«التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول أمطار بعدد من المناطق ورياح نشطة في الشمال    حبس البول .. 5 آثار أبرزها تكوين حصى الكلى    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    رئيس وزراء اليونان يستقبل العيسى    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    الفضلي: «منظمة المياه» تعالج التحديات وتيسر تمويل المشاريع النوعية    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    برعاية الملك.. انطلاق مؤتمر مستقبل الطيران في الرياض.. اليوم    جائزة الرعاية القائمة على القيمة ل«فيصل التخصصي»    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    وزير الخارجية يبحث ترتيبات زيارة ولي العهد لباكستان    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    المملكة تؤكد استعدادها مساعدة الأجهزة الإيرانية    «أسمع صوت الإسعاف».. مسؤول إيراني يكشف اللحظات الأولى لحادثة «الهليكوبتر»!    جائزة الصالح نور على نور    مسابقة رمضان تقدم للفائزين هدايا قسائم شرائية    هاتف HUAWEI Pura 70 Ultra.. نقلة نوعية في التصوير الفوتوغرافي بالهواتف الذكية    تأجيل تطبيق إصدار بطاقة السائق إلى يوليو المقبل    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    تنظيم مزاولة مهن تقييم أضرار المركبات بمراكز نظامية    أمير تبوك يرأس اجتماع «خيرية الملك عبدالعزيز»    «الأحوال المدنية المتنقلة» تقدم خدماتها في 42 موقعاً حول المملكة    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    جهود لفك طلاسم لغة الفيلة    تأملاّت سياسية في المسألة الفلسطينية    165 ألف زائر من بريطانيا للسعودية    "إنفاذ" يُشرف على 38 مزادًا لبيع 276 من العقارات والمركبات    الاشتراك بإصدار مايو لمنتج «صح»    5.9 % إسهام القطاع العقاري في الناتج المحلي    الخارجية: المملكة تتابع بقلق بالغ ما تداولته وسائل الإعلام بشأن طائرة الرئيس الإيراني    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    المتحف الوطني السعودي يحتفي باليوم العالمي    من يملك حقوق الملكية الفكرية ؟!    وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    بختام الجولة ال 32 من دوري روشن.. الهلال يرفض الهزيمة.. والأهلي يضمن نخبة آسيا والسوبر    يوم حزين لهبوط شيخ أندية الأحساء    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    «الخواجة» نطق.. الموسم المقبل ضبابي    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    الانتخابات بين النزاهة والفساد    تحقيقات مع فيسبوك وإنستغرام بشأن الأطفال    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    سقوط طائرة هليكوبتر تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية    الديوان الملكي: خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية    انقسام قادة إسرائيل واحتدام الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تفتح ملف المدينة العربية التي ترشح نفسها للحلول مكان "هونغ كونغ" ص. دبي خائفة على الماضي وحائرة في الحاضر وقلقة من ... المستقبل
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 1997

ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الشارع في دولة الامارات العربية المتحدة عن مخاوف تقلق الجميع تتعلق بالتركيبة السكانية وذوبان المجتمع المحلي في اطار أكثر من تسعين جنسية من مختلف الأجناس والأعراق تعيش على أرضها، لكنها المرة الأولى التي يتحول فيها هاجس الرأي العام الى مادة أساسية للمناقشة على مستوى مجلس الوزراء والمجلس الوطني الاتحادي البرلمان.
ان الاعتراف الرسمي في أعلى مستوياته بأن البلاد لا بد وان تعيد النظر في العديد من القوانين والاجراءات يحمل في طياته أبعاداً كثيرة تؤرق الكثيرين ممن حققوا مستويات عالية من الفائدة على المسرح الاقتصادي بشكل خاص.
أحمد الشامسي عضو المجلس الوطني الاتحادي قرر علناً الحصول على اجابات واضحة في ما يتعلق بغسيل أموال المخدرات في مصارف الامارات وراشد عمران تريم نائب رئيس المجلس أراد مناقشة قانون العقوبات وعدم قدرته على مواجهة الظاهرة الحقيقية التي تعيشها البلاد ووزير الداخلية طلب تحويل الجلسة سرية!!
جمعيات النفع العام، وعلى رأسها جمعية الاجتماعيين، ما لبثت أن دقت أجراس الخطر في ما يتعلق بالتركيبة السكانية مرددة ان نسبة نمو السكان من أبناء الامارات لا تتعدى ال 3 في المئة.
وفي اطار هذا الجدل ووسط هذه الاجواء تخطو دبي خطوات كبيرة ومتسعة باتجاه الاقتصاد العالمي الحر. وتنفذ خططاً طموحة لا حدود لها لجعل دبي مدينة عالمية مفتوحة.
المنجزات كثيرة بلا شك والطموحات مشروعة. فهو اتساع فحسب وامتداد لسمعة دبي التجارية والاقتصادية عبر التاريخ ولكن يتحدث الكثيرون عن اعباء ضخمة مثقلة سوف تتحملها دبي في السنوات المقبلة على المستوى الديموغرافي، هل في هذا النقاش وتلك المخاوف شيء من المبالغة؟ وهل استعدت دبي جيداً لمثل هذه الحالة؟ وهل باستطاعة دبي التحول الى هونغ كونغ عربية عالمية؟
في التحقيق الآتي تكشف "الوسط" من خلال مقابلات عدة مع بعض المسؤولين والخبراء الماليين في الامارات، بعضاً من استعدادات وطموحات دبي في محاولة لرسم صورة مستقبلية للمدينة التي تحولت خلال سنوات قليلة الى واحة المال والأعمال والسياحة في منطقة لها الكثير من الخصوصية.
مع مستشار الحكومة المالي
يقول السيد دبليو، آر، دَفْ المستشار المالي في حكومة دبي وأول الخبرات البريطانية التي استعانت بها دبي لتنظيم الجمارك عام 1958 وأكثر الذين راقبوا النمو الاقتصادي والمالي للامارة: "منذ وطأت أرض الامارات في منتصف الخمسينات كزائر، عرفت انها المكان الأنسب لي. فهي مدينة تجارية مفتوحة على العالم منذ زمن بعيد. يومها كان تعداد المقيمين في المدينة لا يزيد عن الخمسين ألفاً ومنهم جاليات كبيرة من التجار الايرانيين والهنود وغيرهم.
وأعتقد ان توحيد المدينة التي يفصلها "الخور" الممر المائي كان أهم خطوة سهلت الكثير من الأمور، وطمأنت التجار، فالانتقال بين ديرة ودبي تم بواسطة القوارب الخشبية الصغيرة العبرة حتى اوائل الستينات عندما تم ربط الضفتين بنفق وجسر. وأذكر تماماً ذلك الاهتمام والترحيب الذي يلقاه التجار في دبي من حاكمها الشيخ سعيد آل مكتوم وابنه الشيخ راشد، ونظراً للظروف السياسية الصعبة التي عاشتها مناطق مجاورة أو على علاقة اقتصادية بدبي فإن رؤوس الأموال بدأت بالتدفق مع مجيء التجار وعائلاتهم للاستقرار في المدينة سعياً وراء الأمن والتسهيلات الممنوحة".
"اذاً - يضيف السيد دف ل "الوسط" - كانت هذه سياسة دبي الاقتصادية منذ البداية ولا زالت، واللافت للانتباه يومها أي منذ بدأت العمل في الجمارك وهي المصدر المالي الأهم للحكومة المحلية في ذلك الوقت قبل الشروع في استخراج النفط، ان العوائد التي كنا نجبيها تحت مسمى "الفرضة" كانت تصرف على مشروعات حيوية لتحسين وضع المدينة وزيادة الخدمات فيها وأذكر تماماً ان جميع أنواع البضائع كانت تمر عبر ميناء دبي ليعاد تصديرها الى دول المنطقة المجاورة، وحتى الى أوروبا وأفريقيا، كالساعات ومواد التجميل والكهربائيات والأقمشة، على الرغم من عدم ادخالها للأسواق المحلية أو حاجتها اليها بالكميات الكبيرة التي تأتي بها مما يعني ان دبي كانت مركزاً لتجارة الترانزيت بشكل خاص.
يكثر الحديث الآن عن امكانية حلول دبي مكان هونغ كونغ على المستوى التجاري العالمي بحلول عام 2000 فهل ترى مثل هذا الأمر ممكناً خاصة وانك واكبت نمو دبي في أفضل أوقاته؟
- دعونا نتحدث بصراحة في هذه المسألة فنحن كبريطانيين عشنا التجربة الكاملة بالنسبة الى هونغ كونغ كما بالنسبة الى دبي، والحقيقة التي يجب ألا تغيب عن أذهاننا في الحديث عن امكانية المقارنة أو الاحلال، لا بد وان تأخذ في الاعتبار ظروفاً عديدة أو لنقل مميزات تمتعت بها هونغ كونغ طوال تاريخها الاقتصادي. فمن المعروف ان هذه المدينة تقع على حدود دولة يزيد عدد سكانها على المليار مما وفر أيد عاملة رخيصة بل ملايين منها حققت نهضة صناعية للمدينة صنعت شهرتها التجارية العالمية الى جانب قربها أيضاً من مصادر المواد الأولية التي تحتاجها الصناعة. إذاً هونغ كونغ مدينة صناعية ثم تجارية ولو نظرنا الى دبي وتاريخها الاقتصادي سنجد بأنها مدينة ترانزيت طوال الوقت وان كان طموح القائمين عليها يصل حد الاستثمار الصناعي. ولعل تجربة المنطقة الحرة في جبل علي خير مثال، هناك اتجاه لتشجيع الصناعات الخفيفة فيها وهي صناعات بسيطة وغير استراتيجية.
المواد الأولية يؤتى بها من الخارج، العمالة كذلك، وهذه اعباء لن تحقق الأرباح المتوقعة وتتطلب مزيداً من الوقت والدراسة، الى جانب ما يرافقها من مسائل تتعلق بالأيدي العاملة وقلتها وارتفاع تكاليف استقدامها".
ويضيف المستشار دف: "في مثل هذه الحالة يكون العائد الأفضل من التسهيلات التجارية التي تمنح على مستويات أخرى تسهيلات الموانئ وخفض الرسوم والاقلال من الضرائب وتسهيلات الشحن والتخزين الى آخره.. وهذه كلها نجح القطاع الاقتصادي في دبي بتحقيقها تحت شعار الخبرة والكفاءة والخدمات المقدمة من المدينة لقطاع المال والأعمال غير عادية وهذه حقيقة يقر بها كل من يعرف دبي".
ويتابع "دف" ان اختيار دبي من قبل الشركات العالمية كمقر اقليمي له ابعاده ونتائجه التي لا بد وان تنعكس على الواقع الاقتصادي المحلي.
من واقع تجربتك الطويلة في العمل الاستثماري والمالي مع حكومة دبي ومواكبتك لكل المتغيرات في الامارة كيف تتوقع مستقبل المدينة وبخاصة ما بعد عام ألفين؟
- كما ذكرت في البداية ميزة دبي الأساسية الخدمات والتسهيلات وهذه يتم تطويرها بشكل مطلق. ولا بد للخبرات التجارية المتراكمة لأهل الاقتصاد فيها من التوسع. توقعاتي لا تخرج عن الاطار التقليدي الذي عرفت به وسيط تجاري دولي يتحول الى وسيط عالمي والاستقرار الأمني والسياسي سيساهم بلا شك في اعطاء المدينة الأفضلية في عالم مقبل على متغيرات كبيرة في الجغرافيا الاقتصادية ولا أبالغ اذا قلت بأن دبي القديمة ستتحول الى مكاتب ومعارض وأسواق في حين تتسع المدينة سكنياً باتجاه ما يحيطها وهو تحصيل حاصل نلاحظه في السنوات الأخيرة، وهنا دعونا نتوقف عند هذه النقطة فأنا كبريطاني اخشى تكرار تجربة لندن مع الوسط التجاري والحقيقة اننا لا زلنا نعاني من هذه المسألة ونعتبرها غلطة.
التسهيلات المرورية لن تكون كافية حسب تصوري، وعموماً ألجأ شخصياً وفي غالب الأحيان لاستخدام "العبرة" المائية في الوصول الى الضفة الأخرى من المدينة حين أكون على موعد. قد يختلف الأمر عند انجاز الجسور والانفاق الجديدة لكنني ما زلت غير متأكد من المسألة.
مدير بلدية دبي يتحدث
وإذا كانت مخاوف المستشار المالي لحكومة دبي تتركز على "العشوائية" في التخطيط المديني، فما هو رأي مدير بلدية دبي؟
يقول قاسم سلطان مدير بلدية دبي التي تشرف على التوسعات الجديدة ل "الوسط": "يجب ألا نستهين بخبرة أصحاب رأس المال في دبي الذين بينهم خبراء مشهود لهم وأصحاب تاريخ. الاقتصاد الحر يشجع على الاستثمار العقاري كذلك المناخ العام ونحن في بلد مستقر سياسياً واقتصادياً وأمنياً، أما الارتفاع الكبير لأسعار الأراضي والتوسع العمراني فمرده الى تخفيض أسعار الفائدة على الودائع من البنوك.. هناك فائض مالي كبير لا بد أن يتحرك.
الامارات فتحت أبواب الاستثمار وحصنتها قانونياً مما شجع رؤوس الأموال الخليجية على المجيء، وعزز المنافسة ورفع الأسعار، هذا الى جانب توفير الخدمات الأساسية بمقاييس قياسية.
اتساع مدينة دبي باتجاه القرى المجاورة لها سببه حاجة المواطنين الى مساحات أكبر للبناء، وفق ما يناسبهم، فكلنا يعرف ان ابن الامارات لا يستطيع العيش في شقة، هكذا كان قرار توزيع آلاف القطع من الأراضي عليهم في الضواحي. الدفعة الأولى كانت 4000 قطعة أي أربعة آلاف فيللا هذا واحد من المشروعات التي حركت السوق".
ويتابع قاسم سلطان: "سنة الحياة ان تتحول مدينة دبي الى مدينة تجارية. ووسط المدينة يتحول الآن الى مكاتب ومؤسسات وأسواق. وهذا حال المدن الكبيرة في جميع أنحاء العالم".
هل معنى هذا تغيير جذري في معالم المدينة؟ هناك حديث عن هدم الأسواق القديمة وهجرة السكان باتجاه الضواحي وإبقاء عمق دبي القديمة للتجارة والشركات؟
- نحن لا نهدم القديم، بل نطوره، وهمنا الأساسي تسهيل حركة الناس. أسواقنا القديمة ممراتها ضيقة منعنا السيارات من عبورها وأقمنا لها سقوفاً جديدة تناسب خصوصيتها من حيث الشكل والتصميم. والآن ليطمئن الجميع على بقاء أسواق مرشد والذهب والتوابل، فهي باقية ما بقيت دبي، انها جزء من تاريخ المدينة الاقتصادي والاجتماعي. تحسين مستوى الخدمات هدفنا الأساسي الآن، وقد صرفت حكومة دبي مليارات الدراهم على البناء التحتي للمدينة من شبكات الصرف الصحي والمواصلات وشبكات مياه الري والحدائق العامة مما يثير إعجاب الجميع ويمهد لعصر جديد يماشي أفضل المتوفر في العالم. وعلى سبيل المثال دعونا نتحدث عن مشروع نموذجي يفتتح قبل نهاية العام ويتعلق بالميزة الأساسية للمدينة وهو "الخور" الممر المائي الذي يخترق دبي ويشكل عصب الحياة الرئيسي فيها منذ وجدت. فمن المعروف ان تجارة السفن الخشبية الصغيرة والمتوسطة الحجم جزء لا يتجزأ من اقتصاد دبي، وهي بطبيعة الحال تتخذ من ضفاف الخور محطة لها. ولأنها زادت عدداً وكثرت نشاطاتها على مستوى البضائع، لازدياد الطلب عليها، فانها ترسو في أكثر من أربعة صفوف متوازية وتضيق من مساحة الحركة داخل "الخور" مما يؤثر على الجانب السياحي في المدينة. من هنا بدأت فكرة اقامة ميناء خاص بهذه القوارب يتسع للمئات منها في منتصف المسافة بين بوابة الخور ونهايته، ويعتبر الميناء النموذجي الأول من نوعه في المنطقة وربما العالم، وسيقدم أفضل الخدمات المتعارف عليها في أي ميناء في العالم إذ أضيفت له جميع مرافق الخدمات من أرصفة ومكاتب واستراحات، حتى اننا سنصل الميناء بحركة المرور في المدينة عبر نفق خاص تحت الماء.
نعود للسمة العامة للميناء في المدينة.. يؤخذ على حركة البناء الحديثة أنها تفتقر الى التجانس مما يؤثر على هوية المدينة المعمارية فما هو دوركم كبلدية في هذا الاطار؟
- لنتحدث بصراحة حول هذه المسألة وهي حديث الساعة بين المهتمين، وقد سبق ان طرحت علينا أكثر من مرة. نعم نلاقي صعوبة في المحافظة على الطابع العام وتحقيق التجانس لكن المسألة لا تزال في اطار السيطرة. هذه الحالة نتيجة النمو السريع والطفرة الكبيرة. المستشارون المعماريون في دبي أجانب في معظمهم، وفدوا إلينا بمفاهيم معمارية تتفق مع ما وصلوا اليه في بلدانهم، ونحن تجربتنا التاريخية في فن العمارة فقيرة، الأبراج الزجاجية تتكاثر والنمط الهندسي الغربي واضح للعيان وهو بنظري وحسب ما يقال من المختصين غير ملائم للعوامل البيئية الخاصة ببلادنا.
الآن يقود مختصون من بلادنا حملة لاحياء بعض التقاليد المعمارية التقليدية التي عرفتها بلادنا لكن الاختيار لا يزال من حق المالك أو المستثمر، وسياستنا تعمل على محاولة الاقناع بشتى الوسائل وتوصيل أفكارنا.
مشروعاتكم طموحة وكبيرة وكثيفة في الوقت نفسه مما يضطركم للاستعانة بجيش من العاملين أغلبهم من العمالة الرخيصة، فما هو تصوركم لمستقبل دبي المدينة المتسعة في اطار سياسة التوازن بين التركيبة السكانية والخطط التنموية المستقبلية، ألا يقلقكم هذا الأمر؟
- لا... لن نحتاج لجيش من الموظفين، فنحن لدينا خطط، بعضها خطط خمسية وبعضها سنوي، ومع تنفيذ كل منها تطور اسلوب العمل أكثر. حالياً العاملون لدينا لا يزيد عن السبعة آلاف، لكننا ميالون لاستخدام التكنولوجيا بأحدث مظاهرها. حالياً نطور الجهاز الاداري وفعلاً حققنا تقدماً كبيراً باستخدام الكمبيوتر في اطار شبكة ضخمة، واختصرنا العمالة البشرية الى أقل من النصف. وعندما بدأنا انشاء الحدائق والمتنزهات كنا نحتاج للعمالة اليدوية في الري، الآن شبكة ري هذه الحدائق تعمل آلياً وهذا انجاز، كذلك مسألة تجميع النفايات ونقلها، فقد أقمنا مواقع في أنحاء المدينة ثبتنا فيها كبَّاسات لضغط النفايات وطحنها أول بأول وطاقتها أطنان عدة، فمنعنا تكدسها في أماكن التجمع ومنعنا أخطارها وقللنا عدد العاملين".
ويختتم قاسم سلطان حديثه بالقول: "التغيير في دبي كبير وسريع ونحن مكتفون حتى العام 2005".
مع قائد عام الشرطة
الواقع ان التغيير الذي تحدث عنه مدير بلدية دبي لم يتوقف عند التخطيط المديني والبيئي بل صار يهدد الوضع الامني ولو بشكل نسبي.
ويقول العميد ضاحي خلفان تميم قائد عام شرطة دبي لپ"الوسط": "المخاوف الامنية التي يتحدث عنها المهتمون بتوسعات دبي ونموها فيها الكثير من المبالغة. فمعدلات الجريمة في مدينتنا اقل بكثير من اي مدينة اخرى سواء على مستوى الدولة او خارجها. نعم نحتاج لتطوير مستوى الاداء في جهازنا وهذه حقيقة واقعة وقد بدأنا بالفعل بتطوير اساليبنا. اما ارقى ما يتوفر للاجهزة الامنية في العالم من امكانات متوفر لنا. ولسنا بمعزل عن اي خطط طموحة للقطاعات الاخرى. فالتنسيق قائم وبشكل دائم.
ان العمالة الاجنبية الكثيفة في الامارات وبخاصة في دبي ليست جديدة. فهي مدينة تجارية عبر العصور ومركز ترانزيت وعبور. تزداد اعباؤنا مع ازدياد النمو، وهذا يتطلب اتساعاً في رقعة انتشارنا وكثافة وجودنا دون المساس بالصورة العامة للمدينة. ونتجه فعلاً الى زيادة اعداد العاملين وتحسين مستوى الاداء. فمن المهم ان يكون للمدينة استقرارها الامني في كل وقت. وستتم الاستعانة بالقدرات العربية في هذا المجال. والحفاظ على استقرار دبي وسمعتها رهان عربي بالنتيجة.
مخاوف كثيرة يتحدث عنها البعض بعد اتساع حيز التسهيلات التجارية والسياحية في دبي. يتحدثون عن تجار مخدرات عالميين يتخذون من المدينة محطة ترانزيت لاعمالهم، وعن غسيل اموال في مصارفها وعن...؟
- مهلاً يجب ان نتوخى الموضوعية في ترديد مثل هذه الاقاويل والحديث فيها. قبل فترة وجيزة قامت الدنيا ولم تقعد عندما تحدث الاعلام العالمي عن عائلة ميمون الهندية ومرورها بمدينة دبي اثر انفجارات بومباي، ونحن وضحنا الامر في حينها، فنحن لا نتستر على مجرمين ولا نؤوي ارهابيين او ما شابه. لقد عبروا من دبي مثلما يعبرون من لندن وباريس وميونيخ وغيرها. ان الحملة الاعلامية التي يقوم بها بعض الدول للترويج لمثل هذه الاقاويل يغفل وجود عائلة ميمون وافرادها فيها حتى بعد الحملة وأثنائها، هذا جزء من ضريبة النجاح الذي تحققه دبي. وأجدها فرصة لطمأنة الجميع بأننا نولي هذا الجانب أهمية قصوى تساندنا جميع القطاعات وفق مفاهيم علمية وموضوعية، وفي النهاية نحن جزء من هذا العالم المتغير.
ويحدثنا العميد ضاحي عن حالة الاسترخاء الامني الذي ستعيشه المنطقة بأسرها اذا ما حلّت قضية الشرق الاوسط حلاً عادلاً وعن التعاون والتنسيق الدائم بين دول المنطقة مجتمعة والعالم في مكافحة الجريمة والارهاب مما يساهم في تخفيف اعباء الجميع ويخلق حالة من الاستقرار والنمو الاقتصادي. ويؤكد ضرورة ارتفاع مستوى الاداء في جميع القطاعات على حد سواء. فالنمو الاقتصادي لا بد وان يرتبط بنمو تشريعي وقوانين ملائمة. وهو ما تبحثه الاجهزة المختصة باستمرار، فقد ثبت ان انغلاق الدول على نفسها ليس حلاً ولم يقلل من الاعباء الامنية فيها والامثلة كثيرة.
مصرفي مسؤول يتحدث
ولما كان المال هو بوصلة وعصب اي استقرار ومستقبل لأي مدينة، فان الحديث مع مصرفي مسؤول لا بد أن يوضح الصورة.
يقول سليمان حامد المزروعي المدير الاول للعلاقات التجارية في بنك الامارات الدولي المحدود وهو من المصارف الكبيرة في الامارات: "نحن امام حقائق مؤكدة واستحقاقات جادة في الوقت نفسه، فدبي الآن عبارة عن مركز سوق خليجي بالدرجة الأولى. ان عدد الاسواق في ازدياد ترافقه التسهيلات التجارية الكبيرة التي تمنحها سلطات المدينة بمختلف قطاعاتها". ويضيف المزروعي: "ان النمو السكاني الهائل يبشر بنمو اقتصادي يبدأ بقطاع البناء والعقار وهذا ما حدث فعلاً. كذلك المواصلات والخدمات الأخرى وهذا بدوره يعزز دور المصارف. الاتساع الافقي أمر أساسي. فنحن نخشى معاناة المدن المكتظة، كالقاهرة ودمشق وغيرهما. وتنمية الضواحي حل فيه بعد نظر، والتوسعات الحالية التي تشرف عليها الدولة وتمولها سوف تستعاد تكلفتها من خلال اعادة النظر في الضرائب، وهذا حقها. وفي اطار هذا كله يستفيد المواطن ابن الامارات، لكن يجب الا نبالغ في التوسع على حساب التركيبة السكانية وهو امر يشغل بال الجميع الآن.
الاتجاه الى الاستثمار العقاري من قبل المتمولين ينذر بتكرار مشكلة عاشتها الامارات في سوق العقار بعد طفرة السبعينات، فما هي برأيكم اسباب الاقبال الكبير على هذا النوع من الاستثمار والتوسع فيه الآن؟ هل هو مرتبط بخطط معينة تدركونها في القطاع المصرفي؟
- كلنا يعلم بأن تخفيض أسعار الفوائد من قبل المصارف دفع بأصحاب رأس المال للتفكير في الاستثمار المتنوع. بعضهم اختار الاستثمار الصناعي باقامة مصانع تنتج انواعاً من السلع الاستهلاكية، والبعض الآخر يساهم في قيام صناعات حيوية لكنها تبقى مشروعات مرحلية. من هنا كان الاتجاه للاستثمار العقاري. ان الاموال الفائضة في مصارفنا وجدت طريقاً. لكن دعونا نتحدث بموضوعية درءاً لمخاطر تكرار أزمة السبعينات العقارية عندما هبطت الاسعار بشكل جنوني، وزاد عدد العقارات الشاغرة وهزمت رؤوس اموال كثيرة. ففي دبي الآن طرفان يناقشان مستقبل الاستثمار، الطرف الأول يبدو متحمساً للتوسع اللامحدود. ويحبذ تشجيع واستقطاب الاستثمار الاجنبي. في حين يبدي الطرف الآخر تحفظاً كبيراً ويطالب بعدم المبالغة لأن دبي جزء من محيط اقليمي تحكمه الكثير من الظروف ولا يمكن ان تكون جزيرة مستقلة عما حولها. التركيبة السكانية اولاً - الموقع الاقليمي ثانياً - الخصوصية المريحة ثالثاً والمسألة بحاجة في رأيي الى دراسة مستفيضة. وقد تحمل لنا الأيام ما يريح الجميع.
اما بالنسبة الى القطاع المصرفي، وهو العنصر المهم في حال التوسع. فالبنية الآن تتجه لرفع مستوى الملاءة وتقوية البعض منها ودمج بعضها الآخر، فدبي القرن الحادي والعشرين لن يكون فيها الا مصارف من الدرجة الأولى.
ويضيف المزروعي: "قد يتساءل البعض عن الفائدة من كل هذه التوسعات والتسهيلات السرية، وهذا السباق المحموم مع الوقت. الحقيقة على ما اعتقد ان للسلطة في دبي رؤيا بعيدة المدى. حدودها السمعة الدولية الطيبة، والمؤشر الاخير الذي بدأنا نلمسه، ويؤكد الركيزة العلمية لمثل هذا التوجه، هو توجيه الاستثمار نحو الصناعة المعتمدة على التكنولوجيا بأحدث ما وصلت اليه، للتخفيف من كثافة العمالة الاجنبية الرخيصة".
وينتهي المزروعي الى القول: "ليطمئن الجميع ان دبي لا تسعى لأن تكون هونغ كونغ او تحل محلها وهذه اشاعات اعلامية الاعلام يروج مثل هذا الكلام فهونغ كونغ قامت على حدود دولة تعداد سكانها يزيد على المليار والايدي العاملة فيها رخيصة ومتوافرة. اننا نحاول الابقاء على خصوصية دبي التاريخية كمدينة تجارية بتوفير الغطاء الكافي من التسهيلات. وهكذا ستبقى مركزاً عالمياً لتجارة الترانزيت. وهنا لا بد من الوقوف عند المخاوف التي يرددها البعض حول مخاطر الاتساع والانفتاح الاقتصادي في دبي لأقول، ان اية مشروعات جديدة في دبي تتم لحاجتنا اليها اننا نطمح لمدينة نموذجية تواكب العصر. وهذا ما يحدث لدبي".
دبي كما وصفها أول المنقبين عن النفط
في كتابه ذكرياتي عن الأيام الأولى في دولة الامارات وعمان يصف لنا البريطاني ادوارد هندرسون الذي جاء الى ما يسمى يومها منطقة الساحل المتصالح عام 1948 كممثل لشركة نفطية بريطانية وهي الشركة الوحيدة يومها التي امتلكت امتيازاً للتنقيب مدينة دبي كما رآها. فيقول بأنها كانت مقسمة الى ثلاث مناطق. هي ديرة - دبي - والشندغة، ويبلغ طول سوق دبي الرئيسي حينذاك مئتي ياردة مغطى ومظلماً يجلس على جانبيه أرضاً اصحاب الدكاكين... تتكدس فيها بضائع بسيطة تأتيهم من الهند والشرق الاقصى. ولا ينس هندرسون وصف أول دورة مياه اقامها البنك البريطاني للشرق الاوسط. فوق ضفة خور دبي الممر المائي وكانت عبارة عن مسطح اسمنتي تتوسطه فجوة احيط بأغصان النخيل من كل جانب!!
ولم ينس هندرسون الذي كان اول سفير لبريطانيا في قطر، وانتهى للعمل في مركز الابحاث والتوثيق التاريخي في ابو ظبي منذ العام 1974 ان يصف لنا حال التجارة في دبي فيقول بأن ابن الحاكم يومها الشيخ راشد بن سعيد المكتوم كان يجلس في شرفة اول مكتب للجمارك يستقبل فيها التجار من كل حدب وصوب، يتابع اعمال التحميل والتنزيل فوق الرصيف المواجه، وتقوم بمعظم العمليات رافعة حديدية بذراع يدوية، ولم تعرف دبي السيارات الا بعد العام 1948، وقد كان هندرسون شاهداً على عودة آخر اسطول بحري من الغوص عام 1949 عندما انتهى عصر اللؤلؤ الى غير رجعة وتبدلت امور كثيرة.
ويروي هندرسون في كتابه القيّم تفاصيل مفاوضاته مع شيوخ الامارات المتصالحة يومها لتحقيق المسح الزلزالي الأول للبحث عن النفط، ويؤكد ان دبي وحدها كانت لها محطة لاسلكية للاتصالات أمنت لهم الاتصال الدائم مع مقر الشركة الرئيسي في البحرين وزودتهم بالديزل والبترول لتنقلاتهم، كذلك وفرت لهم الكهرباء عبر مولد صغير.
ولم تبخل دبي على اول بعثة استكشافية بالسكن فأمنت لهم مقراً مناسباً.
لقد كانوا تجاراً منفتحين رحبوا بالتغيير والتطور واكتسبوا مهارات جريئة في تعاملهم مع جميع انحاء العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.