نائب أمير عسير: الخطاب الملكي يعكس ثقل المملكة السياسي وتجسيدها للإنسانية    أوقية الذهب تصعد الى 3645.04 دولار    نائب أمير منطقة عسير يتوّج المنتخب السعودي تحت 19 عامًا بكأس الخليج في نسخته الأولى    وزير الداخلية لنظيره القطري: القيادة وجهت بتسخير الإمكانات لدعمكم    أرامكو تصدر صكوكاً دولارية دولية    إسهاماً في تعزيز مسيرة القطاع في السعودية.. برنامج لتأهيل «خبراء المستقبل» في الأمن السيبراني    «الفطرية»: برنامج لمراقبة الشعاب المرجانية    وزير الدفاع لرئيس وزراء قطر: نقف معكم وندين الهجوم الإجرامي السافر    200 شخص اعتقلوا في أول يوم لحكومة لوكورنو.. احتجاجات واسعة في فرنسا    السعودية ترحب وتدعم انتهاج الحلول الدبلوماسية.. اتفاق بين إيران والوكالة الذرية على استئناف التعاون    المملكة تعزي قطر في وفاة أحد منسوبي قوة الأمن الداخلي جراء الاعتداء الإسرائيلي الآثم    إثارة دوري روشن تعود بانطلاق الجولة الثانية.. الاتحاد والهلال يواجهان الفتح والقادسية    هوساوي: أعتز برحلتي الجديدة مع الأهلي    الدليل «ترانسفير ماركت»    أكد أن النجاحات تحققت بفضل التعاون والتكامل.. نائب أمير مكة يطلع على خطط طوارئ الحج    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل رئيس فريق تقييم أداء الجهات الحكومية المشاركة في تنفيذ الخطة العامة للطوارئ    منافسة نسائية في دراما رمضان 2026    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025.. موروث ثقافي يعزز الأثر الاجتماعي والحراك الاقتصادي    نائب أمير المنطقة الشرقية: الخطاب الملكي الكريم خارطة طريق لمستقبلٍ مشرق    اليوم الوطني.. نبراس للتنمية والأمان    حساب المواطن ثلاثة مليارات ريال لمستفيدي شهر سبتمبر    فيلانويفا يدافع عن قميص الفيحاء    باتشيكو حارساً للفتح    واشنطن تستعد لتحرّك حازم ضد موسكو    سكان غزة.. يرفضون أوامر الإخلاء ومحاولات التهجير    هيئة الشرقية تنظّم "سبل الوقاية من الابتزاز"    الكشافة السعودية تشارك في الجامبوري العالمي    مبادرات جمعية الصم تخدم ثلاثة آلاف مستفيد    العراق: الإفراج عن باحثة مختطفة منذ 2023    الفضلي يستعرض مشروعات المياه    "التعليم" توقع اتفاقية "الروبوت والرياضات اللاسلكية"    «آسان» و«الدارة» يدعمان استدامة التراث السعودي    «سلطان الخيرية» تعزز تعليم العربية في آسيا الوسطى    «الحج والعمرة» تُطلق تحدي «إعاشة ثون»    التأييد الحقيقي    "الشيخوخة الصحية" يلفت أنظار زوار فعالية العلاج الطبيعي بسيهات    إنقاذ حياة مواطنَيْن من تمزّق الحاجز البطيني    2.47 تريليون ريال عقود التمويل الإسلامي    59% يفضلون تحويل الأموال عبر التطبيقات الرقمية    الهجوم الإسرائيلي في قطر يفضح تقاعس واشنطن ويغضب الخليج    هل توقف العقوبات انتهاكات الاحتلال في غزة    المكملات بين الاستخدام الواعي والانزلاق الخفي    مُحافظ الطائف: الخطاب الملكي تجسيد رؤية القيادة لمستقبل المملكة    الأمير فهد بن جلوي توَّج الملاك الفائزين في تاسع أيام المهرجان    تعليم الطائف يعلن بدء استقبال طلبات إعادة شهادة الثانوية لعام 1447    السبع العجاف والسبع السمان: قانون التحول في مسيرة الحياة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " ثمرة تماسك المجتمع تنمية الوطن وازدهاره"    نائب أمير منطقة تبوك يستعرض منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    ختام بطولات الموسم الثالث من الدوري السعودي للرياضات القتالية الإلكترونية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة "أمان"    البرامج الجامعية القصيرة تمهد لجيل من الكفاءات الصحية الشابة    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    أحلام تبدأ بروفاتها المكثفة استعدادًا لحفلها في موسم جدة    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال الشورى في الدور التشريغي 9 اليوم    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفريق الفاتح بشارة مدير مكتب عبود يتحدث عن الذكرى ال40 لانقلاب 1958 : استيلاء عبود على السلطة كان "تسليما وتسلما" ودقته في المواعيد مضرب أمثال 1من 3
نشر في الحياة يوم 04 - 12 - 1998

كان جيلاً فريداً في تاريخ السودان السياسي الحديث ذاك الذي تزعمه الرئيس الراحل الفريق ابراهيم عبود ورفاقه. كان شديد الولاء لكل من عرفه عن كثب، ظالماً كان أم مظلوماً، بما في ذلك الاستعمار البريطاني نفسه. ومثل ذلك الجيل، كل التناقضات في الشخصية السودانية، يشعر بالامتنان للاستعمار ويهادنه، لكنه أبقى ولاءه على الدوام للوطن. كان الفريق عبود رجل دولة من الطراز الاول، وكان في الوقت نفسه طيباً الى أبعد مدى، صارماً في هيبته، شفوقاً عطوفاً في دخيلته. كان هياباً من التصرف بالمال العام، وحازماً في النأي عن الشبهات. وعندما حملت اليه مراسيم تنازله عن السلطة، كان مطلبه الوحيد من الدولة الجديدة أن تطلب من سفير السودان لدى بريطانيا السماح لابن الرئيس بالإقامة معه الى حين فراغه من دراسته، لأنه لم يكن يملك ثروة سوى معاشه التقاعدي.
لم تتقاعس حكومته عن تنمية البلاد وتعزيز اقتصاداتها. وشهد عهده ازدهاراً في الفنون والرياضة لا يزال السودانيون يتحسرون عليه ويتمنون عودته. وعندما كان أفراد الجمهور يلتقون الرئيس عبود، بعد تنحيه، يشتري حاجته من سوق الخضار، كانوا يهتفون "ضيعناك، وضعنا معاك". وذلك بعد بضع سنوات من أعظم ثورة شعبية يتباهى كثير من السودانيين بأنها تأتي بعد الثورة البلشفية مباشرة.
وبقيت هيبة عبود طوال حكمه وحتى بعد تنحيه. وبقي غموض غريب يحيط شخصيته وشخصيات رفاقه من العسكر والمدنيين الذين سيّروا دفة البلاد طوال سنوات انقلابه العسكري من 17 تشرين الثاني نوفمبر 1958 حتى 21 تشرين الاول أكتوبر 1964. ويزيد التجربة وابطالها جدلاً أنهم، وفي مقدمهم عبود، لم يكتبوا مذكرات، ولا ذكريات. وكانوا أشد عزوفاً عن الحديث بأي قدر كان عن الدولة السودانية التي صنعوها، تنمية وعلاقات خارجية وازدهاراً فنياً ورياضياً وانتعاشاً اقتصادياً.
قبل أيام، مرت 40 عاماً على انقلاب الرئيس عبود. فماذا بقي من الرجل؟ زار لندن أخيراً الفريق الفاتح محمد بشير بشارة مدير مكتبه معظم سنوات حكمه: من أيار مايو 1959 حتى اعلان عبود حل المجلس الاعلى للقوات المسلحة وتنحيه عن رئاسة البلاد. وواصل بشارة عطاءه في المجالين العسكري والمدني، حتى عين نائباً لرئيس هيئة أركان الجيش السوداني، وسفيراً للسودان لدى المملكة العربية السعودية، ثم حاكماً لاقليم كردفان الغربي الشاسع.
المحور الرئيسي للحوار معه سيرة الفريق ابراهيم عبود:
كيف بدأت صلتك بالرئيس الراحل؟ ولماذا وقع الاختيار عليك لتعمل مديراً لمكتبه؟
- كان أول عهدي بالفريق عبود رحمه الله أثناء صباي الباكر. رأيته مراراً مع الفريق أحمد محمد أول قائد عام للقوات المسلحة بعد "السودنة" التي مهدت للاستقلال في منزل صهره ووالد زميلي في الدراسة مأمون المرضي. وكان يعرف والدي وعمي. وكان تأثري به شديداً إثر تلك اللقاءات.
وعندما وقع انقلاب تشرين الثاني 1958، عين القائمقام العميد عثمان نصر مديراً لمكتب الرئيس. وما لبث أن عين قائداً لسلاح المدرعات، فخلفه مزمل سلمان غندور. وأعقبه النائب السابق لرئيس الجمهورية في عهد الرئيس جعفر نميري اللواء الدكتور عمر محمد الطيب. وبقي اللواء عمر مديراً للمكتب حتى أيار مايو 1959 حينما تقرر ابتعاثه الى انكلترا.
كُلّف المرحوم عضو المجلس الاعلى للقوات المسلحة اللواء حسن بشير نصر باختيار خلف للواء عمر، فعهد بالمهمة الى اللواء ابراهيم أحمد عمر. ولما كان الأخير عرفني معرفة جيدة، إذ كنت تلميذه في الكلية الحربية، رشحني للعمل مديراً لمكتب الرئيس. ولم يكن الأخير يعرف أن المرشح للوظيفة هو ذاك الصبي الذي كان يصادفه مراراً في منزل صهره. وأذكر جيداً حين دخلت عليه في مكتبه للمرة الاولى أنه بادر - في طيبة ومحبة - الى معانقتي على الطريقة التقليدية السودانية، على رغم فارق الرتبة، وقال مداعباً: "الله؟ هو ده انت؟".
عملت في ذلك الموقع ست سنوات واعتبره أهم موقع شغلته خلال حياتي العملية، إذ لم يكن هناك في تلك الايام حقيبة أو وزير متخصص في شؤون الرئاسة، ولا وزراء دولة، مما ضاعف مسؤولياتي واستغراقي في أداء الواجبات وتنسيق أشغال رئيس الدولة في القصر الجمهوري والقيادة العامة للقوات المسلحة ومجلس الوزراء.
كيف وجدت الفريق عبود؟ هل كان هادئاً في عمله اليومي مثلما يبدو للآخرين؟ وهل كان يتمتع بأي امتيازات؟
- كان الفريق عبود أباً رحيماً رقيقاً. لم يكن ينفعل مطلقاً. وكان لماحاً وذكياً على العكس مما كان يعتقده كثيرون. وكان يحظى باحترام زملائه الضباط الكبار وأعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم آنذاك. وكان أميناً الى أقصى الدرجات، فقد زيدت في عهده رواتب الضباط، لكنه رفض أن تشمل الزيادة راتبه الذي بقي طوال سنوات حكمه 130 جنيهاً سودانياً، حتى قررت حكومة ثورة 1964 التي أطاحته اعتماده راتباً ومعاشاً للرئيس الراحل مدى حياته.
وتتجلى أمانته في حرصه الشديد على المال العام، خصوصاً إبان الزيارات الرسمية للخارج. رافقته في 16 زيارة رسمية لمختلف الدول، وكانت العملة السودانية تضاهي العملات الأجنبية الرئيسية. أذكر تعليماته لوزير المالية محمد عبد الماجد بأن يسترد ما يتبقى من بدلات السفر التي تصرف له ولأعضاء الوفد الذي يرافقه، على رغم أن القانون يبيح للمرافقين الاحتفاظ بما بقي لديهم من نثريات. وكان دائماً يقول في مثل هذه المواقف إن الضمير أعلى من القانون. وقال ذات مرة إذا كان قراره في هذا الشأن لم يرق لأحد فليمتنع عن مرافقته في زياراته المقبلة. ولأن راتبي كان ضعيفاً، طلب مني أن أرد بقية بدل السفر الذي صرف لي على ثلاثة أقساط.
كان الرئيس الراحل يبدو صارماً، ويتندر كثيرون بدقة مواعيده.
- كان دقيقاً حقاً في الحفاظ على مواعيده، لذلك ظللت طوال عملي معه أحمل ساعتين في آن، حتى لا يحصل أي سبب يمكنه أن يؤخرني عن الالتزام بمواعيد الرئيس وارتباطاته. وأذكر اجتماعه الدوري لأعضاء مجلس الوزراء الذي كان يعقد مرتين اسبوعياً، إذ كانت تعليماته تقضي باغلاق الابواب عند تمام العاشرة صباحاً. وكانت تلك الابواب لا تفتح لأي وزير إذا تأخر، باستثناء المرحوم المحامي أحمد خير وزير الخارجية الذي كان عقلاً عظيماً وذكياً وجباراً ومتجرداً يقدره عبود كثيراً. وكان عبود قوي الشخصية، يلين ويشتد حسب مقتضيات الحال، ولم يكن سهلاً منقاداً كما يدعي بعض الناس.
المتتبع لأداء حكومة عبود يلاحظ أنها ربما كانت تعاني صراعاً داخل المجلس الاعلى للقوات المسلحة. وتفجرت مراراً، ولعل أهمها الصراع الذي أسفر عن تنحية اللواء أحمد عبدالوهاب الرجل الثاني في النظام. كيف استطاع عبود تجاوز تلك الصراعات؟
- كان من حسن حظي أني عيّنت مديراً لمكتبه خلال الاسبوع الذي اعتقل فيه ضباط من أعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذين لم يكونوا أعضاء فيه بعد وقوع الانقلاب منذ بدايته. ويمكنني أن أصف انقلاب الفريق عبود بأنه كان ""كمالياً" - نسبة الى تجربة كمال أتاتورك في تركيا - إذ ان عبود قاد المؤسسة العسكرية كلها الى الحكم، ولم ينبع من داخلها كما جاءت تجربة ثورة أيار 1969 التي تزعمها المشير نميري. تصرف عبود وفقاً للدستور حين قام بانقلابه، لأن إحدى مواد الدستور تلزم القوات المسلحة التدخل لصون البلاد وحمايتها إذا كانت تواجه خطراً عظيماً.
كانت الحكومات والأحزاب تتصارع وتتناحر. تأتلف لتنفض والعكس صحيح. حتى أن بعض الدول الأجنبية بدأ يحشر أنفه في شؤون البلاد. ولم تكن هناك تنمية، وبدأ الوضع الاقتصادي يتدهور. عندئذ لبت القوات المسلحة نداء الواجب وتولى قادتها إدارة البلاد حسب أقدمياتهم العسكرية.
هل كان له أصدقاء؟ وأين كان يقيم؟
- عندما تولى الحكم كان يقيم في حي السجّانة جنوبي الخرطوم. وفي وقت لاحق شيّدت له الدولة مسكناً متواضعاً داخل القصر الجمهوري مكتب النائب الاول للرئيس السوداني حالياً.
كان له صديقان اصطفاهما من دون الآخرين: محمد احمد ابورنات رئيس القضاء السوداني السابق الذي يحمل اسمه أحد مدرجات كلية القانون في جامعة الخرطوم، ومأمون المرضي.
كنا أحياناً نقرأ اسمه متبوعاً بلقب باشا...
- نال الباشوية بحكم رتبته العسكرية وفقاً لتقليد الجيش المصري الذي كان أساساً للقوات المسلحة في السودان قبل ثورة العام 1924. وكان ملك مصر ينعم على ضباطه من رتبتي القائمقام الى الأميرالاي بالبكوية، ومن رتبة لواء الى فريق بالباشوية. ونال اللقب من السودانيين الفريق أحمد باشا محمد أول قائد عام سوداني، والفريق ابراهيم باشا عبود وأحمد باشا عبود.
ولكن هل كانت لعبود صلة بمصر؟ هل درس هناك؟
- ينتمي الفريق عبود الى قبيلة الشايقية المعروفة في شمال البلاد. وما زلت أذكر "الشلوخ" التي تتألق على جانبي وجه والده، الذي كانت صورته الكبيرة تزين جدار منزل الرئيس الراحل. أما صلته بشرق السودان فهي جغرافية فحسب. فقد كان عمه "سر تجار" رئيس سواكن التي ظلت خاضعة للسيادة التركية إبان الثورة المهدية. ودرس المرحلة الابتدائية في مدرسة سواكن الأميرية التي تعد مع المدرستين الاميريتين في رفاعة وسط السودان وأم درمان إحدى مدن العاصمة أقدم ثلاث مدارس أنشأها الاتراك في البلاد.
وكان رفيق درسه الفريق أحمد باشا محمد. ويبدو أن والد المطرب السوداني الكبير عبدالكريم عبدالعزيز الكابلي كان أيضاً رفيقاً لدراسته، إذ طالما حدثني عن مهارة والد الكابلي في العزف على المزمار. وأذكر أنه فرح للغاية حين التقى المطرب الكابلي واستمع الى غنائه في إحدى المناسبات.
وعلى رغم أن عبود ترعرع في شرق السودان، فهو لم يحذق النطق بعامية أهل الشرق، على العكس من رفيق كفاحه الفريق أحمد باشا محمد الذي ربما ساعده في ذلك انتماء والدته الى قبيلة الحَلَنْقَة المعروفة في شرق البلاد. وتعززت الصلة بينهما بعدما اقترن الفريق أحمد محمد بشقيقة الرئيس الراحل.
وما هي حياة عبود الاجتماعية؟ هل تزوج أكثر من مرة؟
- زف عبود أولاً الى كريمة عمه وانجب منها ابنه البكر العميد أحمد ابراهيم باشا عبود، وبنتاً سميت التومة التوأم. ثم تزوج السيدة سكينة وهي من آل المرضي المعروفين في الخرطوم، وأنجب منها ابنه المرحوم علي، ثم المهندس محمد، وطبيب أمراض الكلية المعروف الدكتور عمر عبود يعمل في الدوحة حالياً، والمهندس عثمان ختم، والمهندس خالد، وسلمى.
كان عبود يعود الى منزله كل يوم بعد انتهاء الدوام في الثانية بعد الظهر. ويكرس بقية يومه لأسرته. وكان حريصاً على أن يتلقى أولاده أفضل دروس ممكنة، وكان يستأجر لهم معلمين خصوصيين لتقويتهم في مادتي الحساب واللغة الانكليزية. ودرس ابنه محمد الهندسة في جامعة لندن. وتخرج ابنه عمر من كلية الطب في جامعة الخرطوم إبان مجدها العلمي الرفيع ثم ابتعث الى بريطانيا لتحصيل مزيد من المعارف الطبية وهو الآن من أبرز الاطباء المختصين في علاج أمراض الكلى في دولة قطر.
كيف كان الرئيس الراحل يبدأ يومه العملي؟
- كان يستيقظ في الرابعة صباحاً ليتابع الاذاعات العالمية. وكان يملك عدداً من أجهزة الراديو يضبط مؤشر كل منها على إحدى الاذاعات الكبيرة مثل هيئة الاذاعة البريطانية والقاهرة وأم درمان. وكان أول سوداني علم باغتيال الرئيس الاميركي جون كينيدي، فاتصل بي على الخط الساخن وطلب مني إبلاغ الاستاذ أحمد خير وزير الخارجية آنذاك. وأخطر الأخير السفير الاميركي لدى السودان الذي لم يكن قد عرف شيئاً عما حدث لرئيس دولته لأنه كان يمارس الرياضة مع مجموعة من أصدقائه السودانيين في ما يسمى الآن مجمع اللواء طلعت فريد للألعاب الرياضية في الخرطوم.
هل كانت للفريق عبود أي مساهمة في الحياة المدنية العامة قبل استيلائه على السلطة العام 1958؟
- بحكم تأهيله الأساسي في الهندسة وعمله في الاشغال العسكرية، ذكر لي أنه كان ضمن المهندسين الذين شيدوا المباني الاستعمارية الفخمة التي لا تزال تشكل معلماً من معالم الخرطوم، كمبنى وزارة المال المطل على النيل الازرق، ودار الحقانية الهيئة القضائية حالياً ووزارة الزراعة على شارع الجامعة.
وكان عبود وصهره الفريق أحمد باشا محمد من أوائل السودانيين الذين التحقوا بالحملة الميكانيكية سلاح النقل حالياً. وهما اللذان دربا السودانيين على قيادة السيارات أول عهد البلاد بها نحو العام 1937. ومن واقع تلك التجارب الهندسية الكبيرة، كانت له ملاحظات فنية على المشاريع الكبيرة التي أنجزت في عهده مثل مشروع مصنع السكر في خشم القربة وخزان الرصيرص.
كثير من السودانيين يحارون في معرفة الدوافع التي أملت على الفريق عبود الاستيلاء على السلطة ...
- لم يكن عبود ساعياً الى سلطة. كان يدرك أنه سيتقاعد لبلوغ السن القانونية في حزيران يونيو 1959. وكان ينوي أن يفتتح لنفسه محلاً لبيع الدراجات وإصلاحها ليقتات منه. كان يرأس الحكومة آنذاك عبدالله بك خليل، وكانت حكومته مكونة من ائتلاف بين حزب الامة الذي كان عبدالله بك أميناً عاماً له، وحزب الشعب الديموقراطي بزعامة الشيخ علي عبدالرحمن. وكان الحزب الوطني الاتحادي في المعارضة.
سافر الشيخ علي عبدالرحمن الى مصر وأجرى محادثات هناك أسفرت عن اتفاقه مع السيد علي الميرغني على فض الائتلاف بين حزبي الشعب الديموقراطي والامة، والتحالف مع الحزب الوطني الاتحادي لاسقاط حكومة عبدالله بك خليل. وبما أن الأخير كان عسكرياً في الاصل قبل تحوله سياسياً، رأى بحسه العسكري ضرورة أن يتولى الجيش السلطة حتى تستقيم الاوضاع السياسية. لذلك تلقى الفريق عبود القائد العام للقوات المسلحة أمراً من رئيس الوزراء بتولي السلطة. هذه الواقعة أكدها لي الفريق عبود نفسه، ما يعزز ما يقال عن أن الامر كان تسليماً وتسلماً.
كان عبود ومساعدوه - وكانت أعمارهم متقاربة - يرومون الاصلاح. ويتجلى ذلك في المعنى العام لبيانهم الاول الذي تلاه عبود. ولعل الاشد دلالة على زهدهم في السلطة انهم لم يسعوا طوال سنوات حكمهم الى تكوين حزب سياسي. وركزوا بدلاً من ذلك على تطوير نظام الحكم المحلي والاقليمي، وبدأوا بتكوين مجلس مركزي ليكون مجلساً تشريعياً ودستورياً، ثم أقاموا مجلس المديريات المنتخبة. وجعلوا لكل مديرية موازنة مستقلة وهيئة تشريعية اقليمية.
صحيح أننا ورثنا الحكم المحلي من عهد الاستعمار البريطاني، لكنه كان خلال فترة البريطانيين أشبه بالمنتديات أو الجمعيات الأدبية. وكانت السلطة تتركز بيد المفتش الاداري البريطاني الذي كان هو المرجعية العليا في مديريته إدارياً وقضائياً. وأعتقد أن اللجنة التي طلب منها الفريق عبود تطوير الحكم المحلي برئاسة رئيس القضاء الراحل محمد أحمد ابورنات وضعت اللبنة الاولى لاحداث ثورة ادارية حقيقية، لكن اندلاع ثورة تشرين الاول 1964 حرم السودان من الافادة من مجهودها.
الفريق الفاتح بشارة
- حاكم اقليم كردفان غرب السودان سابقاً وسفير السودان السابق لدى المملكة العربية السعودية.
- ولد العام 1932في مدينة الأُبيِّض عاصمة اقليم كردفان.
- تعلم في مدرسة الخرطوم الأميرية، والتحق بثانوية حنتوب، ونقل الى ثانوية خورطقَّت ضمن فوجها الأول.
- التحق بالكلية الحربية التابعة ل "قوة دفاع السودان" العام 1952، وتخرج ملازماً ثانياً العام 1954 ضمن أول دفعة من الضباط كان عددهم 14 تخرج في عهد الحكم الوطني.
- ابتعث في كانون الثاني يناير 1956 مع 14 ضابطاً الى مصر للتخصص في مختلف أنواع الأسلحة.
- نقل الى سلاح المدفعية حتى أيار مايو 1959 عندما اختاره رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائد العام وزيرالدفاع ورئيس مجلس الوزراء الفريق ابراهيم عبود مديراً لمكتبه، وبقي في منصبه حتى تنحية الرئيس عبود العام 1964.
- بعد ثورة 1964 عين رئيساً لأركان حامية الخرطوم، ثم نقل قائداً لحامية ياي في المديرية الاستوائية الجنوبية. ثم انتدب للدراسة في كلية الاركان البريطانية حتى 1966.
- عين معلماً في كلية الاركان السودانية ثم مديراً لها. واختير نائباً لرئيس هيئة الاركان العامة حتى إحالته الى التقاعد في 1976.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.