"ريمونتادا" مثيرة تمنح الرياض التعادل مع الفتح    محرز: هدفنا القادم الفوز على الهلال    "روشن 30".. الهلال في مواجهة التعاون والاتحاد أمام أبها    شراكة بين "البحر الأحمر" ونيوم لتسهيل حركة السياح    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    "جوجل" تدعم منتجاتها بمفاتيح المرور    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    تعاون "سعودي أوزبكي" بمجالات الطاقة    وزير الخارجية يستعرض استعدادات"إكسبو 2030″    بدء إصدار تصاريح دخول العاصمة المقدسة إلكترونياً    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    السودان يعيش أزمة إنسانية ولا حلول في الأفق    نائب وزير الخارجية يلتقي نائب وزير خارجية أذربيجان    «التجارة» ترصد 67 مخالفة يومياً في الأسواق    فصول ما فيها أحد!    أحدهما انضم للقاعدة والآخر ارتكب أفعالاً مجرمة.. القتل لإرهابيين خانا الوطن    وزير الدفاع يرأس اجتماع «الهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية»    سعودية من «التلعثم» إلى الأفضل في مسابقة آبل العالمية    «الاحتفال الاستفزازي»    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    ب 3 خطوات تقضي على النمل في المنزل    شَرَف المتسترين في خطر !    في دور نصف نهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة .. الهلال يتفوق على النصر    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    تشيلسي يهزم توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لدوري الأبطال    مقتل 48 شخصاً إثر انهيار طريق سريع في جنوب الصين    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    قصة القضاء والقدر    تعددت الأوساط والرقص واحد    يهود لا يعترفون بإسرائيل !    كيفية «حلب» الحبيب !    ليفركوزن يسقط روما بعقر داره ويقترب من نهائي الدوري الأوروبي    اعتصامات الطلاب الغربيين فرصة لن تعوّض    من المريض إلى المراجع    رحلة نجاح مستمرة    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    «التعليم السعودي».. الطريق إلى المستقبل    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    "التخصصي" العلامة التجارية الصحية الأعلى قيمة في السعودية والشرق الأوسط    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    ما أصبر هؤلاء    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    هكذا تكون التربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوتر يتصاعد بين أديس أبابا والخرطوم . اكتمل حصار السودان فهل تنفجر الحدود ؟
نشر في الحياة يوم 22 - 01 - 1996

عندما أذاع الفريق عمر حسن أحمد البشير بيانه الأول العام 1989 قال ان من ضمن ما حمله على الانقلاب على الحكومة المنتخبة ديموقراطياً تحسين علاقات السودان مع دول الجوار. وقبل ان ينقضي العام الاول للانقلاب بدأت مصر تتوجس من النظام السوداني، وبلغ التوتر حداً دفع السودانيين الى تعبئة صفوفهم لمجاهدة جيرانهم الشماليين في مثلث حلايب الحدودي.
وبعد شهر عسل لم يستمر طويلاً ضاق العقيد معمر القذافي ذرعاً بالتحالف العسكري الاسلامي الذي يحكم السودان، وتوقفت المساعدات والامدادات الميسّرة، وانتهى الامر بطرد نصف مليون سوداني من الجماهيرية الليبية.
وبعدما بدا ان الخرطوم ضمت جارها الجنوبي الرئيس الاوغندي يوري موسوفيني تحت عباءتها، واحتوت جارها الجنوبي الآخر الرئيس الكيني دانيال أراب موي، طفا على السطح توتر دفع كمبالا الى قطع علاقاتها مع الخرطوم، وهبط بالعلاقات مع كينيا الى أدنى مستوياتها.
وشيئاً فشيئاً بدأت البوابات الحدودية السودانية تنسد بوجه حكومة "ثورة الانقاذ الوطني". ولم تلبث ان خسرت علاقاتها مع اريتريا. اما علاقاتها مع جارتها الغربية تشاد فيسودها توتر شديد. وكانت افريقيا الوسطى وزائير المجاورتان للسودان قد اتهمتاه باجتياز حدودهما لضرب مناوئيه الجنوبيين.
البوابة الحدودية الوحيدة التي ظلت سلطات الخرطوم تراهن على بقائها مفتوحة هي الحدود مع اثيوبيا. غير ان رفضها التعاون مع أديس أبابا في شأن تسليم المتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك نسف جدران تلك البوابة، ونقل النزاع بين الحليفين السابقين الى مجلس الامن وتبادل اتهامات بشن هجمات مسلحة.
هكذا أحكم "الانقاذيون" السودانيون الحصار على أنفسهم، واستعدوا الدول التسع المحيطة ببلادهم. وبدأوا سباقاً رهيباً مع الزمن بين محاولة الحيلولة دون تفجر البوابة الحدودية الشرقية ومناطح يريد اقناع السودانيين بأن "العزلة المجيدة" خير للبلاد وأبقى للنظام.
هل ستنجح الديبلوماسية السودانية في تلافي ما يهدد النظام والبلاد؟ أم ان مصيراً مشابهاً لما حل بليبيا والعراق ينتظر السودان؟ وهل ستنجح المعارضة السودانية في تنفيذ تهديداتها باسقاط النظام قبل انقضاء هذه السنة مستفيدة من تدهور العلاقات بين السودان والدول المجاورة له؟
تتوالى الاسئلة وعلامات الاستفهام من تفاقم التوتر بين السودان واثيوبيا الذي بدأ الشهر الماضي بشكوى اثيوبية الى مجلس الأمن في شأن امتناع الخرطوم عن تسليم المتهمين الثلاثة. وفيما بدا ان اثيوبيا نجحت في اقناع الدول الاعضاء بعدالة قضيتها ضد السودان، فاجأت الخرطوم العالم بالادعاء ان قوات اثيوبية احتلت نقاطاً حدودية سودانية. وما لبث السودان ان اعلن تعبئة جهوية في الشرق، ويتوقع ان يعقبها بتعبئة تشمل كل ارجاء البلاد.
وفيما اكتفت اثيوبيا بايفاد نائب وزير خارجيتها لمتابعة شكواها الى مجلس الامن، ارسل السودان وزير خارجيته المحامي علي عثمان محمد طه الى نيويورك حيث يبدو ان الكفة ليست راجحة لمصلحته. ويتوقع خصوم النظام الاسلامي السوداني ومعارضوه ان تنتهي المشادة الحالية بين البلدين المتجاورين بفرض عقوبات من شأنها التعجيل بسقوط الحكومة السودانية.
إرث العداء المتبادل
هل يجوز اعتبار التوتر الحالي في العلاقات بين السودان واثيوبيا جزءاً من ارث عداء متبادل منذ عهود غابرة؟ هل يصب، مثلاً، في خانة التحرشات التي حدثت بين الدولة المهدية في السودان وامبراطور الحبشة في القرن التاسع عشر؟ ام هو اشبه بالعداء بين نظام الرئيس الاثيوبي السابق منغيستو هايلي مريام ونظامي الرئيسين السودانيين جعفر نميري وعمر البشير والذي انتهى باطاحة الحكومة الاثيوبية التي قضت على الامبراطور هيلاسلاسي؟
تاريخ العداء بين اثيوبيا والدولة السودانية قديم قدم هاتين الدولتين. غير ان روابط المحبة والمودة بين شعبي البلدين كبيرة وعميقة، حتى انهما عندما يتصافيان كأنما يمسحان الدم والثأر والخصومات التي تعكر ماء النيل الأزرق الذي يربطهما منذ الأزل. لكن القادة دائماً لا ينسون شيئاً في سياق تسابقهم للفوز بالموقع الأقوى.
لم ينس الرئيس نميري ان "قوة دفاع السودان" - نواة الجيش السوداني - أمنت للامبراطور هيلاسيلاسي استعادة عرشه العام 1941، وفتحت له الطريق حتى العاصمة اديس ابابا. لذلك استغل تلك المآثر ليطلب منه تسوية قضايا الحدود المعلقة بين البلدين منذ القرن التاسع عشر. وبقيت اثيوبيا ترفض الاعتراف بالحدود التي رسمتها السلطات البريطانية، التي كانت تستعمر السودان، منذ العام 1902. ونجح نميري في اقناع الاثيوبيين بتوقيع اتفاق ثنائي في 18 حزيران يونيو 1972 وضع حداً للنزاعات الحدودية.
وكان هيلاسيلاسي قرر قبل ذلك رد الجميل للبلاد التي أوته وعاونته برعاية محادثات السلام التي اسفرت عن توقيع اتفاق أديس أبابا، بين الثوار الجنوبيين السودانيين وحكومة الخرطوم، في 3 آذار مارس 1972. وبعد شهر عسل لم يدم طويلاً بين نظام نميري والرئيس السابق منغيستو الذي أطاح هيلاسيلاسي العام 1974 عاد البلدان الى سيرة العداء القديمة.
بعدما قضى منغيستو على منافسيه في الداخل، كرس طاقات حكومته للقضاء على الثورة الاريترية. وبعد مضي سنوات فشلت حملاته العسكرية في حرق الارض الاريترية. وخلص الى ان لجوء الاريتريين الى السودان، وما يلقونه من مساعدات من الخرطوم، لا يمكن تعليله الا باعتباره مطعماً سودانياً في تدمير اثيوبيا. ونشط اثر ذلك في احتضان "الجيش الشعبي لتحرير السودان" الذي يتزعمه العقيد جون قرنق.
ويرى قادة الجبهة الاسلامية القومية التي تحكم السودان حالياً ان دعم منغيستو ل "الجيش الشعبي" أتاح للأخير ان يسيطر على 90 في المئة من أراضي جنوب السودان، ووفر له امكانات نقل النزاع المسلح الى جبال النوبة ودارفور في غرب البلاد، بل هيأ له تهديد خزان الرصيرص الذي تعتمد عليه التنمية اعتماداً كبيراً. ويرون ان منغيستو كاد ان يحكم تطبيق استراتيجية لكسر شوكة السودان ابان العهد الديموقراطي الذي أعقب سقوط نميري.
لذلك عندما نجح قرنق في التوصل الى اتفاق سلام مع الزعيم السوداني السيد محمد عثمان الميرغني في أحد فنادق اديس أبابا، في تشرين الثاني نوفمبر 1988، يقضي بتجميد تطبيق الشريعة الاسلامية، دبرت الجبهة الاسلامية انقلاب حزيران يونيو 1989 الذي قاده الفريق عمر حسن البشير.
عملية حجاب ضد منغيستو
يقول الدكتور حسن مكي احد كبار منظّري الجبهة والنظام السودانيين، وهو خبير في شؤون القرن الافريقي: "استخلص النظام الجديد في السودان ان اثيوبيا في حالة اختناق، وان ما يشفع لها هو تردد السودان في اتخاذ تدابير شاملة تجاهها، وما ان أرسى هذا ركائز استراتيجية بدعم حركة الثورة والمقاومة الاثيوبية حتى اخذ النظام الاثيوبي يتهاوى". ويكشف ان الاستخبارات العسكرية السودانية نسقت العام 1990 "عملية حجاب" ضد قوات منغيستو، ونفذتها "قوات مشتركة من الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا وجبهات تحرير التيغراي والارومو وبني شنقول".
وبعدما تولى الثوار الحكم في أديس أبابا وأسمرا كان السفير السوداني اهم شخصية اجنبية، وكان ضابط الاستخبارات السوداني اللواء الفاتح محمد احمد عروة اكثر الاجانب نفوذاً في أثيوبيا. وخلال شهر العسل الذي لم يدم طويلاً ايضاً تمكن عروة ومعاونوه من شبان الجبهة الاسلامية القومية من فتح طرق داخل الاراضي الاثيوبية لمهاجمة قوات قرنق في غابات الجنوب السوداني.
ونجح جعفر حسن صالح سفير السودان في اريتريا، وهو ضابط استخبارات سابق كان يرأس احدى وحدات جهاز الأمن ابان حكم نميري، في بسط نفوذ سوداني بلغ مداه بتزويد الاريتريين كميات ضخمة من محصول الذرة السوداني، وتحرير تجارة الحدود حتى غدا الجنيه السوداني العملة الاقوى في كل ارجاء الدولة الوليدة. ونشطت الجبهة الاسلامية في نشر عدد كبير من مناصريها للقيام بمهمات امنية تحت ستار وظائف ديبلوماسية وصحافية واغاثة في العاصمتين الاريترية والاثيوبية.
قال هبتوم قبرمايكل القنصل العام لدولة اريتريا في لندن ل "الوسط": "كان السودان اول دولة تفتتح سفارة تمثلها في اسمرا بعد اعلان الاستقلال. وبدأنا تعاوناً وثيقاً. وسعينا الى تعزيز العلاقات. لكن تلك المساعي لم تحرز تقدماً يذكر لأننا اكتشفنا ان حكومة الجبهة الاسلامية القومية كانت تملك بنوداً خفية تعمل على تنفيذها تحت ستار جودة العلاقات بين بلدينا. وأرسلنا وفوداً عدة الى الخرطوم لنبلغ السلطات السودانية بموقفنا، فتمسكت بالنفي. وفي آخر لقاء جمع الرئيس اسياس افورقي بالفريق البشير في تيغراي العام 1993 ذكر الأول للرئيس السوداني ان اريتريا تملك أدلة قاطعة على ان حكومته تستعين بعناصر مغاربية وافغانية لمساعدة حركة الجهاد الاريترية".
وأوضح الديبلوماسي الاريتري ان تلك "البنود الخفية" لا تستهدف اريتريا وحدها، "فهناك سياسات سودانية واضحة لمساعدة الاسلاميين للسيطرة على الحكم في أوغندا وكينيا وجيبوتي ومصر وتشاد والصومال. كل من هذه الدول تعاني توتراً في علاقاتها مع حكومة الجبهة الاسلامية السودانية وليس الأمر مجرد اتهامات اريترية كما تحاول الخرطوم تصوير المسألة".
وعندما أعلن الرئيس افورقي قطع علاقات بلاده الديبلوماسية مع السودان، تردد في اوساط ديبلوماسية ان تطوراً مماثلاً ينتظر العلاقات السودانية - الاثيوبية. والتزم ملَّس زيناوي الرئيس الاثيوبي الموقت آنذاك رئيس الوزراء حالياً صمتاً مطبقاً حيال تلك التكهنات. غير ان وزير خارجيته سيوم مسفين اكد، في تصريحات صحافية، ان توتراً شديداً يسود العلاقات مع الخرطوم.
وبدا ان السودان قرر الرد على تصريحات مسفين بتهديد صامت، اذ توجه الفريق البشير الى منطقة الدمازين القريبة من الحدود الاثيوبية ليشهد تخريج عشرات الآلاف من مجاهدي "قوات الدفاع الشعبي" ميليشيا ترعاها الحكومة. وكانت تلك رسالة واضحة الى القادة الاثيوبيين تحذرهم من ان الجبهة ستزج بكل امكاناتها في معركة فاصلة ضد بلادهم.
تدريب الأرومو والعفر
ولكن هل تملك الخرطوم "بنوداً خفية" ايضاً ضد اديس ابابا؟ يقول عادل سيد أحمد عبدالهادي رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي السوداني المعارض في بريطانيا: "تدرك الحكومة الاثيوبية الحالية امكانات نظام الجبهة الاسلامية اكثر من غيرها، اذ نشطت الجبهة خلال الفترة 1990 - 1991 في تدريب عشرات الآلاف من مقاتلي الأرومو والعفر، ووقفت وراء حركتي تحرير قمبيلا وبني شنقول حتى اقنعت الرئيس زيناوي بادخالهما في عضوية الجبهة الثورية الديموقراطية لشعوب اثيوبيا".
ويضيف المعارض السوداني في حديثه الى "الوسط": "هناك تنظيمات اثيوبية عدة يسعى النظام السوداني الى استغلالها لفرض سيطرة المسلمين على الدورة الاثيوبية، ومنها: حركة تحرير قمبيلا وتتكون من قبيلتي النوير والأنواك الموجودتين اصلاً في السودان، وقومية القرافي، وقومية الهدية في اقليم سيدامو، وجبهة تحرير الصومال الغربي اوغادين، القيادة الشعبية الأرومية للجهاد والتحرير، جبهة تحرير العفر، الجبهة الاسلامية لتحرير اورومو. وعندما انغمست الجبهة الاسلامية القومية في مخططات اطاحة نظام منغيستو كانت تراهن على ان احلال نظام ثوري يؤمن بالتعاون بين القوميات سيحمل في نهاية المطاف المسلمين الى السلطة باعتبارهم اكبر القوميات في اثيوبيا. غير ان ذلك لم يتحقق بالنسبة الى عضوية البرلمان ولا الحكومة بدرجة تذكر.
وكان السبب المباشر لانفجار العلاقات بين الخرطوم واديس أبابا محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك. وبدا واضحاً ان اديس ابابا حرصت منذ البداية على التريث قبل اعلان اي نتائج لتحقيقاتها الأولية، ما حدا بالسلطات المصرية الى ابداء غضبها واطلاق اتهامات تناولت قيادات الامن الاثيوبي. وعندما أعلنت اثيوبيا بعد مضي اكثر من اسبوع على محاولة الاغتيال ان منفذيها مواطنون مصريون وليسوا سودانيين، عرضت وكالات الأنباء الصحافية والتلفزيونية الفريق البشير والدكتور حسن الترابي وهما يهتزان طرباً امام عشرات الآلاف من مؤيديهما في الخرطوم.
وبعد مضي شهر من وقوع المحاولة اوفدت اثيوبيا مسؤولاً رفيع المستوى اكد مسؤولون حكوميون في الخرطوم انه اكتفى بمقابلة مسؤول سوداني في قاعة كبار الزوار في مطار الخرطوم الدولي، ونقل الى السودانيين معلومات أمنية تفيد ان السودان يستضيف ثلاثة متهمين بمحاولة الاغتيال بينهم المتهم الأول محمد سراج، وان المتهمين افادوا من رحلات شركة الخطوط الجوية السودانية بين الخرطوم وأديس ابابا، ومن تسهيلات قدمتها اليهم الادارة السابقة لجهاز الامن السوداني التي كان يتزعمها الدكتور نافع علي نافع، وان اثيوبيا تريد تعاوناً سودانياً يتمثل في تسليم المتهمين الثلاثة طبقاً لاتفاق تبادل المجرمين الموقع بين البلدين منذ ثلاثة عقود.
وفيما بقيت الخرطوم تبدي استعداداً للتعاون، دأبت على نفي معرفتها بمكان وجود المتهم الاول الذي أقرت - لسبب غير معروف - بأنه دخل السودان اثر محاولة الاغتيال مباشرة، وتتمسك بأن المتهمين الآخرين لا وجود لهما في اراضي البلاد. وقال دانيال ترونخ، وهو ديبلوماسي اثيوبي يعمل في لندن، ل "الوسط": "لم يظهر السودان مطلقاً اي مبادرة تدل على نية اكيدة في التعاون، فحتى المتهم الوحيد الذي اقرت الحكومة بوجوده في البلاد لم نتسلمه. لذلك كان طبيعياً ان نختار انتهاج انجع السبل لبلوغ هدفنا وذلك باثارة الأمر على مستوى منظمة الوحدة الافريقية ومجلس الامن التابع للأمم المتحدة".
وأضاف: "ها نحن نسمع ان السودان يتهمنا بغزو اراضيه. هل يعقل ان تغزو دولة دولة اخرى والا تتناقل هذا التطور المثير سوى صحف الدولة المدعية واذاعتها في عالم منفتح اعلامياً كما هي حال العالم اليوم؟". وأكد الديبلوماسي الاثيوبي ان بلاده لا تريد شيئاً سوى تسليم المتهمين الثلاثة.
وسألته "الوسط" اي سياسة ستنتهجها بلاده اذا لم يتعاون السودان مع اي قرار قد يصدره مجلس الامن في شأن الشكوك الاثيوبية ضد الخرطوم، فأجاب: "نحن نقلنا المسألة برمتها الى الجبهة الديبلوماسية وقلنا من البداية اننا نحتفظ لأنفسنا بحق اتباع كل السبل الديبلوماسية لتحقيق ما نريده". وأكد ان ذلك يعني ضمنياً احتمال مطالبة ادريس ابابا بفرض عقوبات دولية على السودان، وهو ما تطالب به عواصم اقليمية والمعارضة السودانية.
وهل تملك الخرطوم "بنوداً خفية" ضد اثيوبيا؟ اجاب ترونخ: "النظام السوداني لا يحترم القانون الدولي والمعاهدات الناشئة عنه. ولديه أفكاره التي يعمل على نشرها في بلدان المنطقة. انها بنود علنية وليست خفية".
الدكتور علي الحاج وزير ديوان الحكم الاتحادي السوداني - وهو أحد أبرز قادة الجبهة الاسلامية القومية - قال ل "الوسط" ان اثيوبيا تنفذ "مخططاً مصرياً - أميركياً" ضد بلاده. ورجح "ان يرتد كيد الكائدين للسودان الى نحورهم". وتمسك بأن القوى الكبرى والاقليمية تخشى انتشار ما سماه "هذه الصحوة الاسلامية". وأضاف: "ليواصلوا مساعيهم كيفما شاؤوا، وسنواصل نحن في السودان مشاريعنا الخاصة بتطبيق الحكم الاتحادي واجراء الانتخابات النيابية والرئاسية. القافلة ستمضي باذن الله أياً كانت مخططات اعداء الاسلام والسودان".
الرد الاثيوبي
على رغم تعهد رئيس الوزراء الاثيوبي للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي عدم تصعيد الموقف مع السودان، فان امام اثيوبيا خيارات عدة جُرّبت في الماضي وليس ثمة ما يمنع من معاودة اللجوء اليها حاضراً. فقد اكد مسؤولون في تجمع المعارضة السودانية ان العقيد قرنق شارك في مؤتمر المعارضة الذي اختتم الاحد قبل الماضي في أسمرا اثر توقف في أديس أبابا. واذا صح ذلك فهي المرة الاولى التي تطأ فيها قدما قرنق المقر السابق لقيادته منذ ان ارغمته حكومة زيناوي نفسها على مغادرته مع قواته العام 1992. وتتحدث أنباء لم تتأكد بعد، واتهامات رددتها صحف حكومية سودانية، عن سماح السلطات الاثيوبية لقرنق باعادة استخدام المعسكرات السابقة لقواته قرب الحدود مع جنوب السودان.
غير ان معلومات اخرى تفيد ان اديس ابابا تفضل هذه المرة التعامل مع منافس قرنق الدكتور رياك مشار، وذلك بحكم انتماء الاخير الى قبيلة النوير التي توجد فروع منها داخل الاراضي الاثيوبية. وفي المعلومات ان مشار زار اديس ابابا الشهر الماضي والتقى فيها مسؤولين كباراً، ثم توجه الى مقر قيادته في مدينة الناصر في أعالي النيل. والملاحظ انه اعتاد على البقاء في العاصمة الكينية نيروبي، تاركاً لمعاونيه الاشراف على شؤون مقر القيادة.
وسألت "الوسط" ضابطاً سودانياً متقاعداً عن احتمالات الوضع على الحدود السودانية - الاثيوبية، فقال: توجد ثلاث فصائل صغيرة في نقاط تايا واللُّكدي وحمراية الرهد وباسندة، وهي اساساً قوات وضعت هناك لتعزيز النقاط الجمركية الحدودية. ولم تعرف تلك المناطق نزاعاً سودانياً - أثيوبياً منذ فترة طويلة. الا اذا كان النظام الحالي سيسعى الى جر اثيوبيا الى معركة مفتعلة لتبديد الانتباه الذي أثارته الشكوى الاثيوبية الى مجلس الامن.
على الصعيد الديبلوماسي السوداني، طالب عدد من اعضاء المجلس الوطني الانتقالي السوداني برلمان معين باجراء اتصالات لاستقطاب التأييد اللازم لنقل مقر منظمة الوحدة الافريقية من اثيوبيا باعتبارها "غير مؤهلة حالياً لاستضافته". غير ان المراقبين يستبعدون ان تحصل الخرطوم على تأييد افريقي يذكر، خصوصاً ان علاقاتها مع معظم دول الجوار ليست طيبة.
وحذرت صحف حكومية سودانية من ان النظام سيعمد الى تشغيل اذاعتين مناوئتين لكل من اريتريا وأثيوبيا. ولم يستبعد متابعون للشأن السوداني ان تلجأ السودان الى ارغام بقية اللاجئين الاثيوبيين والاريتريين الى دخول معسكرات "أصولية" استعداداً لشن هجمات على اراضي البلدين المجاورين. غير ان ذلك سيفتح باباً واسعاً امام اسمرا واديس ابابا لتوفير قواعد عسكرية للجماعات السودانية المسلحة المناهضة للحكومة، خصوصاً "الجيش الشعبي لتحرير السودان"، و "مؤتمر البجا" كبرى قبائل شرق السودان، و "قوات اريتريا استضافت الاجتماع الاخير للقيادة العليا ل "التجمع الوطني الديموقراطي" الذي قرر تشكيل لجنة عليا عسكرية سياسية لتصعيد العمل المسلح لاسقاط حكم الفريق البشير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.