بين أحياء"النكاسة"و"المسفلة"و"كدي"المكاوية، يعيش أكثر من 80 ألف بورماوي، تعود أصولهم إلى دولة بورما الآسيوية. بدأت هجرتهم منها قبل نحو 70 عاماً، تحت ضغوط التصفيات العرقية التي شهدتها بلادهم، ضد المسلمين، ووجدوا من مكةالمكرمة ملاذاً آمناً لهم. يحمل البورماويون، خصوصاً القدماء منهم، إقامة دائمة في السعودية. غير أن النسبة الأعلى بينهم يقيمون بطرق غير شرعية. فيما تتركز الأعمال التي يمارسونها على أعمال المقاولات والبناء، إضافة إلى صيد الأسماك وتجارة بيع الخضراوات والفواكه. نسبة كبيرة بين البورماويين، هم من فئة الشبان ممن ولدوا في مكةالمكرمة، ولا يعرفون غيرها من البلدان. لكن معظمهم يفتقرون للتعليم, إذ يعتمد البورماويون تعليم أبنائهم من خلال مدارس تحفيظ القرآن الخيرية، والقائمة على الدعم الخيري. وفي سوق البورما الشهير في حي النكاسة، يختلط حابل البورماويين بنابل البنجلادشيين، مشكلين بذلك تجمعاً آسيوياً مختلفاً. يؤكد البورماويون أن دخول نسب من البنجلادشيين بينهم أفضى إلى طمس هوياتهم الحقيقية وبالتالي ارتفاع نسب الجريمة في مناطقهم. وعند زاوية السوق، التقينا بشاب بورماوي، اسمه أبو الفياض 32 عاماً. ولد في مكةالمكرمة ويتحدث العربية بطلاقة. جاء من حي الزهور ليتبضع في سوق البورما. في مكان آخر، وقف عثمان نور 22 عاماً. هذا الشاب يقول إنه ولد في مكة، لكن لكنته العربية المكسرة توحي بغير ذلك. سألناه عن سبب مجيء البورماويين إلى مكة، فقال"الكفارين هم السبب". يتوزع البورماويون على نحو 43 قطاعاً عشوائياً قرب المنطقة المركزية، ومعظم أحيائهم تفتقد وسائل السلامة وغياب التخطيط، إلى جانب عدم وجود شوارع وطرق نافذة، مما يصعب من وصول الخدمات إليها إضافة إلى أجهزة الدولة المختلفة. وتسجل محاضر الشرطة في مكة، ارتفاع نسب الجريمة في المناطق التي يسكنها البورماويون، خصوصاً بيع المخدرات والمسكرات والأدوية الفاسدة والسلع منتهية الصلاحية، وجرائم السرقات وتمرير المكالمات. يعيشون وفق طقوس معينة، خصوصاً في مسائل الزواج. لديهم مجالس خاصة للصلح وعقد الأنكحة ومجالس أخرى لفض النزاعات وتقديم المساعدة للمتضررين منهم. وعرف البورماويون بحرصهم الدائم على حضور حلقات القرآن، ودفع أبنائهم على الالتحاق بتلك الحلقات، كما أن الكثير منهم يعملون في خدمة المساجد وبيوت الله. وأكد عمده حي النكاسة، حماد الحساني، أن أوضاع البورماويين في مكة أقرب إلى أن تكون مزرية،"خصوصاً مع كثرة المشاكل التي تنتج بسببهم". غير أنه أكد أن هناك دراسات أجريت لمناقشة وتصحيح أوضاع البورماويين، من أبرزها الدراسة المقدمة من اللجنة المشكلة من أمانة العاصمة المقدسة والإمارة وشرطة العاصمة المقدسة, إضافة إلى دراسة أخرى مقدمة من معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة بمشاركة فعالة من وزارة الداخلية والندوة العالمية للشباب الإسلامي.