لا يمكن لزائر منطقة نجران أن يغادرها دون المرور على حي أبا السعود، أو كما يسميه البعض «نجران القديمة»، لما لهذا الحي من أهمية تاريخية وأثرية، ولاحتضانه الكثير من الأسواق الشعبية، التي لا تزال تحتفظ بمكانتها، إذ تزاحم المولات الحديثة ذات الماركات العالمية. ومن أبرز تلك الأسواق: الخناجر، الملبوسات الشعبية، القهوة، إضافة إلى سوق النساء الذي يقصده الأوروبيون بكثرة. ما يزيد من قيمة الحي احتفاظه بكثير من جماليات الماضي، المتمثلة في البيوت القديمة، والحارات العتيقة، والملبوسات والأواني الأثرية، إلى جانب قصر الإمارة التاريخي، الذي يشهد في كل عام حركة تطويرية لم تؤثر على رونقه الجميل، ليصبح واحدا من أهم الأماكن التي تحتضن الألعاب والاحتفالات الشعبية. ولعل أهم ما يميز الحي تجمعات كبار السن أمام المحال القديمة، يستعيدون من خلالها ذكرياتهم، ويتحدثون عن آمالهم وتطلعاتهم، وسط أجواء حميمية بعيدا عن تعقيدات الحياة وبهرجتها الراهنة، لا هم لهم إلا الالتقاء يوميا وفي ساعات محددة، يظل الغائب منهم محل اهتمام الجميع إلى أن يطمئنوا على أحواله، إذا كان غيابه له علاقة بأي عارض صحي أو ظرف يستحق المساعدة. عشوائية تخدش التاريخ لكن بكل أسف، كل هذه الجماليات للمكان والإنسان في حي أبا السعود، يقابلها عمل عشوائي في تنفيذ بعض المشاريع، التي لا زالت دون المستوى، ولا تعكس القيمة التاريخية والأثرية لحي كان ولا يزال وسيظل قبلة للمصطافين وزوار المنطقة، الذين يجدون فيه الراحة والمتعة، وهم يتنقلون راجلين في أسواقه وحاراته، ويسعدون بمشاهدة منازله وآثاره القديمة. هذه المتعة بالنسبة للزائر إلى نجران، لن يجدها اليوم في هذا الحي الأثري، لأن الشوارع شبه مغلقة، حينما تستقبله الحفر الوعائية، وأكوام النفايات، والسفلتة الرديئة، والأرصفة المكسرة. ورغم ذلك كله، يعوض الباعة وكبار السن في الأسواق هذا النقص بعبارات اعتذار، على أمل أن كل هذا القصور سيتلاشى، وأن الحي سيكون خلال فترة قصيرة مهيأ بشكل أفضل من أي وقت مضى لاستقبال زواره وعشاق تاريخه وآثاره. غياب التنسيق يقول مازن آل مرضمة، أحد سكان أبا السعود: إن وضع المشاريع في الحي يدعو للاستغراب، فما أن تتم سفلتة أو رصف شارع، إلا ويأتي مشروع آخر ينسف ما تم الانتهاء منه. وكأنه يشير إلى انعدام التنسيق بين الإدارات ذات العلاقة بالمشاريع. ونوه آل مرضمة إلى أن ما يزيد الأوضاع سوءا، هو تدني مستوى النظافة وتراكم النفايات أمام المنازل والمحال التجارية. وهنا لم يطل صبر المواطن عبدالله الشريف، الذي بادرنا بالقول: يا أخي عليك أن ترصد الهبوطات والحفريات في الشوارع، وعملية تكسير الأرصفة، التي لم يمض على الانتهاء منها أكثر من شهرين. وأضاف «بصراحة ما يحدث في حي أبالسعود أمر مستغرب، وهو ما يشير بالفعل إلى فوضى في التنسيق بين الأمانة والمياه والكهرباء، ولو استمر هذا الوضع، فلن يتم الانتهاء من المشاريع الجاري تنفيذها، وستستمر معاناة السكان والزوار لهذا الحي الجميل». خطر الأسلاك المكشوفة وفي منحى آخر، تحدث أحمد الشريف عن مأزق مختلف، حينما أكد أن الأهالي يخافون من مخاطر أسلاك الضغط العالي المتلاصقة والقريبة جدا من المنازل، مشيرا إلى أن السكان سبق وأن رفعوا شكوى لشركة الكهرباء، وطالبوا بإزالة هذا الخطر ومعالجة هذا الوضع، إلا أن مسؤولي الشركة وعدوا بتنفيذ تلك المعالجة، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع حتى تاريخه. وطالب الشريف الجهات المسؤولة عن الخدمات التي يحتاج إليها الحي، بالوقوف على الوضع ميدانيا، ليدركوا بأن المعاناة كبيرة والمخاوف مشروعة. سخرية السفلتة والأرصفة من جانبه، قال حسن عتيق آل قعدية: إن الأمانة أخذت فترة طويلة جدا، من أجل تنفيذ طريق الملك عبدالعزيز في الحي من أجل تحويله إلى مسار واحد، وأوضح بقوله: يضاف إلى موضوع استغراق الوقت الطويل في مشاريع الأمانة، فإن أجزاء من الحي تحتاج إلى مشروع للإنارة، وأخرى تنتظر فرق الصيانة لإصلاح لمبات الإضاءة المعلقة في الأعمدة. ويوافقه الرأي محمد الشريف الذي قال: إن وضع السفلتة والأرصفة في شوارع الحي يدعو للشفقة والسخرية في نفس الوقت. وتساءل عن أسباب إزالة الطبقة الأسفلتية بعد أشهر قليلة فقط، ولماذا تزال أرصفة لا زالت حديثة، وإذا استمر الوضع على هذه الحال فمتى سينتهي العمل في المشاريع الجاري تنفيذها؟. ردم عشوائي للحفر أما المواطن محمد اليامي، لم يستغرب اللجوء إلى ردم الحفر الوعائية بقطع من البلوك وبقايا المشاريع، فقال: إن العمل العشوائي يهدد مستقبل المشاريع التي غالبا ما تكون بعيدا عن المواصفات المطلوبة لتنفيذها.