لا يزال المسن علي سالم يتذكر أيام شبابه، عندما كان يمشي على قدميه نحو سبعة كيلو مترات ذهاباً وأخرى إياباً باتجاه حي"أبا السعود"لشراء حاجاته، فالحي إضافة إلى كونه سوقاً رائجة كان ملتقى يجمع من يفدون من الأماكن البعيدة ويتبادلون فيه السلع ومعرفة الأخبار. يقول سالم:"كنت أذهب من بيتي الذي يبعد عن الحي نحو سبعة كيلو مترات مشياً على الأقدام لعدم وجود سيارات لدى الكثيرين، وكان ذلك بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع لشراء الحاجات، وأحياناً لبيع ما أملكه من سلع، هذا فضلاً عن الذهاب"لحي أبا السعود"كل يوم خميس الذي يعد سوقاً". ويعد حي"أبا السعود"في مدينة نجران من أعرق الأحياء في المدينة، وكان في الخمسينات الهجرية من القرن الماضي حاضرة نجران ومركزها الإداري والتجاري وملتقى من يفد إليه لغرض التجارة والبيع والشراء. الأسواق الشعبية السمة المميزة على رغم التوسع الذي تشهده نجران والنهضة التنموية الشاملة إلا أن"أبا السعود"احتفظ لنفسه بوجود الأسواق الشعبية المختلفة وأسواق موسمية يرتادها السكان من مختلف أنحاء المنطقة، إضافة إلى أن زوار نجران من السعوديين والأجانب يحرصون على زيارة أسواقه، خصوصاً سوق القهوة. ويقول صالح علي إن جودة القهوة الموجودة في السوق تجعل الزوار يبتاعون كميات كبيرة من القهوة العربية ليقدمونها للأهل والأصدقاء في مناطقهم. وقد تفاجأ الزائر بالأسعار التي لا يصدقها للخنجر، الذي يعرض فيه سوق الجنابي الخناجر، إذ تصل قيمة بعض الأنواع إلى نحو 20 ألف ريال بسبب المقبض أو ما يسمى الرأس، التي لا يزال يحرص أبناء نجران على اقتنائها وقلما تجد شخصاً لا يملك أو يرتدي واحداً. وإضافة إلى تلك الأسواق توجد أسواق للأدوات المنزلية وللطيور وللنساء كما يوجد في السوق بعض الحرفيين الذين يزاولون بعض الحرف اليدوية القديمة التي لا تزال تحظى بشيء بسيط من الإقبال، خصوصاً خياطة الملابس الرجالية والنسائية القديمة وصناعات خوصية وخزفية. المباني والطابع النجراني لا تختلف طبيعة المباني في الحي عن تلك التي تتميز بها مناطق نجران، فالأبنية طينية وتتراوح ارتفاعاتها بين دور واحد وسبعة ادوار، ولم يكن في ذلك الوقت أي بناء حديث من الاسمنت، وحتى الوقت الحاضر لا يزال الزائر يشاهد البيوت الطينية شامخة في الحي جنباً إلى جنب مع العمران الحديث منها قد يضم بعضها سكاناً وآخر هجره أصحابه لانتقالهم إلى أبنيه حديثة. وفي الماضي كان يستخدم"الاتريك"في الإضاءة نحو الساعتين بعد المغرب إذ لم تكن هناك كهرباء. ويشهد حي"أبا السعود"اليوم عدداً من المشاريع المهمة، إذ يحظى باهتمام من أمير منطقة نجران الأمير مشعل بن سعود بن عبدالعزيز لتطوير الخدمات ومرافق الحي، إذ يحرص الأمير مشعل على القيام بجولات للحي يستمع خلالها إلى الحاجات من جانب الأهالي. ويجري الآن تنفيذ مشروع لمياه الشرب ومشروع للصرف الصحي ومشروع لتصريف مياه الأمطار، وعند الانتهاء منها سيتم إعادة سفلتة جميع الشوارع. ويقول أمير"نجران"ل"الحياة":"إن"أبا السعود"من أهم أحياء مدينة نجران نسبة إلى أهميته التاريخية وعراقته بما يضمه من مبانٍ أثرية تمثل الطراز المعماري لمنطقة نجران، وهو يحظى باهتمام كبير، ونعمل على تنفيذ مشاريع في الحي كما هي الحال للمنطقة". ويجري حالياً عمل دراسات لتطوير بعض الأسواق في الحي، من خلال إنشاء تصاميم تتناسب مع تاريخ"أبا السعود"ومنها سوق التمور التي نقلت من مكانها السابق إلى مكان آخر، ولوجود عدد من المباني الطينية القديمة في الحي التي أصبح الكثير منها مهجوراً وآيلاً للسقوط، عملت إمارة المنطقة على تشكيل لجنة من الإمارة والدفاع المدني والأمانة والشرطة لإزالة البيوت الآيلة للسقوط التي تشكل خطراً على المارة، كما أنها تستخدم من العمالة المخالفة لنظام الإقامة، وقامت اللجنة بإزالة بيوت عدة وتعمل لإزالة المتبقي.