الصحة: نسبة تحصينات حجاج الداخل بلغت 99% وإلغاء تصاريح 150حاجًا    وحدات "الأمراض المعدية" المتنقلة في المشاعر المقدسة    هل يعبّد الاتفاق الأمني الأمريكي الأوكراني الطريق نحو «الناتو»؟    مايكروسوفت تؤجل إطلاق خاصية "الاسترداد" بالذكاء الاصطناعي    دعوات دولية للتهدئة.. أجواء حرب بين إسرائيل وحزب الله    يستمر التوقع بهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    ارتفاع أسعار النفط إلى 82.75 دولار للبرميل    حجاج بيت الله الحرام يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    ارتفاع سعر الروبل مقابل العملات الرئيسة    تشكيل ألمانيا المتوقع أمام اسكتلندا    عرض ضخم من النصر للتعاقد مع فان دايك    القادسية يتحرك لضم حارس منتخب مصر    إعادة التوطين تُكثر 9 حيوانات بمحمية الإمام تركي    اتفاقية تمويل لربط الكهرباء الخليجي العراقي    القصبي: 157 مليار ريال حجم المدفوعات الإلكترونية بالمملكة    الذكاء يدعم خدمات الدفاع المدني بالمشاعر    100 ألف رأس ماشية استعدادًا للأضحى بالرياض    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    "واتساب" يتيح المكالمات بسطح المكتب    "لينكدإن" تستعين ب"الذكاء" لجلب الوظائف    المنافسة: حصانة قضائية لمنشأتين كشفتا مخالفات    روبوتات هجينة لعلاج سرطان الرئة    لجنة رباعية لضبط مخالفات نشاط المياه غير الصالحة في مكة    القوات المسلحة: لا تهاون.. أمن الحج خط أحمر    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    وزير الحرس الوطني يطّلع على استعدادات القوات    22000 من القطاع البلدي يشاركون في الخدمة    دراسة لقياس عناصر الطقس المرتبطة بالإجهاد الحراري    6 مهابط للطيران العمودي بمستشفيات مكة والمشاعر    200000 ريال غرامة على مخالفي المنطقة اللوجستية    سفير كازاخستان السابق: قضيت أجمل أيام حياتي في السعودية    57 سيجارة كافية لتفجير رئة المدخن    قبضة أمنية حازمة على المداخل لمنع دخول غير النظاميين    أمن الطرق.. حرّاس المنافذ    الحقد والمظلومية يصيبان بالأمراض ويعطلان التشافي    «الجراح المغناطيسي» أحدث جراحات السمنة    أول حالة إسعافية تُنقل من مهبط برج الساعة عبر الإسعاف الجوي لحاج أفريقي    قائد الأسود الثلاثة: هدفنا كتابة التاريخ    خطط مرورية لنقل الحجاج لمشعر منى    الجبير: المملكة من أكبر المستثمرين في الطاقة النظيفة ولديها مشاريع ضخمة تستهدف الحد من آثار التغير المناخي    وزير الإعلام يقيم مأدبة عشاء للوفود الإعلامية المشاركة في "ملتقى إعلام الحج"    منتخب البرتغال يصل إلى ألمانيا استعداداً لمشاركته في يورو 2024    مارتينيس: البرتغال جاهزة    جمعية قدرة لرعاية الأشخاص المعاقين بالرس تحجج 11 معاقاً ومعاقه    لم يكن الأفضل !    العليمي: المنحة السعودية تمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الحتمية    الأخضر السعودي تحت 20 عاماً في مجموعة متوازنة بتصفيات كأس آسيا    زيادة حدة التوتر على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية    رئيس الأركان يتفقد قطاعات وزارة الدفاع المشاركة في الحج    الربيعة يستعرض جهود مركز الملك سلمان للإغاثة في غزة    وزير الحرس الوطني يقف على استعدادات القوات المشاركة بموسم الحج    جامعة الملك فيصل ضمن أفضل 100 جامعة عالمياً في التايمز للتنمية المستدامة    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    25 فعالية لمركز "إثراء" في عيد الأضحى    دورة تأهيلية لجامعي البيانات لموسم حج 1445ه    العقيد الطلحي يتفقد مركز(911)    المملكة تعزي في ضحايا حريق «المنقف» في الكويت    «إش ذي الهيافة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزب الوطني الحاكم في مصر ... دعوة للحوار أم للمماطلة ؟
نشر في الحياة يوم 16 - 11 - 2009

دعا الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في ختام مؤتمره السنوي السادس إلى الحوار بين الأحزاب السياسية المصرية، للبحث في مجمل القضايا التي تهم الدولة والمجتمع.
وتكتسب هذه الدعوة أهميتها من أنها تأتي بعدما شهد المؤتمر نفسه هجوماً كبيراً على المعارضة، خص قادة النظام والحزب منها جماعة"الإخوان المسلمين"بنصيب كبير. وكان بعض رموز المعارضة تعاطف بشكل أو آخر مع الدعوة التي أطلقها محمد حسنين هيكل، والخاصة بمحاولة إحداث"تغيير آمن"في النظام عبر تشكيل مجلس من بعض الشخصيات العامة يشارك في تعديل الدستور، وهي الدعوة التي ما زالت تثير تعليقات النخبة السياسية في مصر على مختلف مشاربها.
الآن يبقى السؤال: هل من الممكن أن تنجح دعوة الحزب الوطني هذه المرة في إحداث تحول حقيقي في بنية النظام السياسي؟ قبل الإجابة يمكن طرح ما حدث في مؤتمرات الحوار السابقة.
منذ بداية حكم الرئيس حسني مبارك في 13 تشرين الأول أكتوبر 1981، شهد التلاقي بين الطرفين ست جولات من الحوار، الأول منها في عام 1982، حيث عقد المؤتمر الاقتصادي الذي دعا إليه رئيس الجمهورية وشارك فيه أكاديميون ومفكرون اقتصاديون، وكان أساس الحضور لهذا الحوار فردياً وليس حزبياً، لكن الأحزاب شاركت من خلال بعض المنتمين إليها من هؤلاء المشاركين الذين طرحوا رؤيتهم للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي تحديداً. وعموماً انتهى هذا الحوار بإصدار بيان، لكن السياسات العملية للسلطة تجاهلته، واستمرت في اتباع السياسات نفسها.
وفي عام 1986 انعقد الحوار الثاني الذي حدد موضوعه الأمين العام للحزب الحاكم حينئذ يوسف والي، وهو قضية الدعم. وانتهى الحوار بقرار فردي من رئيس الوزراء آنذاك بتحويل الدعم من عيني إلى نقدي. وفي عام 1988 شملت دعوة يوسف والي الى الحوار الحزبي فتح القضايا والملفات كافة التي تهم المجتمع المصري. فطرحت أحزاب المعارضة موقفاً مشتركاً بالبدء في الإصلاح السياسي كتوطئة للإصلاحين الاقتصادي والاجتماعي، وطالبت بالبدء في إلغاء العمل بقانون الطوارئ القائم منذ اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981.
وانتهى الحوار بالفشل بعدما مدد رئيس الدولة بعد ذلك ببضعة أيام حالة الطوارئ. أما الحوار الرابع الذي جرى عام 1992 فكان حول تعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر في الأرض الزراعية، ولم يختلف عن الحوار الثاني المتعلق بالدعم، إذ على رغم التوصل إلى اتفاق بين المشاركين فيه حول هذا الموضوع، إلا أن الحكومة قدمت إلى مجلس الشعب البرلمان مشروع قانون آخر قانون 96 لسنة 1992 يخل بالمبادئ كافة المتفق عليها، حيث أنصف القانون ملاك الأراضي في مواجهة المستأجرين من الفلاحين.
أما المحاولة الخامسة للحوار فكانت في عام 1994، وشارك فيها 16 حزبًا سياسيًا، استجابة لدعوتين من الرئيس مبارك لمناسبة بدء فترة ولاية رئاسية ثالثة وافتتاح دورة البرلمان، وكان موضوع الحوار"الوفاق الوطني"وهو أمر يوحي بأن الموضوعات كافة ستكون مطروحة على أجندة البحث. وعلى رغم أن المؤتمر عكّر صفوه قانون الحبس الاحتياطي للصحافيين، إلا أن الأفق السياسي كان متسعاً بعض الشيء.
فباستثناء رغبة أحزاب المعارضة في العودة بالنظام الانتخابي إلى نظام القوائم النسبية غير المشروطة، قبلت السلطة تعديل قانون فرض الحراسة بإلغاء التحفظ على الأشخاص، وإلغاء دور المدعي الاشتراكي ألغي في التعديل الدستوري 2007 في الملاحقة السياسية للأشخاص والأحزاب والتدخل في الانتخابات والتعيين في الوظائف العامة، وإلغاء قانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي أو ما يسمى قانون العزل السياسي لمناهضي ثورة يوليو 1952 و"حركة التصحيح"1971. وأصدر الرئيس مبارك في شأن هذه المسائل مجموعة من التوصيات عرضت على البرلمان في تشرين الثاني نوفمبر 1994 في صورة قرارات بقوانين، وليست مشاريع بقوانين، حتى تتم المصادقة عليها من دون تعديل أي منها، وفق ما ينص عليه الدستور، خشية أن يسفر تعديلها عن مزيد من الحريات العامة.
أما الحوار السادس بين الأحزاب فجرى في كانون الثاني يناير 2005، وتشددت السلطة في تحديد أطرافه، بعدما كانت جماعة"الإخوان المسلمين"تسعى إلى المشاركة فيه، حيث رفضت السلطة مناقشة هذا الموضوع بداية بدعوى عدم شرعية الجماعة. ومن حيث الموضوع رفض الحكم المطلب الرئيس للمعارضة بتعديل الدستور.
ووصف الرئيس مبارك في نهاية كانون الثاني من هذا العام دعوى التعديل بأنها"باطلة"، وكان سبب الرفض هو تأكيد أن الدستور الحالي ما زال هو الأداة الرئيسة في العمل السياسي. إضافة إلى ذلك أجمعت المعارضة على رفض الرقابة الدولية على الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول أكتوبر 2005، ونددت على خلفية دعوة أيمن نور رئيس حزب"الغد"المقبوض عليه وقتئذ بالتدخل الدولي للضغط على مصر بغرض الإصلاح، بأي تدخل أجنبي في الشأن الداخلي.
وعموماً انتهى هذا الحوار بضرب أحزاب المعارضة في مقتل، إذ بعد أن أقرت تحت ضغط السلطة بتأجيل مناقشة تعديل الدستور إلى حين الانتهاء من الاستفتاء على الرئاسة في أيلول سبتمبر من العام نفسه، وفي المقابل الموافقة على تعديل القوانين الفرعية التي تخص العمل السياسي، قرر رئيس الدولة تعديل المادة 76 من الدستور بشكل منفرد، الأمر الذي أحرج الأحزاب السياسية أمام الرأي العام.
من هنا يتبين أن الدعوة الحالية للحوار هي دعوة محفوفة بالأخطار.
فأولاً، أثبت تاريخ الحوار عدم وصوله إلى نتائج مرضية على صعيد الإصلاح بمختلف مشاربه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وثانياً، أثبت هذا التاريخ أن السلطة تسعى قدر المستطاع إلى مزيد من غرس أقدامها في الحكم وإن كان الشكل يوحي بالرغبة في الإصلاح. وبمعنى آخر، تتخذ السلطة من الحوار حجة لتضييع الوقت وتأجيل الاستحقاقات الديموقراطية.
وثالثاً، يشير تاريخ الحوار إلى أن الصفوة الحاكمة تصر دوماً على استبعاد التيار الإسلامي عن الحوار على رغم أن الانتخابات الأخيرة برهنت على وجوده في المجتمع بنسبة الخمس 16 مليوناً من أصل 80 مليون نسمة عدد سكان مصر مقابل الحوار مع أحزاب لا تصل عضويتها في أفضل الأحوال إلى نصف مليون نسمة.
رابعاً، أن الحوار مرتهن برغبة القيادة السياسية في المبادأة بغية إسباغ الفضل لها في أي خطوة للإصلاح كبرت أو صغرت. وأخيراً تسعى السلطة دوماً أثناء الحوار إلى جر أحزاب المعارضة للبحث في التفاصيل وترك أمهات المشاكل، وهنا يبرز على سبيل المثال الحوار الأخير الذي أفاض في البحث في مواجهة البلطجة والرشاوى خلال الانتخابات أو البحث في أسلوب الانتخاب فردي - قوائم عوضاً عن التركيز على سبل نزاهتها.
لذلك، فإن الدعوة إلى الحوار بين القوى السياسية تظل دعوة لمصلحة المجموع فقط إذا ما خلصت النيات نحو تحقيق الاستحقاقات المرتبطة بحقوق الإنسان، وإعمال الممارسة الديموقراطية، التي تبدأ فقط من التداول السلمي وإنهاء الاحتكار الشامل للسلطة.
* باحث مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.