يثير المتشددون الإسلاميون الأوروبيون، الذين تمت إدانتهم بتهم الإرهاب، أو الارتباط بپ"القاعدة"، العديد من الجدل والأسئلة، ولعل في تفجيرات السابع من تموز يوليو 2005 في العاصمة البريطانية لندن، مثالاً بارزاً على ذلك النوع من الجدل، فقد كانت الرسالة المرئية لمحمد صديق خان، المخطط الرئيسي للعملية، بلهجة يوركشاير، شاهداً على إمكانية تجنيد شباب أوروبيي النشأة لمصلحة تنظيمات إسلامية متشددة على رأسها تنظيم"القاعدة". ولعل السؤال الأساسي يكمن في ما إذا كان تجنيد مثل هؤلاء الشبان، يأتي من الخارج أم أن تطرفهم نتاج محلي. في محاولة لفهم ظاهرة"خلايا الجهاد"في بريطانيا، ومحاولة فهم آليات تجنيدهم، أجرينا تحليلاً لخلفيات 57 شخصية أدينت بالإرهاب في بريطانيا، وتمثل عشر خلايا أساسية - فيما عدا 6 أشخاص منهم لم يكونوا أعضاء في خلايا بل أدينوا منفردين- سعت إلى تنفيذ عمليات إرهابية في بريطانيا، وأفشلت جميعها، ما عدا خلية السابع من تموز 2005 والتي فجرت ثلاث محطات مترو وحافلة ما أودى بحياة 52 شخصاً. بريطانيو النشأة شكل منفذو تفجيرات السابع من تموز في لندن، مثالاً على تجنيد بريطانيين من قبل تنظيمات متطرفة كپ"القاعدة"، وقد تم التعامل معهم كأنهم استثناء في أوساط المنخرطين في مثل تلك الجماعات. ولكننا نلاحظ أن نسبة البريطانيين في أوساط أولئك المدانيين في تهم الإرهاب، وهم موضوع التحليل في هذه المقال، هي 84.2 في المئة، ونسبة غير البريطانيين لا تتجاوز 12.3 في المئة، وهناك أثنين فقط ممن يحملون الإقامة الدائمة Indefinite Leave to Remain وهما ياسين حسن عمر من خلية 21/7/2005، والتي فشلت في تفجير وسائل نقل بعيد تفجيرات 7/7، ويونس تسولي المعروف بپ"الإرهابي 007"، والذي اعتبر أكثر المطلوبين أهمية ممن يعرفون بپ"جهاديي الانترنت". ويلاحظ أن ظاهرة"الجهاديين"في بريطانيا هي ظاهرة محلية النشأة، ولا تنحصر بمنفذي هجمات 7/7 فحسب. وهو ما يدفع إلى التساؤل عن أسباب تحول هؤلاء إلى تبني الإيديولوجية المتشددة. پ العراق والجيل الجديد من السلفيين - الجهاديين يلاحظ من خلال دلالات السن، للمدانين"الجهاديين"، أن معدل أعمارهم يتراوح بين 23 و30 سنة، وبالتالي، يبدو أن المعدل العمري يضعهم في مصاف الجيل الذي ساهمت الحرب الأميركية على ما وصفته بالإرهاب واحتلال العراق، في تعبئته، حيث شكل احتلال العراق مصدراً لتعبئة العديد من الشباب المسلم في بريطانيا خصوصاً، وأن القوات البريطانية شاركت في ذلك الغزو، بخاصة أن معظهم كان صغير السن في حقبة تزايد نشاط معسكرات التدريب في أفغانستان، خلال الحقبة الطالبانية. ويبدو أن حرب العراق، وما ينشره الإعلام عما يحدث هناك لعب دوراً في تعبئة الشبان المسلمين، في بريطانيا. ماهان عابدين، مدير دائرة البحوث في مركز دراسات الإرهاب في لندن، قال لپ"الحياة"إن أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، ونشاط الجماعات الجهادية في العراق وغيرها تحولت إلى أيقونات، وأمثلة يسعى عدد من الشباب الاقتداء بها. المحلل الأميركي مارك"سيغمان"، والذي عمل مدرساً في جامعة بنسلفانيا، وكان مستشاراً لپ"سي أي إيه"لسنين طويلة، وله كتابان في تحليل الأفراد المنخرطين في الجماعات السلفية - الجهادية، كتب مقالاً مطولاً، في مجلة الپ"فورين بوليسي"في عدد آذار مارس، نيسان إبريل 2008، تحدث فيه عن جيل جديد من عناصر"القاعدة"، يمثلون"الموجة الثالثة"بعد أن تراجع تأثير"الموجة الأولى"-"القاعدة الأساسية"كما يسميها، وهم المقاتلون العرب الذين توجهوا إلى أفغانستان منتصف الثمانينات ليشاركوا في الصراع ضد الاتحاد السوفياتي السابق، وپ"الموجة الثانية"، مثلها أولئك الذين توجهوا إلى معسكرات"القاعدة"، في أفغانستان منتصف التسعينات. ويرى سيغمان أن الموجتين تراجعتا لمصلحة،"الموجة الثالثة"، التي تمثل شباناً يربطون أنفسهم بپ"القاعدة"، لا العكس، ولا يلتقون في معسكرات التدريب بل على"الانترنت"، ووظيفة"القاعدة"هنا هي الإلهام فقط. مناضلون من أجل قضية عامة وعلى ذلك، فإن الشبان المسلمين هؤلاء، والذين انخرطوا في الجماعات المتشددة في الغرب، يبرزون كمناضليين أمميين، ويناضلون في سبيل قضايا عامة، ولذا تجد أن جزءاً من المدانين، سواء كانوا ممن تجندوا ذاتياً أم جندتهم"القاعدة"، على مستويين: الأول ممن هم من ذوي السحنات البيضاء، مثل ريتشارد ريد صاحب الحذاء المفخخ عام 2002، أو سيمون كليير الذي حوكم مؤخراً ضمن"مجموعة الغرباء"التي تزعمها الداعية الإسلامي المتشدد"أبو عز الدين"، أو حتى الجزائري أنتوني غارسيا والده غير اسمه الحقيقي رحمن بن يونس، الذي كان طيلة حياته صديقاً لعدد كبير من الغربيين، ويرغب بأن يكون عارض أزياء. وقد حوكم غارسيا ضمن خلية"عمر خيام"، التي كانت تسعى إلى تفجير مقار وملاه ليلية في بريطانيا عام 2005. ومحاولة الاعتماد على ذوي السحنات البيضاء تذكر ببيان منسوب لپ"تنظيم القاعدة"في تشرين الثاني نوفمبر 2005 بعنوان"جندي القاعدة القادم: راكان بن وليامز"، حين أشار إلى راكان بن وليامز كرمز لغربي أبيض يتم تجنيده ضمن"القاعدة"لتجاوز الاجراءات الأمنية، التي تمارس ضد التنظيم. وكان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي آي ايه مايكل هايدن صرح في لقاء مع قناة NBC في مارس الفائت، أن"القاعدة"تجند أعضاء غربيي الهيئة والسحنة. ويرى بعض المهتمين والمراقبين بقضايا الجماعات الإسلامية، أن تجنيد البيض يهدف إلى إبراز المساوة والعدالة، وإلى جذب عناصر أخرى من البيض ذاتهم. ولعل يفسر تلبية الإسلام الراديكالي لحاجة هؤلاء الشبان للبروز كمناضلين في سبيل قضية عامة. وعلاوة على ما سبق يلاحظ أن نسبة العاطلين من العمل أو العمالة غير الماهرة، بين أوساط المدانين بقضايا الإرهاب في بريطانيا، تبلغ نحو 46 في المئة، بينما شكل المهنيون ما نسبته 25 في المئة، والطلاب 9 في المئة، والعاملون في المجال الديني 11 في المئة، واللاجئون 9 في المئة. پ الرابط الباكستاني مدير المكتب الفيديرالي الأميركي"أف بي آي"روبرت مولير، وفي محاضرة له في"معهد الدراسات الملكية""تشاتام هاوس"بتاريخ 7/4/2008، خلص إلى وجود ثلاثة"وجوه"لتنظيم"القاعدة"حالياً، الوجه الأول:"القاعدة -المركز"والمتمركزة في مناطق القبائل في باكستان، وهي على رغم أنها تحت التضييق الأمني، قادرة على التجنيد والتجهيز لهجمات مختلفة. وأما الوجه الثاني، ويعده مولر الأخطر، فيتمثل بپ"المجموعات الهجينة"، وهي المجموعات المحلية والتي ترتبط بعلاقات مع"القاعدة"، وغيرها من التنظيمات المتشددة، إلا أنها موجه من قبل أفراد الخلية ذاتها، لا من قبل المنظمة الأم، ويضرب مولر مثلاً على هذا الوجه خلية السابع من تموز عام 2005 في لندن. وأما الوجه الثالث فتمثله"المجموعات المحلية"الممولة من قبل الأفراد المحليين، ولا يرتبطون بپ"القاعدة"إلا باعتناق الإيديولوجية. وإذا ما كان عامل الغزو الأميركي للعراق، لعب دوراً في دفع شبان مسلمين في الغرب لاستخدام"القاعدة"كمظلة، يبدو أن القاعدة تستغل ذلك الشعور القائم لدى الشبان فبدلت من استراتيجيتها في تجنيد الغربيين. حيث يبدو أن التنظيم نجح في إيجاد استراتيجية جديدة للتجنيد وانشاء الخلايا، وذلك على مستويين، الأول: إيجاد حالة فكرية وإبراز"القاعدة كرسالة"، وهو ما يفسر استخدام الشبان للقاعدة كمظلة أو راية بشكل شبيه باستخدام العلامة التجارية في عالم الأعمال، والمستوى الثاني هو التحول في أسلوب التجنيد. فعلى المستوى الأول يلاحظ أن"الخلايا الجهادية"ترتبط بعلاقات ببعضها البعض، إن على المستوى الشخصي أم المستوى التنظيمي، ولا يمكن البت بطبيعة الاتصالات بين الأطراف لأنها مرصودة لدى الأجهزة الأمنية، ولا يمكن المصادر المتاحة للعامة البت بها. فعلى سبيل المثال يلاحظ أن هناك علاقة بين"داهرين باروت"أبو موسى الهندي المدان بالتخطيط لخلية"القنبلة القذرة"عام 2004، وكمال بورجاس المدان الوحيد فيما عرف بخلية الريسين 2003، وكذلك هناك علاقة صداقة تربط بين عمر خيام زعيم خلية تفجير الملاهي الليلية ببريطانيا 2005، وكل من محمد صديق خان وشهزاد تنوير من خلية السابع من تموز 2005. وكذلك يلاحظ أن محمد حاميد "أسامة بن لندن"والذي أسس معسكر تدريب داخل الأراضي البريطانية عام 2006، كانت له علاقة بخلية 21/7/2005. پوعلى هذا يؤشر ذلك التواصل بين أفراد مختلفين من الخلايا فكرياً أو إنسانياً على نجاح"القاعدة"في إيجاد إيديولوجية تحريضية كما دعا زعيم التنظيم أسامة بن لادن، مشجعاً على"الجهاد الفردي"، حين كان يربط نشاطه بپ"التحريض"، وطالما دعا إلى"الجهاد الفردي"، ولعل عبارته الشهيرة"لا تشاور أحداً في قتل الأميركيين"، تعبير عن ذلك.پ وأما على المستوى الثاني، فيلاحظ، الارتباط بباكستان، لدى الأفراد المدانين بقضايا الإرهاب في بريطانيا. ويلاحظ أن زعيم"خلية برمنغهام"برويز خان والتي كانت تعتزم خطف جندي بريطاني وذبحه وتصويره بالفيديو، على غرار أشرطة الذبح لپ"القاعدة"اتهم بجمع تبرعات لتأمين معدات لجماعات متشددة في باكستان وذلك باسم تبرعات لمصلحة ضحايا زلزال عام 2006، والجدير ذكره أن الرجل الثاني في"القاعدة"أيمن الظواهري، دعا مرات إلى التبرع لضحايا ذلك الزلزال. كما يلاحظ أن كلاً من محمد صديق خان، وشهزاد تنوير ذهبا إلى أفغانستان، ويعتقد بأنهما تحولا فكرياً هناك، وكذلك الحال، مع عمر خيام الذي أسس معسكر تدريب في باكستان شارك فيه مجموعة من المدانين في بريطانيا معه، أو في كندا، أو في الولاياتالمتحدة الأميركية. وفي ظل التضييق الأمني الذي مورس على التيار السلفي - الجهادي، منذ هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، وفي ظل الحالة الأمنية المتراخية، في باكستان، وبروز مناطق القبائل والمناطق الحدودية المتاخمة بين باكستانوأفغانستان كملاذات آمنة للمجموعات السلفية ? الجهادية، أو على الأقل تعبيرها الأساسي المتمثل بپ"القاعدة"، فإن التنظيم بات يعتمد، وفقاً للمراقبين، أسلوباً جديداً في التجنيد، حيث أنه ? مستفيداً من وجود شبان يرغبون برفع رايته - غيّر من أسلوب تجنيد كل خلية لأخرى بمنطق عنقودي، إلى مبدأ تجنيد الخلية لمرة واحدة، وذلك من خلال شخص واحد فقط مرتبط بپ"القاعدة"،"وهو إما شخص محلي أو قدم من الخارج للتجنيد"، ومعظم المجندين الآخرين، لا يعرفون بالتالي بأن من يتصل هو من باكستان. ويبدو أن هذا الأسلوب ينطبق في مواضع على آليات تجنيد"جهاديي"بريطانيا، وهم ما يبدو أنهم يشكلون ظاهرة تتنامى، وقد يشهد على ذلك عدد المحاكمات التي تعقد، أو تصريحات المسؤوليين البريطانيين، عن أعدادهم، وذلك بسبب أنهم يعبرون عن ظاهرة يتداخل فيها الذاتي، والمحلي، والإقليمي، وتغذيها السياسات الدولية في الشرق الأوسط، ولكن لا يغيب عنها سياسات الدمج في الداخل البريطاني. الخلايا ومنسقوها * خلية ليستر: لبراهيم بن مرزوقة 2003. * خلية غاز الريسين: كمال بورجاس 2003. * خلية الحذاء المفخخ: ريتشارد ريد 2003. * خلية تفجير الملاهي الليلية: عمر خيام 2004. * خلية 21/7: مختار إبراهيم سعيد 2005. * خلية 7/7: محمد صديق خان 2005. * خلية إرهابيي 007: يونس تسولي 2006. * خلية القنبلة القذرة: داهرين ياروت أبو موسى الهندي 2006. * مجموعة"أسامة بن لندن": محمد حاميد 2006. * خلية برمنغهام: برفيز خان 2006. * خلية الغرباء: أبو عز الدين 2008.