نخبة الخيل الأبطال تتنافس على كأسي سمو ولي العهد يحفظه الله بميدان الملك عبدالعزيز بالرياض    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر نوفمبر 2025    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمحافظة    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي رئيس وفد العلاقات مع دول شبه الجزيرة العربية في البرلمان الأوروبي    ماكرون يلتقي شي جينبينغ لبحث الملف الأوكراني والتجارة    "يونا" تستضيف اجتماع الطاولة المستديرة حول التعاون الإعلامي بين روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي    ختام فعاليات مؤتمر حائل الدولي لطب نمط الحياة .    الخارجية الفلسطينية ترحب ببيان قادة مجلس التعاون الخليجي    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عنه.. أمير الرياض يكرّم الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    الشركة السعودية البحرينية للاستثمار وممتلكات توقعان اتفاقية لتعزيز التعاون والاستثمار في قطاعات استراتيجية    جامعة الأمير مقرن تُقيم حفلها الختامي لفعالية "هاكثون أنسنة المدينة"    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    أمير تبوك يُكرّم مواطنًا تقديرًا لموقفه الإنساني في التبرع بكليته لابنة صديقه.    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    حضور قائد    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه    وزير الموارد البشرية: 2.5 مليون موظف سعودي في القطاع الخاص    ولي العهد في برقيتي شكر لملك البحرين وولي عهده: «القمة الخليجية» ناجحة ونتائجها إيجابية    ضمن منافسات المجموعة الأولى لكأس العرب.. تونس تتطلع للتعويض وفلسطين للتأكيد.. وقطر تصطدم بسوريا    تسحب الجمعة في واشنطن بحضور كوكبة من المشاهير.. العالم يترقب قرعة مونديال 2026    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يبحثان التعاون المشترك والمستجدات    مدرب فلسطين: نحترم تونس    جمعية لمصنعي الآلات والمعدات    ضبط 760 كجم أسماكاً ودواجن فاسدة بعسير    نائب وزير العدل: 8.5 مليون مستفيد من خدمات «ناجز »    كشافة شباب مكة يشاركون في تكريم الزهراني    "بر الرياض" تعقد جمعيتها العمومية وتطلق هويتها الجديدة وخطتها الإستراتيجية 2030    فرع الموارد البشرية بالمدينة المنورة يُقيم ملتقى صُنّاع الإرادة    المدينة تشهد تطويرًا متواصلًا للبنية التحتية    الكشافة وصناعة السلوك التطوعي    موجز    أسعار النحاس تسجل رقمًا قياسيًا جديدًا    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الملحقية الثقافية السعودية في الأردن تحتفل باليوم العالمي للإعاقة    تعاون سعودي – كيني لمواجهة الأفكار المتطرفة    فيصل بن مشعل : المرشدين السياحيين شركاء في إبراز الهوية السياحية للقصيم    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    الدخول الذكي يهدد نزلاء الشقق المفروشة عبر التطبيقات    سبع قمم يشارك في مهرجان البحر الأحمر    هرمونات تعزز طاقة المرأة العاملة    العفو الدولية تتهم قوات سودانية بارتكاب جرائم حرب في مخيم زمزم    توتر دبلوماسي متصاعد بين موسكو وأوروبا    الشباب والفتيات جيل يتحمل المسؤولية بثقة ونضج    افتتاح متحف زايد الوطني في أبوظبي    نقاط خدمة جديدة لحافلات المدينة    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    3 ملايين مخطوطة تتصدر حديث ثلوثية الحميد    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة في بحر - مجنون جلنار
نشر في الحياة يوم 16 - 02 - 1998

مضى ميشال طراد، في عزّ ثمانيناته، يلفّه النسيان. مات، كما عاش الجزء الأكبر من حياته، بعيداً عن ضوضاء المدينة، وجعجعة الحياة الثقافيّة، وأضواء الموض الكاذبة التي لا يدخل دائرتها شاعر إلا ويفقد شيئاً من روحه. من عزلته الريفيّة، في البيت الزحلاوي ذي السقف القرميدي الذي ورثه عن جدّه، رأى العالم يشفّ ويتحرّر من أعبائه الأرضيّة فلا يبقى منه سوى الرياحين والقمر وجبل صنّين... وسائر مفردات معجمه القروي.
ميشال طراد هو الضيف العابر الذي خلّف بصماته على الأشياء، ورشّ أريجه على القصائد والكلمات، ثم اختفى تاركاً لآخرين أن يتربّعوا على عروش التكريس. الشاعر اللبناني الذي نقل القصيدة العاميّة، منذ الثلاثينات، من طور الزجل بتراكيبه الجاهزة وصياغاته النمطيّة إلى طور الشعر المشغول والمثقّف و"الفصيح"، غرف كثيرون من تجربته بدءاً بالرحابنة وسعيد عقل ووصولاً إلى طلال حيدر، لكنّه لم يصبح مؤسّسة، ولم ينل الاعتراف الذي يليق به، كما لم يعد شعره يعرف ما يستحقّه من الانتشار.
بقي الرجل في الظلّ، وراح يمّحي في عزلته النائية. قصائده الصادرة عن "منشورات لحد خاطر" في السنوات الأخيرة "وردة بإيد الريح"، "المركب التائه"...، لم يكن لها المذاق القديم نفسه. بدت صدىً بعيداً لمغامرة فريدة صفّّت الزجل من شفويّته فصار نصّاً مكتمل البناء، ووفّقت ببراعة بين العفويّة الملازمة للشعر الشعبي والمشاغل الجماليّة التي تعطي النصّ قيمته الأدبيّة. وهذا ما جعل أمين نخله صاحب "المفكّرة الريفيّة" يكتب مطلع الأربعينات أن شعر طراد "استطاع أن يقطع الطريق على الفصحى بالعاميّة"!
يذكر أدونيس في سيرته الشعريّة أنّه قرأ لميشال طراد منذ الأربعينات، قبل مجيئه إلى بيروت، في "القيثارة" التي كانت تصدر في اللاذقيّة. وفي العدد الأوّل من مجلّة "شعر" شتاء 1957، كانت قصيدته تجاور قصائد سعدي يوسف ونازك الملائكة ويوسف الخال وفؤاد رفقة وفدوى طوقان وأدونيس. لكنّ صاحب "جلنار" وصل إلى الناس عبر صوت فيروز، ولم يصبح يوماً من "محترفي الثقافة". وعندما صدرت مجموعته الأولى تلك سنة 1951، كان سعيد عقل الذي كتب مقدّمتها، قد سبقه بعام إلى اصدار "رندلى". وإذا بمارون عبّود الذي فضّل عفويّة الأوّل على تكلّف الثاني، يعتبر أن القرابة المزعومة بين الديوانين ليست ذات أهميّة تُذكر.
ولعلّ تجربة ميشال طراد الشعريّة، تجد أصداءها في حياة الرجل المكابر الذي عمل ما يزيد على ثلاثة عقود حارساً لقلعة بعلبك الأثريّة. وذات يوم كتب فؤاد سليمان منتهراً المسؤولين: "حنجرة هذا الشاعر العظيم تيبس بين عواميد المرمر... وهي أثمن من عواميد بعلبك الستّة... الحزينة لأن شاعرها يفني شبابه وغناءه في مقابل مئتي ليرة"! وعندما حاصره شتاء العمر، لا بدّ أن صاحب "ليش" و"دولاب" بقي يمضغ المرارة نفسها، بعد أن نسيه المثقّفون، وتجاهله الاعلام، وبخلت عليه السلطة بأدنى مراسم التكريم.
مع رحيله اليوم، نكتشف كم أن وظيفة "ناطور القلعة" تشبه ميشال طراد. ناطور الزمن الآخر والأسرار والكلمات التي لم تجد من يقولها. ناطور الوحدة، نصيب الشعراء. ناطور ذلك الحبّ المستحيل ل "جلنار" التي يخيّم طيفها الموجع على معظم قصائده. وسيبقى صوت "مجنون جلنار"، كما لقّبه ميشال جحا، ينبعث من مكان ما في معبد باخوس: "يا صبح روّج، طوّلت ليلك/خلّيت قلبي نارْ/ بلكي بتجي اختك تغنيلك/ بلكي بتجي جلنارْ...".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.