واصلت موسكو أمس حملتها على واشنطن، واعتبرت تصريحات نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في تبليسي حول دعم انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي،"تحريضاً على العدوان وتشجيعاً لتصعيد الموقف". وانضمت أصوات غربية إلى الموقف الروسي، تزامناً مع إعلان موسكو عزمها تعزيز قدرات قواتها العسكرية في غرب البلاد. وقال الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية اندريه نيستيرينكو إن تصريحات المسؤولين الأميركيين حول دعم جورجيا"تشجع المساعي العدوانية لنظام الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي" وأضاف أن الوعود بضم جورجيا إلى الأطلسي"تعزز لدى نظام ساكاشفيلي الشعور بعدم تعرضه لعقاب على تصرفاته". ولفت إلى أن تشيني"تحدث عن مساعدات أميركية لجورجيا يعادل حجمها الموازنة الدفاعية الجورجية". استياء ولم تقتصر ردود الفعل الغاضبة على نتائج زيارة تشيني على الروس، فهي أثارت استياء في عدد من الدول الغربية، خصوصاً ألمانيا. وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إن"هذه التصريحات تمثل وجهة نظر تشيني الشخصية"، پمؤكداً موقف بلاده ودول أوروبية أخرى تجاه انضمام جورجيا إلى حلف الأطلسي. وأوضح شتاينماير في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الصربي فوك يرميتش، أن ألمانيا ودولاً في الاتحاد الأوروبي"لا تزال مواقفها ثابتة إزاء رغبة تبليسي في الانضمام للناتو". وزاد الحديث عن مساعدات عسكرية أميركية لتبليسي من سخونة مواقف"الصقور"في روسيا الذين يحملون واشنطن مسؤولية تصعيد الموقف في القوقاز، ولفت خبراء عسكريون روس أمس إلى تعهد واشنطن تقديم مساعدة إضافية قدرها بليون دولار إلى جورجيا، وإلى معطيات تشير إلى أن السفن الأميركية التي توجهت بعد الأزمة إلى حوض البحر الأسود"لا تحمل إمدادات إنسانية فقط بل وتقنيات عسكرية متنوعة". ورجح خبراء عسكريون أن تكون واشنطن سلمت الجورجيين أخيراً وسائل لمراقبة تنقلات القوات، والاستطلاع والاتصال، وتجهيزات أمنية تمكنه من البقاء في الحكم وسحق حركات احتجاجية يتوقع أن يقدم عليها الشعب الجورجي عندما يدرك حقيقة الخسائر العسكرية. وبحسب الخبير الروسي رسلان بوخوف، فإن"فرضية أن تكون واشنطن دفعت تبليسي لشن العدوان لتختبر الآلة العسكرية الروسية تجد حالياً ما يبررها". ولم يستبعد المحلل أن"تستأنف جورجيا عدوانها بعد عامين أو ثلاثة أعوام. إلى ذلك، اعتبرت مصادر روسية أن تشيني"فشل في أذربيجان". ونقلت صحيفة"كوميرسانت"الروسية أمس عن مصدر أذري رفيع أن محادثات تشيني مع الرئيس الأذري إلهام علييف كانت صعبة، وتناولت الحرب في جورجيا ومستقبل مشروع خط إمدادات الغاز الطبيعي"نابوكو". وقال المصدر إن نتائج المحادثات"أزعجت تشيني". إلى ذلك، أعلن رئيس مجلس الدوما الروسي بوريس غريزلوف أن قيادة الجمعية البرلمانية للأطلسي تنوي زيارة موسكو في نهاية الشهر الجاري، وزاد إن الملف الأساسي المطروح للبحث من الجانب الروسي هو مساعي ضم جمهوريات سوفياتية سابقة إلى الحلف. وأوضح غريزلوف أن روسيا"لا تريد أن تكون البلدان المجاورة أعضاء في الأطلسي"، وأن محاولات تسريع ضم جورجيا أو أوكرانيا سيكون بمثابة" تأجيج للنيران". وقوبل تشيني في كييف أمس، آخر محطات جولته في المنطقة، بموقف قوي من جانب أوساط سياسية تدعو إلى المحافظة على علاقات أوكرانيا مع الروس. إذ استقبله زعيم حزب"الأقاليم"فيكتور يانوكوفيتش القريب من موسكو وصاحب الغالبية النيابية بالتأكيد على"تفهم الأوكرانيين لإجراءات موسكو في القوقاز". ومعلوم أن أزمة القوقاز رمت أخيراً بظلال ثقيلة على الوضع السياسي في أوكرانيا، بعد انهيار الائتلاف الحاكم وظهور نيات عند رئيسة الوزراء يوليا تيموتشينكو التي كانت حليفة أساسية للرئيس فيكتور يوتشينكو الموالي للغرب، على تشكيل تحالف مع خصمها السابق يانوكوفيتش. ودعت تيموتشينكو أمس إلى ربط إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، رداً على تلويح يوتشينكو بحل البرلمان ، فيما اعتبره مراقبون أنه سيكون"ضربة قاضية للرئيس الأوكراني"، بسبب ضعف فرص حزبه"أوكرانيا لنا"في تحقيق نتائج جيدة في حال أجريت الانتخابات المبكرة. في هذه الأثناء، بدأت موسكو تحركات لتعزيز وضع قواتها العسكرية في منطقة كاليننغراد غرب روسيا، وأكد مسؤولون عسكريون أمس خلال زيارة إلى المنطقة أنهم يعملون على"بحث طبيعة التدابير التي يجب اتخاذها لتعزيز وحدات الجيش المرابطة في هذه المنطقة التي تقع على الخط الأمامي لمواجهة حلف شمال الأطلسي الزاحف إلى شرق أوروبا". كما بحث الوفد تجهيز الأسطول العسكري الروسي في بحر البلطيق بأسلحة جديدة وصفت بأنها ستكون"بالغة التطور والدقة". انفصال في غضون ذلك، فتح الاعتراف الروسي باستقلال جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا شهية أقاليم أخرى لإعلان الانفصال والاستقلال، ووصلت العدوى إلى بلدان حديثة العهد في حلف الأطلسي. إذ فوجئت أستونيا الواقعة في حوض البلطيق وتعد مع جارتيها السوفياتيتين السابقتين ليتوانيا ولاتفيا من أكثر البلدان عداء لروسيا بظهور كيان انفصالي داخل أراضيها. فقد أعلن سكان قريتين صغيرتين في شمال شرقي استونيا، هما تام وسآر عن قيام"جمهورية استونيا الاشتراكية السوفيتية"، في تذكير بالتسمية التي كانت تحملها الجمهوريات السوفياتية، وبات معلوماً أن سلطات"الجمهورية"تنوي التقدم بطلب إلى روسيا لتعترف باستقلال إقليمهم. ولم تعلن الحكومة الأستونية عن رد فعل على التحرك الانفصالي. ويعتقد بعضهم أن السلطات الاستونية ما زالت تعتبر الإعلان"مزحة"من بعض سكان القريتين.