التي شُيّدت وضُمّت الى القصر وافتتح رسمياً في 1996.
اكمل القصر الجمهوري هذه السنة عامه المئة منذ اعادة بنائه الاخيرة في اول عهد الحكم الثنائي وخلال هذا القرن حدثت تحولات عدة داخل ذلك المبنى الابيض الجميل الذي يطل على النيل الازرق، وعلى مقربة من ملتقى النيلين الازرق والابيض في العاصمة السودانية ومن الملاحظ الآن ان ملتقى النيلين قد صار فعلياً امام هذا القصر وليس في منطقة المقرن في الجزء الشمالي الشرقي من الخرطوم وامام جسر النيل الابيض الذي شُيد في 1928 وهو المعبر الرئيسي بين مدينتي الخرطوم وأم درمان.
وشهد القصر الجمهوري خلال هذا القرن احداثاً تاريخية مهمة وبعضها مأسوي… ولعل اول الذين قتلوا داخل القصر الجنرال تشارلز غوردون باشا الذي قتله انصار المهدي في كانون الثاني يناير 1885، معلنين بذلك نهاية فترة، وبداية مرحلة جديدة في تاريخ السودان بقيام دولة المهدية التي استمرت 13 عاماً ظل القصر خلالها مهجوراً للمرة الاولى والاخيرة منذ انشائه في 1836.
كما شهد القصر اكبر حدث في تاريخ السودان وهو رفع العلم السوداني في اول كانون الثاني 1956. ومن الاحداث المأسوية التي شهدها القصر الانقلاب الذي نفّذه الحزب الشيوعي السوداني في 1971 واعتقال رئيس الدولة آنذاك الرئيس نميري داخل القصر لمدة يومين ثم فكاكه من المعتقل وهروبه خارج مبنى القصر بعد ان قفز فوق حائطه الغربي اثر فشل الانقلاب في 22 تموز يوليو 1971.
بقي ان نشير الى ان قصر الرئاسة السوداني تعاقب عليه 9 من الحكّام الانكليز و4 اعضاء مجالس سيادية، واربعة من الحكام الذين ينتمون الى المؤسسة العسكرية السودانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.