وزارة المالية والمركز الوطني لإدارة الدين يوقّعان اتفاقية مع بنك "سوسيتيه جينرال"    هلال صفر يزين سماء المملكة    فحص 2.4 مليون نخلة بالجوف    شواطئ جازان مقصد ومتنفس للأهالي والزوار    القرع العملاق    ضبط شخصين في المدينة المنورة لترويجهما (10) آلاف قرص من مادة الإمفيتامين المخدر    فيروز تنهار بعد وفاة نجلها زياد الرحباني    أمير الشرقية يعزي أسرة الثنيان    رئيس أركان القوات البحرية يلتقي عددًا من المسؤولين الباكستانيين    أميركا تؤكد إمكانية تمديد هدنة الثلاثة أشهر في حربها التجارية مع الصين    خالد الشهراني يهدي السعودية برونزية آسيوية في التايكوندو    نائب وزير الرياضة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته لمدة أربع سنوات    غزة تواجه مصيرا كارثيا بعد انهيار مفاوضات وقف الحرب    ارتفاع قتلى المواجهات العسكرية بين تايلاند وكمبوديا    التقارب السعودي السوري.. والتعليم بوابة المستقبل    ترحيل 11183 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    مشروع إغاثي سعودي للاجئي أوكرانيا    القيادة تهنئ رئيسي المالديف وليبيريا بذكرى استقلال بلديهما    مصرع 18 شخصا في حادث حافلة بجبال الأنديز في البيرو    الأمم المتحدة تختار المملكة نموذجًا عالميًا في إدارة المياه    عزيمة وفاء وتكريم لمحبي وأصدقاء الفقيد عبدالرحمن بن خالد القحطاني رحمه الله    الطالب "السبيعي" من "تعليم الطائف" يحصد الميدالية الفضية في أولمبياد الأحياء الدولي 2025    جمعية "براً بوالدتي" تطلق برنامجًا نوعيًا لتنمية مهارات الأطفال تحت شعار "زدني علماً"    تولوز يطلب ضم سعود عبد الحميد    الدفاع المدني يقيم معارض بمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الغرق    آل معنتر مستشاراً لسعادة المدير العام للتعليم بمنطقة عسير    "جامعة أم القرى تشكّل أول مجلس استشاري دولي بمشاركة 12 خبيرًا عالميًّا"    هيئة الأدب والنشر والترجمة تستعد لتنظيم معرض "المدينة المنورة للكتاب"    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    دوري روشن بين ال 10 الأقوى في العالم    اليوم السبت.. ختام منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025    الفنلندي "Serral" يتفوق على الكوري الجنوبي ويحقق لقب "StarCraft II"    الرئيس الفلسطيني يشكر المملكة على جهودها    البرازيلية لوسيانا تتحدى وتلهم الأجيال في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    جولف السعودية تشارك فايف آيرون    زيلينسكي: أوكرانيا تحتاج لإنتاج 1000 طائرة اعتراضية يوميًا لمواصلة الحرب مع روسيا    "بيت الشاورما" تعزز دعم المحتوى المحلي من خلال شراكتها مع تلفاز 11    مركز التنمية الاجتماعية بجازان ينفذ مبادرة"خدمتنا بين يديك"في مجمع الراشد مول بجازان    وزير الصحة: انخفاض الوفيات بنسبة 17% ثمرة السياسات الوقائية    الشيخ القاسم: الرسالة النبوية أعظم نعم الله ومصدر النجاة في الدنيا والآخرة    الجهني: يدعو لتقوى الله وينهى عن التشاؤم بالأيام    «بيئة جازان» تنظم ورشة عمل عن طرق الاستفادة من الخدمات الإلكترونية الزراعية    وفد ثقافي وفني يزور هيئة التراث في جازان لتعزيز التعاون في مجالات الهوية والتراث    هيئة الأدب تستعد لإطلاق النسخة الرابعة من معرض المدينة المنورة للكتاب2025    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدائر    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    مستشفى المهد يعتمد تقنية تخدير الأعصاب لتقليل الألم    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    الإحسان الطبية تنفذ مشروع «الإستشاري الزائر» في مستشفى صامطة العام    منظمة الصحة العالمية تنفي انتهاك السيادة الأمريكية    أكثر من 7 آلاف زيارة منزلية خلال 6 أشهر بمستشفى الظهران    الصنهاج والزهراني يحتفلان بزواج ريان    واست رئيس بنغلاديش في ضحايا سقوط الطائرة.. القيادة تهنئ الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده    توجه رئاسي لحصر القوة بيد الدولة.. غضب على «حزب الله» في الداخل اللبناني    وسط تحذيرات دولية وركود في مفاوضات الهدنة.. غزة على شفا مجاعة جماعية    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    اختيار سلمان: هكذا أطلق صقره ليحلق بالوطن    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مركزية الداخل ومصالح الخارج في الحراك العربي
نشر في الحياة يوم 02 - 12 - 2011

لم تنطلق الانتفاضات الخارجية في بعض الأقطار العربية من مخطط خارجي يرمي إلى إسقاط الأنظمة، على غرار ما عرفه العالم في أكثر من زمن إسقاط محمد مصدق في إيران في الخمسينات، إسقاط صدام حسين في العراق، إسقاط حكم سلفادو الليندي في تشيلي في السبعينات...، بل قامت الانتفاضات انطلاقاً من انفجار احتقان داخلي ناجم عن جملة عوامل سياسية واجتماعية وثقافية تتصل بالاستبداد المرخي بثقله على هذه المجتمعات وما تمارسه الأجهزة الأمنية من قهر وظلم، وبالتفاوت الاجتماعي وسيادة الفقر والبطالة والتهميش، وسوء استخدام الثروة... وهي عوامل كانت تتفاعل وتتراكم على امتداد عقود. يضاف إلى ذلك تكوّن نخب شبابية استطاعت التفاعل مع مكونات الثورة التكنولوجية، وهي فئة تعاني من القهر والتهميش والبطالة، أمكنها توظيف التقنية في إطلاق الحراك ونشره وإيصال المعلومات والصور والتعبئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما يحسم في مركزية العوامل الداخلية في إطلاق الانتفاضات، يؤكد ذلك طبيعة الشعارات السياسية التي رفعتها القوى حول الحرية والكرامة ورفض القهر والمطالبة بالديموقراطية والدولة المدنية.
منذ اليوم الأول كانت المفارقة واضحة حول حجم الحراك المنطلق وضخامته، وبين القوى التغييرية الحاملة له، خصوصاً من الحركات الشبابية التي حملت راية الانطلاق، وهي قوى تفتقر إلى التنظيم السياسي والخبرة في إدارة الصراعات السياسة والاجتماعية وتوظيف الحراك الشعبي على الصعيد السياسي. في المقابل، لم يكن النظام مستعداً للتسليم بسقوط منظومته، بل وضع كل قواه في السعي لإطفاء نار الحراك الشعبي، بل وهدد بتسعير التناقضات والعصبيات التي يتكون منها المجتمع، وتحويل الحراك حرباً أهلية وفق منطق الحاكم العربي:"إما أنا أو الدمار الشامل". هذه المفارقة والمراوحة في بعض الانتفاضات جعلت من العامل الخارجي فاعلاً وحاسماً في حسم الصراع في بعضها.
سيظل منطق المؤامرة الخارجية في تحريك الشعوب العربية مرفوضاً، بل هو يشكل في حقيقته إهانة واحتقاراً للشعوب العربية وتعبيراً عن عجزها المطلق في رفض الاستبداد، والتدقيق في العلاقة بين الخارج الدولي والحاكم العربي يؤكد علاقة وثيقة كانت تربط الخارج بهذه الأنظمة وحكامها. لم يكن أحد يرغب في الطلب سريعاً إلى حسني مبارك وزين العابدين بن علي في الرحيل، فهما ولدان مدللان للغرب. لكن الغرب يتصرف وفق مصالحه أولاً وأساساً، ولا يقع في برنامجه حسابات العلاقات الشخصية أو الصداقة مع هذا الحاكم أو ذاك. في حالة مصر وتونس، عندما أدرك هذا الغرب أن حجم الحراك المندلع يفيض عن القدرة على حماية هذين الزعيمين، وأن صلاحية كل منهما قد انتهت، فحسم الغرب خيار الذهاب انطلاقاً من العلاقة بالقوى العسكرية، وسعياً لموقع جديد في النظام المتكوّن في كلا البلدين.
في ليبيا، لم يفكر الغرب يوماً في إنهاء حكم القذافي، بل كنا نشهد احتضاناً لهذا المستبد، وتملقاً لشخصه يصل إلى حدود الابتذال من بعض رؤساء الغرب، ووضع كل قضايا الحقوق الإنسانية جانباً، وذلك للحصول على مواقع متميزة في الاستثمارات الغربية وشراء ترسانات أسلحة. تدخّل الغرب عندما اندلعت الانتفاضة، وبعد الرد الوحشي من القذافي على قمع المتظاهرين، وبعد أن وجد الغرب أن مصالحه باتت تقضي بالتضحية بالقذافي، فتدخّل عسكرياً وحسم الصراع هناك.
أما في اليمن وسورية، فيخطئ من يعتقد أن الغرب كان يرغب في إزالة النظامين، بل على العكس، ينظر إلى الحاكمين في وصفهما ضمانات فعلية لمصالحه الدولية والإقليمية في كل من المشرق العربي وشبه الجزيرة العربية، الدليل على ذلك أن شعار رحيل كل من الحاكمين لم ينطلق إلا بعد مرور مالا يقل عن سبعة أشهر على انطلاقة الانتفاضة، وبعد أن شعر الغرب أن تكلفة الاستمرار في دعم كلا الحاكمين باتت تضر بمصالحه في المنطقة أكثر مما تفيده. في أي حال لا تزال إسرائيل تطلق الصوت عن أخطار سقوط النظام السوري على أمنها وموقعها.
في مقابل كل ذلك، لا يمكن إنكار أن الحسم النهائي للصراع في كل قطر من أقطار الانتفاضة بات يستند إلى تدخل العامل الخارجي الدولي أو الإقليمي، وهو أمر قد يكون لا مفر منه راهناً، في ظل عدم التكافؤ في ميزان القوى، وإصرار النظام على استخدام القوة المفرطة والوحشية في قمع الانتفاضة. إلا أن هذا الوضع يعيد طرح موقع قوى التغيير الداخلي وعجزها عن حسم الصراع مع النظام القائم. وهي ثغرة كبيرة جداً، وتمس بالمآل الأخير لهذه الانتفاضات، والموقع الذي يطلبه الخارج ثمناً لتدخله في حسم الصراع، والمصالح التي يجب التمتع بها، خصوصاً أن هذا الخارج ليس مؤسسة اجتماعية تقدم الخدمات مجاناً.
إن الراهن والمقبل على المجتمعات العربية يطرح تحديات على الداخل وقوى التغيير فيه وتنظيم الحياة السياسية، والاستعداد لخوض الصراع الداخلي على بناء الدولة وطبيعة الحكم، واستنفار القوى الشعبية وتأطيرها في أحزاب سياسية. فالقوى التي تجد نفسها الآن خارج السلطة لن تتوقف عن تنظيم ثورة مضادة، والغرب لن يتورع عن إعادة التحالف معها إذا ما وجد أن ميزان القوى عاد يتحول لمصلحتها. إن معركة سيادة واستقلال كل قطر والحفاظ على مكتسبات انتفاضته تظل معركة داخلية بامتياز، ومرهونة بالقوى الشعبية في كل بلد.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.