لا عجب أن يكون بابلو بيكاسو عبّر عن استيائه من كتاب فرانسواز جيلو عند صدوره. فالفنّانة التي عرفت صاحب "غيرنيكا" عن كثب، وضعت شهادتها بمساعدة الكاتب كارلتون ليك متناولة تفاصيل حميمة من الحياة اليومية للرسّام الاسباني البارز. وغطّى الكتاب الذي عنوانه "حياتي مع بيكاسو"، مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي بعد أن كان بيكاسو تربّع على عرش شهرة لا يضاهيه فيها جورج براك، ولا خوان ميرو، ولا حتّى ماتيس في آخر حياته حين صادقه وتبادلا النصح والمحبّة. وأهمية هذه الشهادة التي نقلتها أخيراً إلى العربية الشاعرة والناقدة العراقية مي مظفّر "دار المأمون"، أنها تعرّي بيكاسو من هالته الاسطورية، لتظهره انساناً عادياً، يأكل ويشرب ويتفوّه بأشياء نابية ويغضب ويحسد ويفشل. بل أن المؤلفة تمادت في اظهار أبسط عيوبه في الفنّ والحياة. فهي تتذكّر أدق التفاصيل، وتستعيد أحاديثه معها شخصياً أو مع أصدقائه وزملائه أو حتّى مع خادمته وسائقه الخاص. ويسلّط الكتاب الضوء على جوانب أساسية في شخصية بابلو بيكاسو، كما يقدّم مفاتيح لا بدّ منها لدخول عالمه الفنّي والتعمّق في تجربته الفنية والثقافية والسياسية والانسانية الغنية والمتنوعة. هكذا تعبر شخصيات بارزة مثل بول إيلويار ولوي أراغون وروبنشتاين وبراك وميرو وجياكوميتي وغيرهم ممن كان الرسام على علاقة وثيقة بهم. كما تكشف فرنسواز جيلو تفاصيل عن طريقة عمل بيكاسو: متى ينام ومتى يرسم، وماذا يحبّ أو يكره، مم يتشاءم، ماذا يحزنه؟... فاذا بالقارئ يعيش مع بيكاسو، يقترب من شخصيته ويقاسمه أشياءه الحميمة. ولا شك أن الجهد الذي بذلته مي مظفّر لاغناء المكتبة العربية بنوع من الكتب تفتقر إليه غالباً، يستحق الثناء، في هذا الزمن الطارئ والعابر الذي يشهد اغتيال الاحلام.