يقع على كاهل الاعلامين العرب دور كبير في المساهمة بالاحتفاء بالقدس عاصمة للثقافة العربية خلال عام 2009، وذلك من خلال مواد إعلامية تسلط الضوء على القضايا المتشعبة لقضية القدس وفي المقدمة منها صراع الارادات في القدس، وتبرز هنا اهمية الدراسات التي تظهر السياسات السكانية الاسرائيلية الاجلائية في مدينة القدس، وامكانات وضع سياسات مواجهة لتثبيت المقدسيين في ارضهم، لكن قبل ذلك، أي قبل انطلاقة الاحتفالية لا بدّ من الاتفاق على مصطلحات محددة لاستخدامها في كل فعاليات الاحتفاء بالقدس، وهذا من شأنه ان يعزز جدية البحوث والدراسات والأعمال الفنية والمعارض، وهنا يبرز على سبيل المثال لا الحصر مصطلح الخطر الديموغرافي اليهودي على مدينة القدس، وكذلك ضرورة التركيز على عناوين إعلانية في المقدمة منها القدس مهد الحضارة الإنسانية. وفي هذا السياق تشير البحوث المختلفة الى المكانة المهمة التي تبوأتها المدينة عبر التاريخ، فمن جهة، ترجع أهمية موقع القدس الجغرافي والحضاري والقدرة على الاتصال بالمناطق والاقطار المجاورة. وتعود هذه الاهمية الى مركزية القدس بالنسبة الى فلسطين والعالم العربي والاسلامي، وهذا بدوره يؤكد أهمية القدس على الصعد الدينية والسياسية والتاريخية كافة. ولا يقل موضع المدينة أهمية عن موقعها، فهو موقع ديني يجمع بين طهارة المكان وسهولة الدفاع عنه، وقد تعاقبت كثير من الأمم على هذا المكان منذ بداية التاريخ، وتعرضت لاحتلالات ودُمرت وبُنيت نحو ثماني عشرة مرة، لكن أخطر الاحتلالات كان الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول تغيير معالم المدينة لجهة تهويدها والإطباق عليها في نهاية المطاف، من خلال عملية طرد منهجية لأهل المدينة من عرب مسلمين ومسيحيين، والقيام بعملية احلال يهودي لفرض الأمر الواقع الديموغرافي الاسرائيلي عليها. ويعتبر وجود الآثار والمعالم المسيحية في القدس جنباً الى جنب مع المعالم والآثار الإسلامية ذا دلالة مهمة على مدى التسامح الإسلامي ونبذ الطائفية، الأمر الذي أدى الى تمكين الطائفة المسيحية في القدس وما حولها من مدن فلسطينية من ممارسة طقوسها وشعائرها الدينية. وكان الخليفة العادل عمر بن الخطاب ذهب الى بيت المقدس عام 15ه/ 636 م وأعطى الأمان لأهلها وتعهد لهم أن تصان أرواحهم وأموالهم وكنائسهم، كما منح سكان المدينة الحرية الدينية، ورفض أن يصلي في كنيسة القيامة لئلا تتخذ صلاته سابقة لمن يأتي من بعده، حيث تميز الحكم العربي الاسلامي بالتسامح الديني، واحتفظ المسيحيون بكنائسهم وبحرية أداء شعائرهم الدينية، وبقيت المعالم المسيحية في مدينة القدس ماثلة للعيان حتى وقتنا الراهن، ومن بين تلك المعالم الموجودة في مدينة القدس، كنيسة القيامة، كنيسة المخلص، كنيسة يوحنا المعمدان، كنيسة المسيح، كنيسة مرقص، كنيسة القديس يعقوب، بطريركيات وأديرة للروم الارثوذكس والأقباط واللاتين والأرمن، وجميع تلك المعالم تقع في الجهة الغربية للقدس القديمة المسوَّرة، كما تنتشر كنائس ومواقع مسيحية أخرى في الشمال والشمال الغربي من منطقة الحرم القدسي، بحيث أصبح في مدينة القدس نحو عشرين كنيسة وديراً وبطريركية مسيحية. وتزخر المدينة بالآثار والمعالم الإسلامية التي تعكس هويتها العربية الإسلامية، وتشير الدراسات إلى أن القدس القديمة تضم أكثر من مئتي أثر ومعلم إسلامي في مقدمها الحرم القدسي الشريف، وكذلك سور القدس الشامخ كما أهلها، إذ أنشئ في عهد العرب اليبوسيين في عام 2500 قبل الميلاد وطرأت عليه تعديلات وعمليات ترميم في العهدين الأيوبي والمملوكي، وتمثل تلك الآثار والمعالم جزءاً من تاريخ الأمة وحضارتها الماثلة للعيان، كما تؤكد في الوقت نفسه أهمية القدس في حياة العرب والمسلمين حيث تربطهم بها روابط عقائدية وثقافية. ومن الآثار والمعالم الإسلامية البارزة في مدينة القدس أبواب الحرم والمسجد الأقصى ومسجد عمر ومسجد وقبة الصخرة المشرفة، فضلاً عن المتحف الإسلامي، والحمامات والزوايا والقباب. ومن الأهمية بمكان الإشارة الى أن الجيش الإسرائيلي طرد تحت وطأة المجازر نحو مئة ألف مقدسي عام 1948 بينهم الآلاف من المسيحيين، وتكررت عملية الترانسفير أثناء احتلال الجيش الاسرائيلي الجزء الشرقي من مدينة القدس عام 1967، حيث طرد 15 ألف عربي من المقدسيين المسلمين والمسيحيين. وبعد احتلال الجيش الاسرائيلي القدس القديمة في حزيران يونيو 1967، حاولت السلطات الاسرائيلية القضاء على التراثين الإسلامي والمسيحي في القدس للأطباق عليها، بالتالي تهويدها في شكل كامل: وتمثل النهج الاسرائيلي في عدد من الإجراءات التي تمت ضد الأماكن الاسلامية والمسيحية بهدف تدميرها وتشويه الطابع الحضاري لمدينة القدس وإزالة الاماكن المقدسة والقضاء بالتالي على ما تمثله هذه الأماكن من إرتباطات إسلامية ومسيحية بالمدينة المقدسة، ففي21-8-1969 دبرت السلطات الاسرائيلية عملية لاحراق المسجد الأقصى، كما حاولت نسفه بداية عام 1980 على يد الحاخام مئير كاهانا، وتكررت الاعتداءات منذ عام 1967 على الاماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وأجريت محاولات إسرائيلية لإقامة الصلوات في ساحة المسجد الأقصى، وسرقة بعض محتويات كنيسة القيامة، واستملاك الأراضي التابعة لبعض الأديرة المسيحية في القدس، ومنذ بدء النشاط الاستيطاني الاسرائيلي في مدينة القدس صودرت آلاف الدونمات والعقارات للعرب المقدسيين، مسلمين ومسيحيين. مما تقدم يمكن القول إن احتفالية القدس كعاصمة للثقافة العربية في عام 2009 لها رمزية استثنائية. فهي مناسبة لتضامن اسلامي - مسيحي وعربي رسمي وشعبي لدعم صمود الشعب الفلسطيني في المدينة لمواجهة سياسات التهويد الإسرائيلية المحدقة بالمعالم والآثار الاسلامية والمسيحية المنتشرة في المدينة، حيث لتلك الرموز دلالات واضحة على مدى التآخي والتعاضد الاسلامي - المسيحي في هذه البقعة الطاهرة من العالم. * كاتب فلسطيني نشر في العدد: 16703 ت.م: 27-12-2008 ص: 29 ط: الرياض