"رونالدو": الدوري السعودي من الأقوى بالعالم وستنظم أجمل مونديال    بتخريج 63 متدربًا من برامج الدبلوم العالي بأكاديمية الأمير نايف بن عبدالعزيز    مشيداً بجهود الحكومة وتسارع النمو..صندوق النقد: الاقتصاد السعودي واجه الصدمات العالمية بمرونة عالية وتنوع الاستثمارات    موجز    تمديد إلغاء الغرامات الضريبية    ضغوط أمريكية ومطالب مصرية بخطة واضحة.. تحركات دبلوماسية مكثفة لوقف حرب في غزة    السعودية ترحب وتثمن مساعي واشنطن والدوحة.. اتفاق سلام تاريخي بين رواندا والكونغو    متمسكة بمشروعها التوسعي.. إسرائيل تشترط الاحتفاظ بالجولان للتطبيع مع سوريا    انطلاقة عام 1447    فنربخشه وجهته المقبلة.. " دوران" يقترب من مغادرة النصر    الإصابات تعقد مهمة الهلال أمام مانشستر سيتي    في دور ال 16 من كأس العالم للأندية.. سان جيرمان يصطدم بميسي.. وبايرن ميونيخ يواجه فلامنغو    تشيلسي يسحق بنفيكا برباعية ويصعد لمواجهة بالميراس بدور الثمانية لكأس العالم للأندية    أكدت أهمية التحقق من صلاحية السيارة.. المرور: ضبط"2027″ مركبة لوقوفها في أماكن ذوي الإعاقة    1587 حالة ضبط في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    الثلاثاء.. بدء التطبيق الإلزامي لخدمة "تصريح التوصيل المنزلي"    521 طالبا يشاركون في برنامج موهبة بجامعة المؤسس    «درجة الغليان» بين منة شلبي وعمرو سعد    شركة الدرعية ضمن قائمة مجلة التايم لأكثر 100 شركة تأثيرًا في العالم لعام 2025    استمرار المسار الإثرائي الذكي لتعزيز التجربة .. السديس: الخطة التشغيلية لموسم العمرة تستغرق 8 أشهر    وزير الدفاع يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية    «سلمان للإغاثة» يوزع (3.220) كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    جون سينا يحافظ على بطولة "WWE" بعد فوزه على بانك    «السجون» تحتفل بالاعتماد الأكاديمي العسكري    المملكة تحارب السموم.. وطن بلا مخدرات    «الملك سعود» و«المنتجين».. تعاون فني وثقافي    الاكتتابات في السوق المالية بين تضخم الأسعار وتخمة المعروض    تخريج 63 متدربًا من أكاديمية نايف بن عبدالعزيز لمكافحة المخدرات    تدريب منتسبي الجهات الحكومية والخاصة على الإنعاش والإسعافات الأولية    وكالة الطاقة تدعو لمزيد من الاستثمار لضمان الوصول الشامل للطاقة    «الإسلامية» تُنفذ زيارات رقابية في الزلفي ونجران    الترويج للطلاق.. جريمة أمنية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة «ثلاثينية» مع نوبات صرع يومية بجراحة نادرة ودقيقة    تجديد اعتماد «سباهي» لمركزي المربع وشبرا    إطلاق مبادرة «توازن وعطاء» في بيئة العمل    في ثالث أيامه.. معرض حرس الحدود التوعوي يواصل فعالياته في عسير    اختتام منافسات الجولة الأولى من بطولة السعودية لصعود الهضبة 2025    وكالة الشؤون النسائية بالمسجد النبوي تُطلق فرصًا تطوعية لتعزيز تجربة الزائرات    "الخط السعودي" يتزين في نادي جدة الأدبي    ولي العهد صانع المجد وافي الوعد    إيران مستعدة لاستئناف المحادثات النووية مع أميركا    ولي العهد.. الجانب الآخر    موجة حارّة تلفح أوروبا    حضور عالمي مثمر للأحساء في مؤتمر اليونسكو للمدن المبدعة    استشهاد 615 رياضيًا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    "الغروي" مديرًا لإدارة جودة الخدمات بتعليم جازان    مشروع "واجهة زان البحرية".. يعزز القطاع السياحي والترفيهي والاستثماري بجازان    أسواق الطيور تجربة سياحية رائعة لعشاق الحيوانات الأليفة في جازان    تكليف الدكتور مشعل الجريبي مديرًا لمستشفى الملك فهد المركزي بجازان    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"البيت الأندلسي" روايته الجديدة . واسيني الأعرج يسرد الغربة العربية - الاسبانية
نشر في الحياة يوم 08 - 01 - 2011

يدور السياق الروائي في قصة"البيت الأندلسي"منشورات الجمل للكاتب الجزائري واسيني الأعرج، كما ينبئ العنوان، حول بيت ورثه مراد باسطا عن جده الموريسكي أحمد بن خليل المسمى بالإسبانية غاليليو، وقد شيّده منذ قرون عدة، ليكون صورة طبق الأصل عن منزله في غرناطة، التي طُرِد منها أثناء عملية الاسترداد التي قامت بها الجيوش الإسبانية، والتي أسفرت عن تهجير الموريسكيين إلى الجزائر، ووفاءً لحبيبته سلطانة. أراده بناء يعلو على الأزمنة، ويتوّج قصة حب خالدة. وإذا كانت رغبته أن يبني نموذجاً لبيته الأندلسي، فمردّ ذلك سعيه إلى استعادة الزمن المنصرم. زمن الوطن الأول غرناطة. وهو بمعنى ما مكان للذاكرة، وبديل عن المنفى، واسترداد لماضٍ فردوسي مفقود.
يتمثل العصب الروائي في الصراع الباطني والعلني الذي يعانيه الوريث مع السلطة البلدية التي تحاول وضع اليد على البيت، لإزالته، وبناء برج شاهق مكانه، يستوعب بمرافقه المستحدثة حاجات التطور الاقتصادي، ومتطلبات التحديث. وعلى رغم أنّ قوة السلطة المهيمنة استطاعت أن تنفذ ما أرادت، إلا أنّ مراد ظلّ متشبثاً بوثيقة قديمة حافظ عليها من العبث والسرقة والضياع، تروي انعكاس مرايا العصور على حياة هذه السلالة الموريسكية التي ينتسب إليها الكاتب واسيني الأعرج نفسه، والتي أُجبرت على مغادرة الأندلس في القرن السادس عشر. وثيقة عن هجرة الموريسكيين إلى الجزائر قبل خمسة قرون، تحمل رَجْع التاريخ وتقلّباته، وتوقظ أحقاباً عدة، تمخّضت عن أحداث ووقائع مثيرة، وامتدت من حروب الاسترداد ومحاكم التفتيش والتطهير الديني، إلى مغامرات القراصنة ومجازفات البحّارة، وهيمنة المحتلين وأطماعهم واستبدادهم. وتعيدنا ورقات المخطوط الإثنتا عشرة التي تتصفحها الفتاة ماسيكا، بعد ان تنقذها من الحريق، إلى عمق التاريخ الجزائري.
وقد غدا تاريخ البيت الأندلسي انعكاساً لتاريخ البلد. ولا يتوانى الصحافي يوسف النمس في الرواية عن أن يختصر المغزى الذي يمثّله البيت الأندلسي:"الكشف عن تاريخ البيت هو كشف لكل الانهيار الذي أحاط بالمدينة والبلد والبشر"وإذا كان المخطوط يمسّ الحياة الشخصية للجد غاليليو، فإنّ الرواية تنشغل أيضاً بالمسألة الوطنية العامة. والراوي يكرّس جهده لتظهير موقفه من سياسة الحكام وتعرية ما يراه من فساد الإدارات والأنظمة، ومن تفاقم نفوذ المهربين وبارونات الأسواق، وأباطرة الرمل والعقارات، وتمدّد الأرجل الأخطبوطية للشركات الوطنية الأجنبية المشتركة. كما يلتفت إلى استشراء الأصوليات والجماعات الدينية المتطرفة، والاستبداد السياسي. وإلى الإحاطة بكل الواقع المأزوم والحالة المزرية. وإلى التقاط نبض الشارع الجزائري بكل ما يعانيه أو يمور به، أو يتمخّض عنه من تحوّلات عميقة وجذرية.
تُبنى رواية"البيت الأندلسي"على تقنية"الاسترجاع"فترتدّ الرواية إلى الماضي لتعمّق الوعي بمفارقات الحاضر. ومن خلال هذا التقابل بين الزمنين، وهذا التقاطع بين ما يرويه المخطوط، وما يعايشه الوريث مراد باسطا في زمنه الحاضر، ينسج السرد الروائي ذاكرة جمعية تقوم على التفاعل بين التاريخ الحي الواقعي، والمتخيّل الشعري. وثمرة هذا التفاعل أن يتحرر التاريخ المنقول إلى الرواية من صرامته ودقته، على رغم نزوع واسيني الأعرج إلى الاحتياط والاحتراز في ذكر الأحداث والوقائع، كما يفضي التفاعل إلى إيجاد قاعدة أو مهاد واقعي لنشاط التخييل الشعري وهواماته، وإعادة إنتاج"الحقيقية"الروائية التي هي أعمق وأغنى بكثير من كل الحقائق والوقائع المدوّنة.
والعصب الحكائي المنسلّ من الموروث العربي بالدرجة الأولى،"ألف ليلة وليلة"والمرجعيات الكلاسيكية الغربية، والإحالات الى آداب أميركا اللاتينية، يجعل من رواية"البيت الأندلسي"بناء مركّباً يتواشج فيه الماضي بالحاضر، والمرئي بالمتذكّر، والأسطوري بالواقعي. ويضيء التناوب بين صوت الجد غاليليو الذي يهيمن على الزمن الماضي، وحفيده مراد الذي يعيش الحاضر، على المسار التطوري لتاريخ الأمّة، في منزلقاتها وإحباطاتها وانكساراتها، كما في كل ما يعتمل في باطنها من صبوات وإرادات وأحلام.
يمثّل العمل الروائي عند واسيني الأعرج الى جماليته، موقفاً فكرياً ووطنياً. لذا ظلَّ هاجس الكشف عن العيوب والقصور في مجتمعه ووطنه، دأبه ومادته الروائية التي تطورت مع الزمن. فهو ما انفك منذ روايته"نوّار اللوز"عام 83 التي نشرت في لبنان، يرصد المكوّنات الروائية لموضوعات اتسعت حلقاتها، وتجدّدت أبعادها، وتعمّقت مضامينها ومعانيها."نوّار اللوز"أرهصت بالنواة الحكائية الأولى التي انبثقت منها، ثم تفرّعت وتشعبّت إلى أكثر من رواية، كان آخرها"البيت الأندلسي"الذي يحمل سمات كثيرة ومناخات من أحداث وشخصيات"نوّار اللوز".
وبعدما كانت قرية مسيردا الجزائرية الحدودية هي نقطة التماس بين الماضي والحاضر، وبؤرة الصراع على السلطة ومؤسساتها، والصورة الشفافة عن فساد الموظفين وتفشّي البيروقراطية، فإنّ"البيت الأندلسي"يضع إصبعه على الانحلال والاهتراء اللذين نخرا أوصال الدولة وأجهزتها بصورة أكثر اتساعاً وشمولاً.
وكما كان في صالح الزوفري بعض من حيوية زوربا اليوناني، كذلك الأمر في غاليليو العاشق للحياة والأرض. غاليليو الشخصية الملتبسة. العاشق المتيّم والمهووس بالكتب والمخطوطات، والذي لم ينضب حلمه، على رغم ما تناوب عليه من مآسٍ وخيبات، وما قاساه من وحدة وغربة، وما تجمّع في أعماقه من هزائم التاريخ وعنفوان الأحرار. كذلك لم نفتقد المرأة الحلم. فكما كانت لونجا في"نوّار اللوز"، فإنّ سلطانة في"البيت الأندلسي"صورة عنها. المرأة المتعطّرة. المرأة النجمة والأسطورة. ومسيردا مثل الجزائر ضحية العسكريتاريا والثورات المجهضة والحروب الأهلية، وتحوّل القهر الاستعماري إلى قهر بوليسي.
وكما وجدنا في روايته"سيدة المقام"،"مدينة تموت وتتهاوى مثل الورق اليابس. كل شيء فيها بدأ يفقد معناه. الشوارع، السيارات، الناس"ص 31، فإننا نلمس الخيبة على وجه مراد باسطا وعلى لسانه، وهو يرى مدينة الجزائر بدأت تفقد ذاكرتها، وهي على مشارف السقوط، بين أيدي السماسرة والانتهازيين والمتعصبين الدينيين.
ولأن الرواية قادرة على امتصاص واستيعاب كثير من الأنواع والتجارب والأجناس الأدبية، يجعلها واسيني الأعرج في بعض المواضع حقلاً للتأمل في المصائر والنهايات، مستخلصاً العِبَر عن الحياة والحروب والتجارب والموت وفقدان الأهل والأحباء. وهو يعيد استجواب التاريخ من خلال السؤال عن السبب في خروج طارق بن زياد الى أرض الغير، وترك أرضه التي تحتاج إلى حبه ورعايته وصبره. إلى أرض أشبه بمنفى طويل دام ثمانية قرون وانتهى بالمذابح، وفرض الخروج القسري على الأحفاد تاركين أجداث أجدادهم وأحلامهم في أرض عمروها ونهضوا بها. ولعلّ القاصّ في مجمل الأحداث المروية عن التهجير القسري لعرب الأندلس ويهودهم، رمى إلى التأمّل في معنى الوطن، وكيفية تملّكه والحفاظ عليه. كما رمى من خلال استعادة فظائع التفتيش الكنسي التحذير من نشوء بوادر محاكم أصولية إسلامية، تلتبس فيها عملية القتل بالواجب الديني.
وإزاء التعصّب الديني والوطني تضيء الرواية على ضروب من الناس المتسامحين، مثل أنجيلو ألونصو الراهب الإنساني الذي أنقذ غاليليو من محرقة التفتيش الإسباني. كذلك تعبّر رغبة مراد باسطا بأن يُدفن في مقبرة ميرامار، عن هذا النزوع إلى الانضواء تحت لواء الانفتاح الديني، حيث إنّ هذه المقبرة هي الوحيدة في العالم التي لا تميّز بين الأموات، مهما تباينت أديانهم ومذاهبهم. وقد سبق ان طرح واسيني الأعرج في روايته"الأمير"مسألة التسامح الديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.