لن يكون من قبيل الإنصاف ان ننكر ان بعض الإعلام العربي وبعض العالمي، يلعب أدواراً غير مستحبة في تقديم صورة ما لما يحدث في العالم في أيامنا هذه... وهو أمر يضعنا دائماً أمام السؤال الخالد: ماذا عن الحقيقة؟ من يملكها حقاً؟ ومن يتمسّك بها حين يروي الأخبار والحكايات للناس؟ فإذا كان واضحاً لنا ان معظم ما يقدّم إلينا بوصفه الحقيقة بالنسبة الى ما يحدث في أيامنا... لماذا علينا أن نصدّق ما يقدّم على انه تاريخ الحوادث الماضية؟ ان ما نراه بأم أعيننا بات موضع شكّ لدينا مع انه «مصوَّر» و «موثَّق»، ولا يزال الذين عاشوه او عايشوه أحياء، فكيف حال ما لم نرَه وحدث يوم لم تكن ثمة كاميرات تصوّر، ووسائل إعلام توصل يوماً بيوم؟ هذا الواقع لا يمكن اليوم نكرانه، ومع هذا لن يكون منطقياً في آن ان نضمّ أصواتنا الى كلّ تلك الأصوات العائدة الى كبار القوم أو صغارهم، والتي ما أن تجد نفسها في مأزق تتلفت حولها فلا تجد سوى الإعلام مشجباً تعلّق عليه أخطاءها وأحياناً خطاياها. قبل حقب يسيرة من الزمن كان استخدام الإعلام مشجباً، قليل الحدوث، وذلك بالتحديد لأن الإعلام لم تكن له الأهمية التي له اليوم بفعل انتشاره وتحوّله حتى الى ميدان للصراعات أحياناً. أما اليوم، إذ صارت للإعلام كلّ هذه المكانة، فالواضح أن مستخدميه كمشجب يزيدون اتكالهم عليه مخرجاً من أزماتهم. ولعل من أكبر دلائل هيمنته أننا نشهد في هذه الأيام، وربما للمرة الأولى في تاريخ التحركات الشعبية في العالم العربي، جموعاً تحمل لافتات تشكر محطات تلفزيونية معينة، وكأن التلفزيون صار جزءاً من الصراع. ومع هذا، من الظلم لهذا الوسيط الإعلامي ان يحمل عن كبار القوم أخطاءهم... القاتلة أحياناً. فهو – بعد كل شيء - لسانه لسان حال إحدى نساء مكة والتي إذ حَرَدَ عليها زوجها لأنها لم تنجب له صبياً وقفت منشدة، تشكو حالها: «فإننا نعطيه ما لا يعطينا». وقبل أن نختم هذا الكلام لا نجد بأساً في أن نروي مجدداً حكاية شمعون صاحبنا، ابن الجزيرة في شمال شرقي سورية الذي بعدما زرناه في الستينات، محتفلين معه بافتتاح أول استديو للتصوير الفوتوغرافي في بلدته الصغيرة، التقيناه بعد شهور في بيروت يبحث عن عمل. وحين سألناه عما إذا كان الاستديو أفلس، أجاب: بالعكس، لكنّ الذي حدث هو أن قسيس بلدتنا كان على علاقة مع زوجة المختار. وظلت الحال هكذا من دون مشاكل حتى اليوم الذي اشترى فيه شبان مشاكسون كاميرا وأفلاماً من عندنا. فالتقطوا صوراً فضائحية للآثمين، وزّعوها على أهل البلدة، وكانت فضيحة ارتأى الأَعْيان بعدها أن هذا لا يجوز واتفقوا على... إقفال الأستديو!