بعيداً من أنظار أعضاء الهيئة التدريسية، أخذ أحمد يبعثر ما بحوزته من قصاصات "الغش" معلناً عن فرحته بانتهاء الامتحانات الثانوية العامة، فيما آثر البعض من زملائه تمزيق الكتب المدرسية تفريغاً لما يشعرونه من غضب حيال الامتحانات. أحمد الذي يعيد تقديم"التوجيهي"للمرة الثانية بعدما لم يحالفه الحظ في المرة الأولى، اعتاد ليلة الامتحان تحضير أوراق الغش أو"البراشيم"التي تتطلب كتابتها ساعات طويلة، يقوم خلالها بنسخ ما عجز عن حفظه من المنهاج. وبخط صغير أخذ يحشو قصاصته الورقية ذات الحجم الصغير ليسهل عليه إخفاؤها في أكمام القمصان، أو بين طيات أوراق الإجابة، لاستخدامها في غفلة من مراقب القاعة. وتتعدد فنون الغش وأساليبه بين الطلبة، إذ يعمد البعض منهم إلى تصغير الكتب المدرسية بواسطة آلات النسخ المنتشرة في المكتبات العامة، فيما يتقن آخرون الكتابة على أدوات الهندسة المصنوعة من البلاستيك الشفاف وذلك بواسطة الحفر ب" الإبرة" ، فضلاً عن استخدام أجهزة الموبايل. ويبرر أحمد اعتماده على أساليب الغش برغبته في تحقيق النجاح من دون اضطراره لحفظ المنهاج والمعلومة كما هي في الكتاب وبصورتها الحرفية. ويعاني أحمد كغيره من طلبة"التوجيهي"في الأردن من ضغوطات نفسية ناجمة عن إصرار الأهل وتوجيهاتهم نحو ضرورة حفظ المادة عن ظهر قلب للحصول على المعدل المطلوب، بعد أن أصبحت الدراسة مرتبطة باعتماد الحفظ و"البصم"سيما في المرحلة الثانوية. وتنظر العائلات الأردنية إلى امتحانات"التوجيهي"على أنها"حالة طوارئ"تصيب أبناءهم ب"قلق وتوتر دائمين"وتطاول الأسر بقدر أكبر لتستمر طيلة السنة الدراسية. ويقيّم الامتحان مستوى الطالب التعليمي بحسب قدرته على الحفظ واسترجاع قصير لا قيمة له للمنهاج، وفقاً لبعض الطلبة ممن تنحصر جهودهم في بصم الكتاب قبل تأدية الامتحان بليال معدودة. وتبدأ أجواء الاستعداد لتحضير وسائل الغش في ساعات الليل المتأخرة، بعد أن يتأكد أحمد من خلود والديه للنوم ، تفادياً لوقوع مشاحنات هو في غنى عنها. وحصول أحمد على معدل عال أضحى بحكم المستحيل بالنسبة لوالديه، بعد أن تسلل اليأس إليهما جراء عدم اكتراث ابنهم بالدراسة، ليصبح همهما الأكبر اجتيازه المرحلة بعلامة النجاح الدنيا التي تمكنه من دخول إحدى الجامعات الخاصة. وتعتبر مرحلة الثانوية العامة مرحلة مفصلية تحدد مصير الطلبة، لذا يلجأ معظمهم لابتكار وسائل جديدة للغش تحملهم الى برّ الأمان. ويدخل الطلبة في منافسة شرسة لتحقيق دور بطولي بحسب اعتقادهم ، يتحقق بقدرتهم على اجتياز الامتحان بالاعتماد على قدرتهم على تضليل المراقب في القاعة، ليتسنى لهم الإجابة على أكبر قدر من الأسئلة. ويحظى كبير الغشاشين بلقب البطولة، ويصبح مصدر قوة لزملائه ممن ينتابهم الشعور بعدم الثقة في اعتماد الإجابة الصحيحة، بل ويعد وجوده في القاعة مبعث طمأنينة للمجتهدين في لحظة خيانة الذاكرة لهم. ويرد الاخصائي الاجتماعي الدكتور منير كرادشه السلوكيات البطولية للغشاشين كونهم يمرون في مرحلة المراهقة، لافتا ً إلى أن المراهقين في هذه المرحلة العمرية تزيد عندهم الرغبة في التمرد، وعدم الانصياع للقوانين، فيجد العديد منهم في اتباع أساليب الغش وسيلة اختبار قوة وتحقيق الذات. ويضيف كرادشه أن تنامي الغش خلال المرحلة الثانوية يعود إلى طبيعة نظام امتحانات"التوجيهي"الذي يضع الطالب على المحك، فيصبح مصيره مرتبطاً بالمعدل مما يدفعه إلى"تشريع"أساليب الغش ليحقق بها مراده. وتتفاقم ظاهرة الغش لتخرج من الصبغة الفردية الى المؤسساتية، سيما وأن غالبية المدارس باتت تتيح لطلبتها ممارسة الغش لإثبات وجودها على الساحة التنافسية، وفق الكرادشه الذي أوضح أن ارتفاع معدلات النجاح بصرف النظر عن مسبباتها تسهم في تحقيق الشهرة للمؤسسة التعليمية، وبالتالي استقطاب أعداد متزايده من الطلبة في السنوات اللاحقة. ويرى الكرادشه أن ضبط جماح"الغش"بات من الصعب ما لم يطرأ تغيير على النظام التعليمي الذي يقيّم الطالب في عدة أيام قد تشوبها ظروف عائلية تحول دون تخطي الطالب لها. وفي الوقت الذي تُجمع فيه كافة المؤشرات على تنامي ظاهرة الغش يؤكد مدير إدارة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم في الأردن حسني الشريف أن امتحانات الثانوية العامة للدورة الحالية سارت بشكل طبيعي، لافتاً إلى أن عمليات الغش انحصرت في حالات فردية. وأوضح الشريف أن حالات الغش تمثلت بقيام طلبة بحركات التفات، أو تحدث في ما بينهم، أو وجود أجهزة الخليوي أو أوراق غش أثناء تأدية الامتحان، معتبراً إياها"محدودة"مقارنة بأعداد المتقدمين والبالغ عددهم نحو مليون طالب وطالبة في مختلف الفروع الأكاديمية والمهنية. وتنوعت العقوبات التي طالت الغشاشين، وفق الشريف، إذ حُرم بموجبها بعضهم من أداء مبحث بعد أن ضبط بحوزتهم ورقة غش، أو هاتفاً نقالاً مغلقاً كان أو مفتوحاً، فيما حُرم آخرون من الدورة بكاملها لضبطه بجرم استخدام الهاتف الخليوي. كما حرم طلبة آخرون من تقديم دورتين إثر قيامهم بالاعتداء على المراقبين ورؤساء القاعات، أو انتحال شخصية ممتحنين!