يتذكر الشاب العشريني الذي ينتمي الى التيار السلفي الأردني كيف تسلل إلى العراق عشية الحرب الأميركية على بلاد الرافدين صبيحة الپ20 من آذار مارس عام 2003، "سعياً للجهاد والشهادة في سبيل الله" ليعود أدراجه خائباً بعد سقوط بغداد التي كان يتوقع لها أن تتحول إلى مقبرة للغزاة. الشاب بثوبه الأفغاني"قفطان وسروال داكن اللون وقبعة بيضاء"يصر على أنه لم يكن بين المقاتلين الذين تدفقوا إلى العراق من حول العالم تلبية لنداء تنظيم"قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"مؤسسه الأردني أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في العراق قبل تسعة اشهر. ويؤكد أنه لا ينوي تكرار أي تجربة مماثلة مهما كانت. ويقول:"فأنا أهب تجربة جهادي في العراق لله". هذا الشاب الذي يعمل في تجارة الأحذية المستعملة وهو والد لطفلين هو واحد من عشرات الأردنيين غير المنظمين الذين توجهوا إلى العراق براً لپ"الدفاع عن هذا البلد العربي المسلم"بعد أن دبت فيهم الحماسة استجابة لنداءات القيادة العراقية السابقة. وقد عادت غالبيتهم لمتابعة حياتها بعد أن حقق معهم ضباط دائرة المخابرات العامة فور دخولهم من الحدود البرية أو الجوية. معظمهم يصر على أنه لا ينتمي إلى تنظيم"القاعدة"ولا يصنف نفسه ضمن"مشروع خلية إرهابية نائمة"وهو الوصف الأمني لپ"مجندي"التنظيمات الإرهابية ممن عادوا إلى بلادهم بعد أن اكتسبوا مهارات قتالية وخبرة في تصنيع المتفجرات بانتظار أوامر القيادات للتحرك داخلياً أو خارجياً. تدل الأرقام الرسمية - التي حصلت عليها"الحياة"- على أن عدد الأردنيين المرتبطين بتنظيم"القاعدة"الذين عادوا من العراق خلال السنوات الأربع الماضية لا يتجاوز ألف شخص، منهم من جند لمصلحة التنظيم على أيدي متشددين للاشتراك في عمليات ضد القوات الأميركية والعراقية إضافة إلى المدنيين بهدف إثارة النعرات الطائفية. بعض المجندين قتل خلال المعارك فيما استخدم آخرون وقوداً لتفجيرات انتحارية مبرمجة، كتلك التي وقعت في الحلّة 100 كيلومتر جنوببغداد - في العام 2005. من بين العائدين يقبع 600 خلف القضبان في مراكز إصلاح رئيسية مثل السواقة 70 كيلومتراً جنوبعمان وقفقفا شمال عمان حيث يقضون عقوبات بالسجن أو ما زالوا قيد المحاكمة في عشرات القضايا التي تنظر فيها محكمة أمن الدولة منذ سقوط نظام صدام حسين في ربيع العام 2003. أما البقية فأُطلق سراحهم لكنهم خاضعون لنظام مراقبة أمني صارم بعد أن أخذت أقوالهم وفتحت لهم ملفات عقب عودتهم من العراق أسوة بالأردنيين الذين عادوا من أفغانستان قبل وبعد سقوط نظام الطالبان، في مطلع العقد الماضي. معظم هؤلاء حاربوا إلى جانب عدد كبير من"المجموعات الإسلامية"ومنها تنظيم"القاعدة"الأم الذي أسسه أسامة بن لادن في ثمانينات القرن الماضي. القاسم المشترك بين معظم القضايا المتصلة بالعراق والقاعدة خلال السنوات الثلاث الماضية كان تهماً تتعلق بپ"القيام أو الشروع بأعمال لم تجزها الحكومة من شأنها تعكير صفو علاقة المملكة مع دول أجنبية - بموجب المادة 118 من قانون العقوبات". تحمل هذه التهم في حال ثبوتها عقوبة سجن تتراوح مدتها بين ثلاث وپ15 سنة. عدد من المدانين تلقوا أحكاماً بالإعدام لكنها خفضت إلى السجن مع الأشغال الشاقة، في حين برأت محكمة أمن الدولة آخرين لعدم كفاية الأدلة. غالبية القضايا تدور حول تهم تجنيد عناصر للقيام بعمليات قتالية أو"انتحارية"في العراق ضد القوات الاميركية والعراقية، إضافة الى بعض القضايا المماثلة ضد الاحتلال الإسرائيلي غرب نهر الأردن. ومن التهم الأخرى التي توجه الى هذه الفئة"المؤامرة بقصد القيام بأعمال إرهابية وحيازة سلاح أوتوماتيكي بقصد استعماله بوجه غير مشروع، والتسلل إلى الأراضي السورية بطريقة غير مشروعة ومنها إلى العراق بطريقة غير مشروعة أيضاً". وصل عدد الذين حوكموا خلال عام 2005 بتهم محاولة الانضمام الى المقاتلين في العراق 60 شخصاً على الأقل. منهم من حاول القيام بأعمال داخل الأردن ضد أهداف استخباراتية أو ضد سفارات منها بعثة الولاياتالمتحدة الأميركية والسفارة الإسرائيلية. عدد الذين حوكموا بالتهم نفسها عام 2006 وصل الى 35 شخصاً، بينهم تسعة فارين من وجه العدالة وموجودين بين سورية والعراق بحسب قيود المحاكم. المحامي عبدالجبار أبو قلة رافع في 12 قضية تتعلق بمحاولات تسلل الى العراق شملت 49 متهماً ما بين عامي 2004 و 2006 بمن فيهم من سميوا"تنظيم الپ17"وبعضهم على صلة بتنظيم الزرقاوي. يقول أبو قلّه إن معظم الشباب"تبنّى الفكر التكفيري الجهادي ويحمّلون الدولة مسؤولية ذلك بسبب عدم السماح لهم بالخروج لمساعدة المجاهدين في العراق وفلسطين". يضيف أن"نسبة كبيرة منهم حاولت المغادرة لكنها لم تستطع". أبو قله، 29 سنة، درس القانون في جامعة العلوم التطبيقية الأردنية، وهو متخصص في الترافع في قضايا"سياسية وإرهابية"ويعمل من مكتب يديره النائب المحامي زهير أبو الراغب، عضو حزب"جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسية لجماعة"الأخوان المسلمين". الجبهة تتحمل أتعاب المحاماة في مثل هذه الحالات، حيث يصر معظم المشتبه بهم على عدم توكيل محام لأنهم على قناعة بأن"أحكامهم جاهزة مسبقاً"، بحسب ما يقول أبو قلّه. تراوحت أعمار موكلي أبو قلّة بين 18 و25 سنة، عدد كبير منهم كان يدرس في الجامعات. ويتوقع أن يتحول 15 ناشطاً منهم على الأقل إلى مشاريع خلايا نائمة. إحدى القضايا التي رافع فيها تتعلق بسبعة أشخاص اتهمتهم نيابة أمن الدولة بتجنيد عناصر في الأردن وإرسالهم إلى العراق بعد تدريبهم في سورية على يد شخص يدعى أبو الجنة. تراوحت أحكام هؤلاء الأشخاص بين السجن أربع سنوات مخفضّة من 5 سنوات بعد الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية إلى عام وثمانية أشهر لأحد المتهمين بعد أن عدّل وصف التهمة المسندة إليه. وبحسب حيثيات هذه القضية، أرسل المدانون ما لا يقل عن ستة أشخاص للانضمام إلى المقاتلين في العراق من بينهم الانتحاري الاردني رائد البنا، الذي يعتقد بأنه نفّذ تفجير الحلّة ما أودى بحياة 125 عراقياً. أحد المسؤولين كشف لپ"الحياة"أن السلطات الأردنية لا تخشى من"دبّت فيهم الفزعة والحماسة وراحوا على رؤوسهم إلى العراق. فهم غير منظمين ولن يصل بهم الأمر للانضمام الى اي جماعة إرهابية لأن غالبيتهم ليسوا متدينين". لكنه أعرب عن الخوف من العناصر المنظّمة التي"تجمع الأموال وتعمل على تجنيد الشباب وتساعدهم على دخول العراق عبر سورية حيث يزودونهم بجوازات سفر مزورة عراقية وسورية وبيوت آمنة وطعام حتى وصولهم الى العراق". ويعتقد مسؤول أردني آخر بأن عدد الخلايا النائمة في المملكة قليل جداً، لا سيما بعد تشديد الإجراءات الأمنية عقب تفجيرات فنادق عمان الثلاثة التي تبنتها"القاعدة"آخر عام 2005. ويرى المسؤول أن تواجد هذه الخلايا على الساحة الأردنية محصور جداً مقارنة بالساحات الجديدة في سورية ولبنان ودول أوروبية كما كان الوضع سابقاً في أفغانستان والسودان واليمن. ويشير المسؤول الى ان"من الساحات الجديدة تنطلق هذه الخلايا الإرهابية صوب أهداف خارجية ومنها دول في الجوار لتنفيذ عمليات ثم الاحتماء في دول أخرى الى حين صدور أوامر جديدة". تشير الرسوم البيانية الرسمية إلى أن نسب نجاح الأردن في إجهاض مخططات إرهابية تستهدف ساحته الداخلية تجاوزت 90 في المئة خلال الأشهر الستة الماضية، بسبب التدابير الاحترازية ومنها الحراسة المشدّدة التي طبّقت على مراكز التسوق والفنادق والمطاعم والوزارات والسفارات وأهداف أخرى محتملة بعد تفجيرات الفنادق. وكان الأردن شرع السنة الماضية في أخذ بصمات إبهام وصور الكترونية لوجوه القادمين والمغادرين عبر المراكز الحدود. بائع أحذية في عمان روى لپ"الحياة"كيف وصل عشية الحرب الى مدينة الفلوجة عبر سورية. وهناك قصد مع مجموعة أخرى مشايخ في هذه المدينة المطلة على الصحراء حيث تلقى تدريباً عسكرياً لمدة يومين قبل أن يزود بالأسلحة الرشاشة ويرسل إلى بغداد التي كانت تستعد لپ"أم المعارك"مع القوات الأميركية. نزل الشباب في معسكر قرب المطار ضم"مجاهدين"عرباً وصلوا قبلهم، كانوا يتحركون تحت إمرة ضباط في الجيش العراقي. يتذكر بحسرة كيف كانوا يؤكدون"أن بغداد ستكون مقبرة للأميركيين وإننا سننال أجر الشهادة". بينما تتغلغل عيون الأمن في صفوف جيل الجهاديين الأول الأفغان والشيشان العرب والجيل الثاني الذي قاتل في العراق أو حاول التسلل إليها، يخشى صانعو القرار الأمني في الأردن من بروز جيل ثالث ظل حتى الآن بعيداً من الرصد الأمني. نما هذا الجيل حول ما يسمى"الجهاد الالكتروني"إذ ساهمت مواقع الدردشة والتواصل في تجنيد خلايا جديدة يفترض ألا تثير الشبهات في الأوضاع الطبيعية. يتم عبر الشبكة العنكبوتية تعليم صناعة المتفجرات واختيار الأهداف، كما حصل مع البريطانيين من أصول باكستانية الجيلان الثاني والثالث عاشا وتربيا في المملكة المتحدة الذين نفذوا تفجيرات لندن في تموز يوليو 2005. ومن هنا جاءت فكرة الرقابة الاستباقية على مدار الساعة، تفرض على كل من يستخدم مقاهي الانترنت العامة في المملكة تسجيل بياناته الشخصية وهويته لدى صاحب المقهى. ويقول مسؤول أمني أردني:"هذا الجيل يخيفنا كثيراً لأنه لم يذهب للتدريب في أي منطقة صراع... وهو بعيد من أعين الأجهزة وهؤلاء اخطر من رجال"القاعدة"الذين توجهوا الى العراقوأفغانستان لأنهم يتواصلون عبر مواقع انترنت عقائدية حيث ينظمون ويدربون على صناعة المتفجرات قبل ان تحدد لهم الأهداف وتصدر لهم الأوامر بالتحرك".