التركي الوحيد الذي أعرفه ويعرفني، وتربطنا علاقة عمل محضة والقليل من الدردشة حول الوضع التركي الكردي، اتصل بي هاتفياً والحملة التركية الأخيرة ضد العمال الكردستاني في أوجها، ليقول لي وهو على بينة تامة بأصولي الكردية وفي صوته رنة فرح عارمة:"شو قصتك يا صاحبي صوتك غير طبيعي". الصورة البطولية الخارقة للذئب الرمادي التركي الذي لا يقهر، المدجج بالسلاح على الطريقة الاميركية وهو يتجول في جبال كردستان الوعرة الصعبة والعصية على الغرباء، يحمل على ظهره عشرات الكيلوغرامات من عتاد القتل وأدواته، في ظروف مناخية صعبة من الشتاء الكردي القاسي، تلك المشاهد التي نقلتها وسائل الإعلام، خلال تغطيتها العملية العسكرية التركية في كردستان العراق، كانت كافية وكفيلة بإثارة الحمية القومية لدى أحفاد أتاتورك، فلا لوم على صاحبي التركي ولا حرج عليه ولا على أقرانه الطورانيين. أما الإعلام التركي الذي لم يتوقف عن التطبيل للنصر المبين قبل انتهاء الحملة العسكرية التركية وأثناءها، كذلك الحال بالنسبة الى القيادات السياسية والعسكرية التركية، وحتى الجمهور التركي العريض، فقد وجد نفسه في مأزق كبير وحيرة من أمره لا يستوعب الحدث، بعد انتهاء الحملة التركية، وبعد الانسحاب السريع والمفاجئ للجيش التركي من أراضي إقليم كردستان، وعودة الذئب الرمادي الى وكره خالي الوفاض خائباً ومن دون طريدة. تصريحات الساسة الأتراك على اختلاف توجهاتهم وألوانهم، والحملة الإعلامية التي رافقت الحملة العسكرية التركية، من السذاجة اعتبارها شكلاً من اشكال الحرب النفسية التي عادة ما تصاحب الحروب العسكرية. فالدافع الحقيقي وراء اختيار أقسى اشهر الشتاء وأصعبها، للشروع بالحملة العسكرية والاعلان عنها، والاستهتار بقوة الخصم الكردي، والحكم مقدماً على الحملة بالنجاح، أمور لا يمكن وصفها الا بالعجرفة والغطرسة لدى صانعي القرار العسكري والإعلامي في أنقرة. والهدف بالطبع، اظهار اقصى درجات القوة والبطش، ليس فقط للجمهور التركي ولا للعدو الكردي بل للعالم اجمع وخصوصاً الحليف الأميركي، والرغبة في استحضار الدور القديم لتركيا عضو حلف الناتو المدلل أيام الزمن الزائل من الحرب الباردة. على رغم خلافنا الشديد مع قائد حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان ومواقفه، وفي شكل خاص تلك المعلنة بعد اعتقاله، إلا أننا مدينون للشباب الكردي المقاوم ومدينون كذلك لقمم جبال كردستان الشماء الشامخة وثلوجها التي تثلج القلب، مدينون بكلمة شكر كبيرة لوضعهم حداً للغطرسة التركية. اما صاحبي التركي، وبحكم القاعدة التي تقول"السن بالسن والعين بالعين والبادئ اظلم"، فقد هاتفته بعد فشل الحملة التركية لأقول له:"شو قصتك يا صاحبي صوتك غير طبيعي"! درويش محمى - بريد الكتروني