عاد"مارشال"من نزهته المسائية، كعادته، متكدراً تعبان، ولكن، هذه المرة، بدا ان كل شيء فيه قد استنفد، وانه لم يعد بمقدوره تحمل المزيد. نفخ حرة ونظر في عيني السيد بقرف وارتمى في حجره وهس رأسه وطوى قائمتيه وتكور واغمض خرزتيه الزرقاوين واغفى. طأطأ الخادم مقوساً عنقاً ناحلاً طويلاً ورأساً مثل الباذنجانة، وقال:"اصلاً الجو في الخارج مش ممكن، حر ورطوبة ولا أحد يتدخل"، قال السيد، وكان صوته الذي يشبه العواء يخرج، كأنه كان يخرج من مكان آخر غير فمه:"تعبنا منهم ومن حرهم ورطوبتهم كأنهم أذن من طين واذن من عجين، يعني بالله عليك ما يعرفوا انه في خلق تحب تتنزه". نفخ السيد، الذي بدا هو الآخر غير قادر على تحمل المزيد، في حرة وحسرة ويأس وهو يربض فوق الكنبة مثل بقرة تطوي قائمتيها تحتها، وزرق عينين أموميتين متعبتين، الى سقف القاعة حيث عنقود الثريا الضخم بشماريخها الذهبية ولمباتها المئة التي يمكنها، بومضة واحدة، غسل الظلام عن مدينة بأكملها. كان الجو في الخارج، كالعادة في هذا الوقت من العام، لا يحتمل لكن الخلق تعيش، تذهب وتجيء وأحياناً تتنزه. وكانت للسيد مطالبه الدائمة بضرورة التدخل، ذلك لأنه، لا هو ولا مارشاله أصبحا قادرين على تحمل هذا الفصل الطويل من الدبق اللزج والحموضة الكثيفة. لكن الدوائر المعنية كانت دائماً تتجاهل مطالب السيد باذن من طين وأخرى من عجين، وإن كانوا أيضاً غير قادرين على الوصول إلى المقام العالي ببيان أن الأمر ليس بأيديهم وانما بيد الله، وأن نزهة كلب لا تستحق كل هذا التوتر والانزعاج من جانب جناب السيد. تنفس"مارشال"بعمق وهو يغطس ويتكور في دفء حجر صاحبه وراح يصدر هسيساً خفيفاً كأنه الشخير. نظرت العينان الأموميتان بحنان إلى الحيوان المستسلم لدفء وركي البقرة. انحنى السيد وباسه فوق أنفه، ومرر، بخفة أصابعه خلال الشعر الكثيف الناعم الذي بين الأبيض والبني. اللون الذي، كما يزعم السيد، لا يتحصل إلا في سلالة ذات محتد. تنهد الخادم وهو يقرفص عند طرف السجادة، وقال:"كلهم يموتوا من الحسد ويتمنوا لو عندهم واحد مثل روشي". قال السيد في عواء خفيض:"خليهم يموتوا. أصل الكلب من أصل صاحبه، وبعدين الكلاب مقامات"ثم عوى بصوت أكثر حدة:"يعني هذا ولا الرعاع يريدوا يكون عندهم كلب مثل كلبنا نحن، مخابيل هاذولا ولا أيش"، صمت ونكس نظرة حب وحنان أمومي وانحنى وطبع قبلة صامتة بين أذني"مارشال"، ثم كمن تذكر شيئاً مهماً، أخرج عواء مجروحاً لا يمكن لأحد التكهن بمصدر انبعاثه"هذي الناس أصولهم مخلطة، واحد من شرق واحد من غرب وفوق هذا يبغوا يكون عندهم واحد مثل روشي، يعني هاذولا ناس ما عارفة وزنها، روشي مش كلب عادي عثمان، روشي من سلالة كانيش". صمت وأغمض عيني البقرة المرهقتين وسحب نفساً عميقاً وأضاف"روشي لورد، أمه كانت كلبة تخص اللورد هوارد فيرداي، وأبوه، يقال إنه كان يتبع شاعر مشهور. تخيل كيف واحد ينتمي إلى هذا الاصل النقي يقدر يعيش وسط هاذولا البهايم وهذا الجو الذي يشبه اللبن الفاسد". بدا السيد في حالة ما يشبه السعار المكتوم، لكن تدخل الخادم فش حدة سعاره وأعاد البقرة الرابضة فوق الكنبة إلى حالة برودها"خفض صوتك، روشي نايم". هز السيد رأسه مسقطاً نظرة حنان على"مارشال"في الوقت الذي حرك فيه الكلب قائمتيه مبدلاً بينهما فيما بدا استسلام عميق لدفء الحجر الأمومي، لكن سائلاً أصفر اندفع من بين قائمتي"مارشال"بلل ثوب السيد ووركيه. همس السيد للخادم"روشي باين غفى، خذه إلى سريره، ولا تنسى..."أغمض السيد ورفس برجليه ورمش بعينيه وقال في نعومة وتبتل"عثمان حبيبي لا تنسى الحليب، حمام الحليب عثمان أريد نغطس"حمل الخادم"مارشال"برفق وهو يلحس بلسان سحلية شفته السفلى مرسلاً نظرة ذئب لئيم إلى قفا السيد، ثم صعد الدرج اللولبي واختفى في الطابق العلوي. قلب السيد جسد البقرة على بطنها ومد قائمتيها على طول الكنبة. تحسس السائل الأصفر الذي بلل ثوبه ووركيه وابتسم. مد يده إلى جهاز التحكم من بعد، دعص عليه فانداحت موجات ناعمة من"البحر وسفينة السندباد"المقطوعة التي يحبها لرامسكي كورسكوف، والتي يحبها أكثر كلما انتابه الشعور بالفخر والوجاهة والتميز، فهو، أيضاً، يتحدر من سلالة ذات متحد. * قاص عماني