ستكون زيارتنا لشارع المنصور ناقصة، في حال لم نلتق بالرجل الأفريقي الأول في الشارع. هو الأكثر شهرة بين جميع سكان مكة من الأفارقة على الإطلاق. جاءت شهرته، نتيجة عمله كمترجم للأفارقة في شرطة المنصور، في حال وقوع حوادث أو جرائم تخصهم. بكر حامد سمبو 52 عاماً. سعودي الجنسية والمنشأ، ويعود في جذوره إلى دولة مالي. يجلس خلف طاولة متواضعة، في مكتب لتأجير العقار في حي الطندباوي. هذا الحي جزء لا يتجزأ من شارع المنصور. يقول سمبو إن مسمى الطندباوي يعود سببه إلى وجود شجر الطندب بكثرة في هذا الموقع من مكةالمكرمة. جلسنا معه في المكتب قرابة النصف ساعة. كان المكتب مكتظاً بكبار السن من الأفارقة، غير أنهم فضلوا الصمت طوال الجلسة. تحدث سمبو عن شارع المنصور بإسهاب. هو يعرف كل تفاصيله وأسرار أهله. أكد لنا أن نسبة المتخلفين من الأفارقة في شارع المنصور لا تذكر مقارنة بالنظاميين، ويذهب إلى أن الكثير منهم حصلوا على الجنسية السعودية في وقت سابق. وحول ارتفاع نسبة الجريمة بين الأفارقة في شارع المنصور، وجه سمبو أصابع الاتهام إلى الأفارقة الجدد ممن تخلفوا عن حملات الحج أخيراً، يقول"هؤلاء يشوّهون سمعة الأفارقة في البلاد". غير أنه ألمح إلى أن البطالة وانحسار فرص العمل التي يعاني منها الشبان من سكان الحي النظاميين أوجد بيئة لأنواع من الجريمة. وكونه متعاوناً مع الشرطة في قضايا الأفارقة، فإنه يؤكد أن معظم الجرائم التي تسجل بحقهم لا تخرج عن قضايا السكر والسرقات البسيطة. يطالب سمبو بالالتفات إلى فئة الشبان من الأفارقة، خصوصاً أنهم يمثلون نسبة كبيرة من السكان الأفارقة في مكة. يصفهم ب"الطاقات المهدرة"، ويؤمن كثيراً بإمكاناتهم في كل المجالات، خصوصاً في مجال الأعمال اليدوية وميكانيكا السيارات والكمبيوتر"غير أنهم لم يجدوا من يأخذ بأيديهم ويدعمهم مادياً ومعنوياً". ويتطرق إلى ظاهرة الفقر المدقع الذي يعاني منه الكثير من سكان الحي، ويخص في ذلك العائلات الكبيرة، التي يتكون معظم أفرادها من الإناث،"الرجل يجد فرصته في العمل، ولكن أين تذهب المرأة، وكيف سيتعامل والدها معها في ظل ارتفاع متطلبات المعيشة". وحول العلم والتعليم الذي يتلقاه الأفارقة في شارع المنصور، يقول"في شارع المنصور لوحده، أكثر من 50 مدرسة أهلية مخصصة للأفارقة، يدرسون فيها المناهج السعودية، ويضاف إليها بعض اللغات الأجنبية كالفرنسية، خلافاً لمدارس تحفيظ القرآن المنتشرة في أحياء مكة، وتستقطب جميع الجنسيات". ويضيف أن نسبة الأمية لا تكاد تذكر بين شبان مكة الأفارقة مع وجود هذه المدارس، غير أنه يطمح في تخصيص مقاعد دراسية لهم في الجامعات السعودية،"هذا حلم كل طالب أفريقي سقط رأسه في هذه الأرض المباركة".