هذه شابة استعملت خلطة الكورتيزون لمعالجة الحبوب في وجهها ففوجئت بعد فترة بازدياد نمو الشعر فيه فهرولت الى طبيبها مستنجدة. وهذه شابة أخرى استخدمت حبوب الكورتيزون لتزيد وزنها، فكانت النتيجة ان تشقق جلدها فندمت على ما فعلته ولكن ما نفع الندامة. وهذا شاب أعطاه الطبيب حبوب الكورتيزون لفترة معينة وتعليمات صارمة، غير انه بالغ في أخذه فعانى الأمرّين... ان الأدوية سلاح ذو حدين، فإن أحسن استعمالها حملت الينا ما قد ننتظره أو ما قد لا ننتظره منها، أما إذا أسيء استخدامها فكان الله في العون. والكورتيزون واحد من أهم العقاقير التي يتم اللجوء اليها لمواجهة مشاكل مرضية شتى، ولكن للأسف كثيراً ما يساء استعماله من جانب عامة الناس، خصوصاً ان الحصول عليه بات سهلاً في العالم العربي، وكم من الأشخاص أخذوه بحماسة من دون مشورة الطبيب، ولكنهم في النهاية لم يحصدوا سوى الندم والحسرة. الكورتيزون هرمون تفرزه الغدة الكظرية الواقعة فوق الكلية، والتي تصنع ثلاث مجموعات من الهورمونات الستيروئيدية هي: 1 - الهورمونات القشرية المعدنية ومن أهمها هورمون الألدوستيرون الذي يحبس معادن معينة في الجسم. 2- الهورمونات الجنسية وتشمل هورمون التستوستيرون الذكري وهورمون الأستروجين الأنثوي. 3- الهورمونات القشرية السكرية التي تضم تحت لوائها هورمون الكورتيزون. وتعمل الغدة الكظرية تحت إمرة غدة أخرى هي الغدة النخامية التي ترسل إشارات كيماوية لطرح مفرزانها ومن بينها هورمون الكورتيزون. يعود اكتشاف هورمون الكورتيزون الى العام 1947 ولكن يجب انتظار العام 1948 لاستعماله لأغراض علاجية في أمراض الروماتيزم. يتم إفراز الكورتيزون في الظروف الطبيعية بكمية تراوح بين 5 وپ7,5 ملغ يومياً وهذه الكمية مهمة للجسم لإنجاز العمليات الاستقلابية. ويفرز الكورتيزون وفق نظام معين، فهو يكون في القمة في ساعات الصباح ومن ثم تنحدر كميته لتصبح قليلة في المساء. ويعمل الكورتيزون على تصنيع السكر من مركبات غير سكرية كالبروتينات من أجل المحافظة على مستوى السكر في الدم ولتأمين حاجة المخ الذي يعتمد في شكل أساسي على السكر في تغذيته. كما يلعب دوراً في تحريك الأحماض الدهنية لإنتاج الطاقة اللازمة. ان أهمية هورمون الكورتيزون تكمن في أنه يملك ثلاثة أفعال مهمة: - فعل مضاد للالتهاب من خلال تأثيره في الخلايا الضالعة في العملية الالتهابية. - فعل مؤثر في العمليات الاستقلابية في الجسم، خصوصاً تلك التي تجري في الكبد والعضلات والأنسجة الشحمية. - فعل مؤثر في أملاح الجسم فهو يرفع من مستوى الصوديوم ويعمل على حبس السوائل في الجسم. وبناء على الأفعال الآنفة الذكر، فإن الكورتيزون يستخدم لأهداف علاجية متعددة. من هنا لا يتورع البعض في إطلاق اسم العلاج السحري عليه، فهو يقاوم الالتهاب، ويردع الألم، ويعرقل تكاثر الخلايا السرطانية أو شبه السرطانية، ويكبح جهاز المناعة، من هنا اللجوء اليه لمعالجة الأمراض ذات المنشأ المناعي مثل داء الذئبة ومرض الصدفية وداء التصلب اللويحي وغيرها. ويفيد الكورتيزون في علاج مرض الربو وفي مداواة الكثير من الأمراض الجلدية. وعلى رغم المزايا السحرية التي يتمتع بها الكورتيزون، إلا أنه قد يسبب الكثير من الآثار الجانبية كلما طالت فترة المعالجة به أو إذا استعمل في شكل سيء. ومن الآثار الجانبية التي قد يسببها الكورتيزون: - ارتفاع الضغط في العين. - داء الساد، أي الماء الأبيض في العين. - ارتفاع مستوى السكر في الدم. - ارتفاع ضغط الدم. - استدارة الوجه غير الطبيعية وتجمع الدهن في الرقبة والأكتاف. - إضعاف جهاز المناعة ما يشجع الالتهاب الميكروبي. - الآلام العضلية. - القرحة المعدية. - احتباس السوائل وتورم الجسم. - ترقق الجلد وظهور الشعيرات الدموية. - هشاشة العظام. ان هورمون الكورتيزون المستعمل في العلاج هو هورمون مصنَّع يحاكي الذي تفرزه الغدة الكظرية، وهو علاج مهم للكثير من الأمراض خصوصاً الروماتيزمية منها، ولكنه في الوقت نفسه يمثل علاجاً خطيراً إذا أخذ من دون إشراف طبي. ان أخطر ما في الكورتيزون هو التوقف فجأة بعد تناوله لفترة طويلة، إذ يعاني المصاب من عوارض الانسحاب لخلو الجسم من الكورتيزون الطبيعي اللازم للعمليات الحيوية بفعل أثر الكورتيزون الخارجي، وقد لا تستعيد الغدة عملها الا بعد مدة تراوح بين أسابيع وأشهر. وتشمل عوارض انسحاب الكورتيزون: الضعف في العضلات، ألم المفاصل، نقص الشهية، الغثيان، التقيؤ، ارتفاع الحرارة، تقشر الجلد، هبوط سكر الدم، الصداع، ارتفاع الضغط في القحف، اختلاطات عقلية، والوفاة. ويتم علاج عوارض الانسحاب بمد المصاب بجرعات عالية من الكورتزون ومن ثم التقليل منها بالتدريج. يتوافر عقار الكورتيزون بصور منوعة، إذ يمكن استعماله حقناً، أو استنشاقاً، أو في شكل حبوب أو مراهم موضعية. ويتم تحديد شكل الدواء تبعاً للمرض وحدّته. ولا يجب استعمال الكورتيزون في الحالات الآتية: - الإصابة بالقرحة الهضمية. - عمليات الأمعاء. - الإصابة بالداء السكري، وهشاشة العظام، ومرض كوشينغ. - النفاس والحمل. - في حال الإصابة ببعض الالتهابات الميكروبية والفطرية. هناك بعض الأمور التي يجدر ذكرها عند أخذ الكورتيزون في أي شكل كان وهي: 1- أخذ الدواء في المواعيد المحددة وبدقة. 2- عدم التوقف عن الدواء فجأة في حال الاستعمال لفترة طويلة لتفادي الوقوع في مطب عوارض الانسحاب المزعجة جداً. 3- تعتبر بخاخات الكورتيزون قليلة الخطر نسبياً في حال استعمالها في شكل صحيح. 4- ان استخدام دهونات الكوتيزون لأيام معدودة فقط لا ضرر منه. 5- يجب عدم تناول أدوية أخرى مع الكورتيزون من دون علم الطبيب، فبعض العقاقير قد يسبب اختلاطات لا لزوم لها، والأمر نفسه ينطبق على الوصفات الشعبية. 6- ان أضرار مستحضرات الكورتيزون ليست متشابهة بحسب طريقة أخذه وتركيز الجرعة فيه. 7- يجب عدم أخذ الكورتيزون من دون وصفة أو بناء على نصيحة من الآخرين. أخيراً، ان الكورتيزون مرتبط في عقول الناس بالمضاعفات التي يحدثها، من هنا نشأت عقدة الخوف منه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أي دواء لا يملك مضاعفات؟ كما أسلفنا في المقدمة، ان الدواء سلاح ذو حدين، والطبيب عندما يصفه فإنه يزن الحسنات والسلبيات، وعندما تغلب الإيجابيات على السلبيات، فإن الطبيب لن يتردد في تحرير العقار لكسب المعركة ضد المرض وهذا هو المطلب الذي ينشده المريض قبل الطبيب.