حذر صندوق النقد الدولي من تعليق آمال كبيرة على الدور المفترض أن يلعبه تباطؤ الاقتصاد العالمي، في تخفيف الضغوط عن أسعار الطاقة والخامات والغذاء. وفيما رأى أن معالجة تحديات الغلاء يتطلب من الحكومات تكييف سياساتها مع واقع جديد، يقوم على ديمومة التحولات السعرية وعودة تضخم الأسعار إلى الظهور بعد سنوات من السبات، شدد على ضرورة تضافر الجهود العالمية لاعادة التوازن في العرض والطلب على السلع. وعزا نائب مديره العام جون ليبسكي، الظاهرة المحيرة المتمثلة في استمرار أسعار النفط والمواد الأولية والمنتجات الغذائية بتسجيل زيادات قياسية على رغم تباطؤ الاقتصاد العالمي، إلى تعرض أسواق السلع على مدى السنوات الأخيرة لتحولات بنيوية أدت إلى اختلال العرض والطلب، مشيراً إلى أن جانباً كبيراً من الزيادات السعرية يعود إلى قوة الطلب على السلع والغذاء في الاقتصادات الصاعدة والنامية. لكن ليبسكي الذي وضع مسألة مواجهة تحديات الغلاء وأخطاره التضخمية المرتبطة بالاقتصاد الكلي، في صلب واجبات صندوق النقد تجاه دوله الأعضاء ال 185، نبه إلى مسؤولية الدول المتقدمة وسياساتها عن ارتفاع أسعار السلع، مبرزاً الأثر التضخمي لكل من الدولار الضعيف وسياسات استخدام المحاصيل الزراعية في انتاج الايثانول والوقود الحيوي، وكذلك الدور الذي يلعبه خفض الفائدة الأميركية في تشجيع المضاربة على السلع لغرض الربح. ودرس خبراء صندوق النقد آثار ضعف الدولار في تقريرهم الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمي، واستنتجوا أن الانخفاض الحاد الذي سجله سعر صرف الدولار من بداية 2002 إلى نهاية 2007، رفع سعر النفط 25 دولاراً للبرميل، وزاد أسعار السلع غير النفطية 12 في المئة. واختلف الأمر بالنسبة لأثر سعر الفائدة والمضاربات في أسعار النفط، إذ لم يعط أهمية تذكر انسجاماً مع الاعتقاد السائد بصعوبة، إن لم يكن استحالة رصده. بيد أن المضاربات اكتشفت أهميتها وخطورتها في جلسات الاستماع شبه المتواصلة، التي تعقدها اللجان المعنية بالطاقة والمواصلات في مجلسي الشيوخ والنواب، لتخفيف وطأة أسعار الوقود والغذاء على المستهلك الأميركي. وتلخصت نتائج الجلسات، التي لا تزال متواصلة واستمعت حتى الآن إلى شهادات قدرت أثر المضاربات بما يراوح بين 25 و35 في المئة من أسعار النفط الحالية، بمطالبة رئيس لجنة الطاقة والمصادر الطبيعية الديموقراطي جيف بينغمان، بتقييد نشاط أسواق الصفقات الآجلة ووضعها تحت إشراف وزير الطاقة. وحذر ليبسكي من الآثار التضخمية لتبعات السياسات التي تنتهجها الولاياتالمتحدة ومنطقة اليورو لإنتاج الوقود الحيوي، على أسعار المواد الغذائية الأساسية، لافتاً إلى أن تقديرات صندوق النقد تشير إلى أن الإقبال على إنتاج الايثانول والوقود الحيوي ساهم بما يصل إلى 70 في المئة من الزيادة التي سجلتها أسعار الذرة، و40 في المئة من الزيادة في أسعار فول الصويا. وطبقاً للمعطيات الإحصائية التي يوفرها البنك الدولي، ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 215 في المئة من 79 إلى 248 دولاراً للطن منذ بدأت أميركا بالتوسع في انتاج الايثانول لاستخدامه في زيادة الاوكسجين في الغازولين البنزين، بعد حظر المادة المضافة إم تي بي إي تدريجاً في 2003. وشهدت الفترة ذاتها تحليق أسعار فول الصويا المستخدم في انتاج الوقود الحيوي لترتفع بنسبة 198 في المئة من 179 إلى 558 دولاراً للطن. وانتقد المسؤول الدولي الدعم الحكومي الذي تحصل عليه صناعة الوقود الحيوي، لكنه تجنب توجيه إدانة صريحة للصناعة في حد ذاتها وقال في كلمة في مجلس العلاقات الدولية، توجد صعوبة إعطاء حكم قاطع على هذا الصعيد. وشدد على ضرورة النظر بجدية إلى أخطار التضخم الذي عزا جانباً كبيراً منه إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع، محذراً من أن تسارع وتيرة التضخم على رغم تباطؤ النمو العالمي، يعرض الاقتصاد العالمي لتحديات جسيمة ويمكن أن يحرم العالم من فرصة العودة إلى ما حققه في السنوات الأولى من العقد الحالي، النمو الاقتصادي القوي المصحوب بمستويات منخفضة من التضخم.