70 في المئة من المدمنين شباب وشمة واحدة تؤدي الى الادمان الذي يتلف خلايا المخ، والترويج للمخدرات انتقل من أزقة الاحياء الشعبية الى نوادي الأحياء الراقية. اما العلاج فيجب ان يتعاون عليه الطبيب والمريض والعائلة، والوقاية من مسؤولية الاسرة لأن العودة الى الادمان اسهل من البداية فيه. تؤكد دراسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر ان نحو 70 في المئة من مدمني المخدرات هم من الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 15 و35 عاماً، وأن نحو 17 في المئة من طلاب الجامعات المصرية جربوا انواعاً مختلفة من المخدرات، ثم اصبحوا من المدمنين عليها. اما الفتيات المدمنات فتصل نسبتهن الى حوالى عشرة في المئة، وفي ضوء هذه الحقائق التي لم يكن لها وجود بهذه الحدة، قبل منتصف الثمانينات، انتشرت في مصر في السنوات الأخيرة مراكز علاج الادمان الحكومية والخاصة، وإن كان معظمها لا يزال يتركز في العاصمة. ونحو 50 في المئة من المترددين على هذه المراكز هم من طلبة المدارس والجامعات. وبلغ عدد الذين دخلوا قسماً صغيراً لعلاج الادمان في احد المستشفيات الحكومية في القاهرة خلال العام الماضي 1200 شخص، 35 في المئة منهم من مدمني الهيرويين، وبعض هؤلاء لا يزيد عمره على 15 عاماً. احمد 22 عاماً أهمل دراسته في كلية التربية الرياضية ففصل منها، وبعد ان تمادى في ادمانه لعقار الماكسون فورت تبدل حاله تماماً، بحيث لم يترك شيئاً ثميناً في بيت اسرته الميسورة الا باعه ليواجه نفقات ادمانه. وعندما حاولت والدته، اثناء احدى نوبات هياجه، التصدي له ضربها، فلم يجد اقاربه وجيرانه بداً من نقله رغماً عنه الى قسم علاج المدمنين في هذا المستشفى الحكومي الذي لا يكلف اهل المريض سوى مبالغ رمزية، ولم يكن من الممكن ادخاله الى مستشفى خاص بعد تبديده ثروة أهله. س. و. 18 سنة طالبة في الثانوية العامة اعتادت ان تذاكر دروسها مع صديقة لها في بيتها، وكانت تنتابها حالات توتر ربما بسبب خوفها من الامتحانات فأشارت عليها صديقتها بتناول قرص واحد يومياً من اقراص "ميديدكس" المهدئة. وبعد ان فقد القرص اليومي تأثيره ضاعفت الجرعة الى قرصين وثلاثة وأخيراً خمسة أقراص، وبعد ثمانية أشهر فقدت المسكينة قدرتها تماماً على النوم بعد أن أدت الاقراص المخدرة الى توقف الغدد الصماء عن عملها. فضل الموسيقى ويقول الطبيب ممدوح وهبة "لاحظت عند متابعتي للمرضى في قسم علاج المدمنين في المستشفى الخاص الذي أعمل فيه ان أحد المرضى ينزوي أغلب وقته وحيداً، ولم ألاحظ أي اعراض استجابية لتوقفه عن تناول المخدرات. وهذا أثار دهشتي وفضولي، وحينما تابعته وجدته يهزأ من أي محاولة علاجية. وعند التدقيق في ملفه وجدت انه شخص عدواني وسبق خضوعه غير مرة للعلاج فحاورته بحرص لأعرف اسباب وقوعه في براثن الادمان فعرفت انه موسيقي وأن عمله في أحد الملاهي الليلية يحقق له مكاسب كبيرة وأنه انغمس تدريجياً في الادمان على المخدرات بكل انواعها". ويضيف الدكتور وهبة "عرفت أشياء كثيرة عن مريضي هذا ولكني لم اعرف لماذا لم يستجب للعلاج، رغم انه لا يغادر المستشفى أبداً. وذات مرة زارني في المستشفى صديق ملحن فطلبت منه ان يعزف على عوده للترويح عن المرضى، وبعد انتهاء العزف طلب مني المريض ان أحضر له عوداً ليعزف عليه فلبيت طلبه ولاحظت في الأيام التالية مدى سعادته وهو يعزف وسط زملائه المرضى. وذات ليلة فوجئت به يقدم لي كيساً مملوءاً بالاقراص المخدرة قال انه ادخله معه الى المستشفى من دون ان يشعر أحد بذلك وكان يتناول منه حبات منتظمة في الخفاء. وهذا هو السر في أنه لم يكن يستجيب للعلاج المضاد، فهنأته مشجعاً وأتلفت الاقراص امام عينيه ولم أرَ عضلة واحدة تختلج في وجهه، رغم ان قيمتها المادية تبلغ حوالى 800 جنيه". برنامج العلاج ولكن كيف يبدأ برنامج العلاج الطبي للمدمن؟ تقول الدكتورة زينت البشري استاذة الطب النفسي ورئيسة مركز علاج الادمان التابع لجامعة عين شمس "ادمان مشتقات الافيون ومنها الهيرويين والكوكايين هو الأكثر خطورة، اذ ان شمة واحدة، او شمتين على الأكثر، كفيلة بتحويل اي شخص الى مدمن. ولا يعني هذا ان الحشيش مثلاً لا يسبب اضراراً بالغة كما يعتقد كثيرون، اذ ان تناوله فترة طويلة يؤدي الى اتلاف خلايا المخ. وادمان الشاب يأتي عادة عبر اصدقاء السوء، اما الفتاة فتقع فيه اما عبر القريبين منها في محيط الاسرة مثل الأم او الزوج، او عبر صديق او صديقة من خارج الاسرة. ويبدأ البرنامج اليومي لعلاج المدمن بمنع المخدر عنه تماماً. ويشمل العلاج عقاقير تساعد المدمن على تخطي الاعتياد النفسي على المواد المخدرة، وهي مواد بديلة لا تؤدي الى الادمان، كما يشمل عقاقير تساعده على التخلص من المخدر الذي تشبع به جسمه وتشبعت به خلاياه. وبعد تخطي مرحلة "نزول الكيماويات" من الجسم - وهذه تستغرق حوالى أربعة أيام - تبدأ مرحلة العلاج النفسي والسلوكي فردياً وجماعياً، حتى يكره المريض المواد المخدرة التي كان يتعاطاها وينفر منها. وبعد ذلك نقوم بتدريب أسرة المدمن على كيفية معاملته بعد خروجه من المستشفى ليستأنف دراسته أو عمله في صورة طبيعية". وتؤكد الدكتورة البشري عدم صحة ما يشاع عن استحالة شفاء المدمن من ادمانه، وتقول "ان فترة العلاج الطبي يجب ألا تقل عن شهرين الكلفة اليومية للمريض في المستشفيات العامة تبلغ حوالى 140 جنيهاً وبعد انقضاء فترة العلاج في المستشفى يصبح الأمر متعلقاً بارادة الشخص نفسه، فاذا كانت هذه قوية فانه لن يعود الى الادمان مجدداً، ولذلك يجب على المدمن والاشخاص المحيطين به ان يكونوا على دراية كاملة بالأسباب التي اوقعته في براثن الادمان، ومن ثم عليه ان يساعد نفسه وان تساعده الأسرة على الابتعاد تماماً عن تلك الأسباب. وفي الأسابيع الأولى من العلاج نمنع اهل المدمن وأصدقاءه من زيارته تماماً حتى لا يراه احد وهو يتعذب من جراء انسحاب المواد المخدرة من جسده، فيقرر قريب له بدافع الشفقة مثلاً اخراجه من المستشفى قبل اكتمال برنامج العلاج. ويحدث كثيراً أن يتصل احد المرضى بأهله بطريقة ما فيأتي هؤلاء ويصرون على اصطحابه الى البيت قبل ان يكتمل العلاج فلا نجد مفراً من أن نسلمه اليهم رغم اننا نعلم انه حتماً سيعود مرة اخرى". وتضيف الطبيبة البشري "اذا كان برنامج العلاج يتضمن نشاطاً ترويجياً كأن يمارس المدمن في حديقة المستشفى احدى الرياضات التي يحبها مثل كرة الطاولة او الشطرنج، ونشاطاً معيناً كالرسم او العزف على آلة موسيقية او العمل على نول لغزل النسيج فان خبراء علاج الادمان ينصحون بأن يمتد هذا النشاط الترويجي والمهني لفترة لا تقل عن ستة اشهر في مصح مختص بعد انتهاء فترة العلاج الطبي. الا ان الواقع يؤكد ان مصر لا تزال تفتقر الى مثل هذا النوع من المصحات، فضلاً عن انها ستكون مكلفة للغاية ولن يكون فيها مكان لمتوسطي الحال". الوقاية خير من العلاج ويرى الدكتور حامد زهران استاذ الصحة النفسية في كلية التربية في جامعة عين شمس ان "الوقاية خير من العلاج". وان الاسرة المستقرة نفسياً واجتماعياً لا يمكن ان تفرز شخصاً مدمناً والشخص الذي تكسبه التربية الاجتماعية والدينية السليمة ارادة قوية لا يمكن ان يقع فريسة سهلة للادمان. ويضيف "ان الاسرة المفككة هي بيئة طبيعية للجنوح نحو الادمان، وبعد ذلك فلا بد ان ينتبه الجميع الى انه لا يصح ان يعامل المدمن على انه مجرم، لأنه في الحقيقة شخص مريض في حاجة شديدة الى من يساعده على التخلي عن محنته التي لم يصنعها بنفسه وإنما هو غالباً تعرض لها تحت ضغوط ساهم في تشكيلها آخرون". وتأكيداً لمبدأ "الوقاية خير من العلاج" تقول الدكتورة عزة كريم خبيرة شؤون الاسرة في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية "ينبغي ألا يتردد الأبوان اذا لاحظا ان ولدهما يختلط برفاق سيئين في ان يمنعاه بحزم عن ذلك، واذا كانا غير قادرين على هذا فيجب ان يحيلا الابن والمشكلة على اقرباء يحبهم ويحترمهم هذا الابن". وتنصح الدكتورة عزة كريم بأن يعمل الآباء على ملء الفراغ في حياة ابنائهم، وذلك "بتنمية هواياتهم وتنمية الواعز الديني في نفوسهم بشكل غير متشدد". وتحذر من "أن العودة الى الادمان اسهل بكثير من الانسياق نحوه للمرة الأولى". وتقول "في كثير من الحالات تكون الاسرة عاجزة تماماً عن وقاية احد افرادها من ادمان المخدرات، او حتى مساعدته بشكل فاعل في التخلص من الادمان، فما الذي يمكن ان تفعله الاسرة حيال مروجي "السموم البيضاء" الذين انتقل نشاطهم اخيراً من المقاهي والازقة في الاحياء الشعبية الى الاندية الرياضية والاجتماعية في الاحياء الراقية؟ وماذا يمكن ان تفعل الاسر المحدودة الدخل ازاء معاناة الابناء من البطالة او من ضيق ذات اليد امام حاجات ضرورية، مثل تأسيس شقة للزواج او الحصول على وظيفة تناسب المؤهل الدراسي الذي اجتهد لسنوات طويلة من اجل الحصول عليه؟ هذه مسؤولية الدولة والمجتمع وليست مسؤولية الاسرة فقط".